ساري جرادات - النجاح الإخباري - يعود تاريخ صناعة الزجاج والخزف في مدينة الخليل إلى حوالي 600 عام، حيث بدأت صناعته بأشياء بسيطة كتصنيع الخرز والحلي والكرات الدائرية، واستمرت لغاية أيامنا هذه، في ظل التطور الإقتصادي والصناعي الذي تشهده المدينة التي ناهز عدد سكانها عن 900 ألف مواطن.

يحمل الأبناء إرث أجدادهم الكنعانيين على أكتافهم للتدليل على تراث البلاد وأصالتها وعراقتها على شكل لوحات فنية، لتشكل بصمات أياديهم وعرق جبينهم أشكالاً متنوعة ومختلفة من الزجاج والخزف، مثل الفوانيس والصحون والساعات والتحف والمزهريات وكؤوس الحجامة والأباريق وغيرها العشرات من الأنواع.

الحاج وليد النتشة (64 عاماً) ورث الحرفة عن جده قبل نصف قرن تقريباً، كان يستغل عودته من المدرسة وهو في الثامنة من عمره، ويذهب لزيارة جده في مصنع الخزف، ثم ترك المدرسة في سن 13، وباشر العمل مع جده،  وورث مهنته وعلمها لأبنائه، في مصنعه الكائن بمدينة الخليل.

وقال الحاج النتشة ل "النجاح الإخباري" "الإحتلال الإسرائيلي يحاول طمس المعالم الثقافية والحضارية الفلسطينية في مدينة الخليل، وصبغها بالأساطير العبرية، ويعمل على إعاقة التقدم والتطور في مجال الصناعات الزجاجية عبر منع استيراد بعض المواد الخام، والسماح للسلع الأجنبية بغزو أسواقنا".

يتم تصنيع الزجاج من الأتربة والطين وصوان البحر والملح والرمل والفحم، حيث تجمع وتخلط مع بعضها في حوض ماء بكميات معينة، ومن ثم يتم تنشيفها، وبعدها يتم تنخيل الخلطة، ويأخذ الناعم منها، فتصبح مثل الملتينة ليتم تصنيعها بالشكل المراد، بعد إدخالها في فرن الصهر.

بعد إدخال الملتينة لفرن الصهر على درجة حرارة 1200 درجة، لمدة 12 ساعة، تخرج بشكلها النهائي المطلوب، ويتم وضع بعض الأصباغ لمنح الزجاج أشكال وألوان مختلفة حسب رغبة وطلب الزبائن والتجار، وتكون مرحلة الرسم والتلوين اليدوي على القطعة آخر محطة في مرحلة التصنيع.

ويروي العامل في مصنع الزجاج منصور النتشة (37 عاماً) حول عمله في تشكيل وصناعة الزجاج ل "النجاح الإخباري" "بدأت العمل في هذه المهنة وأنا في عقدي الأول من العمر، وبعد 7 سنوات من المراقبة والمشاهدة والتدريب على استخدام وتطويع الزجاج وتكوين الأشكال أتقنت العمل بالشكل المطلوب".

وتابع منصور حديثه لمراسلنا بالقول "قبل سنوات كنا نصنع الزجاج من الرمل والصودا، في فرن على درجات حرارة تفوق ألف درجة مئوية، الأمر الذي يتسبب بحر شديد إضافي علينا في فصل الصيف، بسبب المكوث 6 ساعات متواصلة أمام الفرن في أجواء شديدة الحرارة في فصل الصيف، لكن حبي لمهنتي هو سر تحملي لها".

يقوم المصنع بشراء الزجاج الملقى في الحارات والأرصفة، الذي يقوم الفتية بجمعه وبيعه للمصنع، وبدوره يقوم المصنع بصهره من جديد وإعادة استخدامه، عبر وضعه بفرن الصهر واستخدام أنبوب ينفخ فيه على قطع الزجاج السائلة، ليتحول لمناظر وأحجام تسر الناظرين، بعد عمل طويل وشاق وتركيز كبير.

وتشير بيانات الغرفة التجارية في الخليل إلى وجود أكثر من 60 مصنعاً ومعملاً لصناعة الزجاج والخزف في مدينة الخليل قبل اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000، ولازال سوق القزازين في بلدة الخليل القديمة مغلق بقرار من سلطات الاحتلال الإسرائيلي.

وختم الحاج النتشة حديثه بالقول "حرفة الأجداد في طريقها للاندثار، نظراً لتراجع الاهتمام المحلي بها، بسبب إجراءات الاحتلال الإسرائيلي، واعتماد نسبة كبيرة من الأسواق المحلية على الزجاج والخزف المستورد، واستطرد قائلاً:” صناعتنا تضاهي المستورد واقل ثمناً منه، ويتوجب على المواطن الفلسطيني قصدها في مناسباته والاعتماد عليها".