النجاح الإخباري - قدَّم لنا الناقد والمفكّر جورج طرابيشي في كتابه الذي أتى بعنوان "الله في رحلة نجيب محفوظ الرمزيّة"، الصادر عن دار الطليعة، بيروت (1973)، رؤيته حول "علاقة الإنسان بالله في أعمال محفوظ" وهو العمل الذي قال فيه محفوظ: "بصراحة أعترف لك بصدق بصيرتك، وقوة استدلالك، ولك أن تنشر عني بأنَّ تفسيرك للأعمال التي عرضتَها هو أصدق التفاسير بالنسبة لمؤلفها".
    

  واستنادًا إلى تحاليل جورج طرابيشي لمؤلفات محفوظ، نرى أنَّ محفوظ "طرح مشكلة الله من وجهة نظر تؤمن بالله وبالإنسان معًا"، فمحفوظ لم يكن ملحدًا ولم ينكر وجود الله، بل آمن بالاثنين معًا حيث إنَّه لم يكن متورطًا في مأزق الله أم الإنسان.
    
لذلك، ربما كانت الفضيلة الكبرى للفلسفة الوجودية هي إنَّها سلَّطت الضوء على الإنسان بوصفه مركز الوجود. وإن كان طرح محفوظ الوجودي للمصير البشري الفردي اتسم بيأس أو عبثية فإنَّه حمل في الوقت ذاته محاولات الوصول إلى معنى.

 

      
"فعندما تستحكم القبضة ولا يوجد منفذ واحد للأمل تؤمن القلوب القانطة بالمعجزة"

(نجيب محفوظ، الحرافيش)
        

وربما استطعنا القول إنَّ "الوجودية في الأدب" ليست كمثلها في الفلسفة. في الأدب، حملت الوجودية نبرة حزن وعزلة ومأساوية واغترابًا نراها في أعمال ديستويفسكي، ومحفوظ، وكامو، وكافكا. بينما "الوجودية الفلسفية" توجه يبحث في جوهر الوجود وأسئلة وموضوعات تتمرد على الحتمية التاريخية. ومن هنا فهي تختلف بقدر ما أدبيًّا عنها فلسفيًّا. 

     

"إنَّني أكتب الرواية أو القصة فيفسرها الناقد التفسير الذي يريد، ويفسرها القارئ التفسير الذي يريد، ولكل منهما حقه في التفسير. وربما كان تفسير الناقد أو القارئ يختلف تمامًا عن تفسيري أنا الخاص ورؤيتي الذاتية للعمل بمثل ما حدث أخيرًا معي بعد أن نشرت آخر حوارياتي "حارة العشاق"، لقد التقيت بعدد من الأصدقاء والكتاب فقال كلٌّ منهم شيئًا مختلفًا عن الآخر في هذه الحوارية. وأقول إنَّ كل ما قالوه يختلف تمامًا عما كان يجول في رأسي وأنا أكتبها".

(نجيب محفوظ)   

      
ويرى الناقد والمفكر جورج طرابيشي  أنَّ أدب نجيب محفوظ  لا يزال بحاجة إلى قراءات جديدة وتحليل أعمق لدلالات الرموز فيه. فحتى الآن، لم يتشكل حول أدبه حركة نقدية كاملة الملامح، بل تم تناوله مِن قِبَل نُقّاد كل على حِدة.