النجاح الإخباري - في قصص الفقد المتكررة، حكايات لأدباء وكتاب فقدوا ذويهم ونقلوا عبر إنتاجهم الأدبي حسرة الفقد إلى حيز الورق، ليعبروا عن ذواتهم الحزينة.

ملامح الحزن وأشباح الآلام الطاغية

عن فقد ابنه، قال الشاعر محمد عابس، إن الفقد ليس مجرد شعور ينتابك حين الموت فقط بل عالم متقاطع من الأحاسيس والمشاعر والذكريات والحكايات والمواقف، فالفقد شعور لا ينفك يعيشك وتعيشه، يظهر ويتوارى، يصرخ ويصمت، ويتمادى ويخجل، ينحت ملامحه في الأجواء والأماكن وجدران الروح.

 

وأضاف لقد واجهت الفقد عدة مرات، كان آخرها ولدي "مشعل"، ورغم أشباح الألم الطاغية، وملامح الحزن التي لا تخفى على أحد، حتى فيما أكتب، إلا أن الحياة تدفعني للمواصلة ورسم أحلام جديدة، أقطف من خلالها ثمار السعادة مع من غلّف الفقد ذكراه وكأنه معي.

 

أما الكاتب والأديب علي مغاوي، فقال، لقد قرأت كثيرا عن الفقد، ووجعه، وفقدت الكثير من الأهل والأحباب، لكن فقد ابني خالد علمني أن اليتيم ليس هو من يفقد أحد أبويه، إنما اليتيم هو الذي يفقد ابنه.

 

واستطرد مغاوي، لقد جعلني خالد، أكثر إيماناً وصبراً واحتساباً وجمالاً، فقد كان ابناً طائعاً وباراً كريماً، وعلى مستوى الكتابة فلم يوقفني خالد، عن الكتابة، إنما جعل نفسي قصيرا جدا في الكتابة.

 

من جهته، قال الشاعر إبراهيم زولي: "أبي كان أول سطر في ذلك السرد الجنائزي. كانت الساعة الآثمة، حين دقّ الغزاة على الدار، وانتزعوا وردة من حدائق عينيه، قبّلتُها، ثمّ سوّيتها وطنا في القصائد. تابع مستطردا، تلا ذلك غياب أمي، لم تزل حتى اللحظة، وهي تطلّ عليّ من الغيب، سمرتها القروية، نقشة حنّائها، والثياب الخجولة.. ثم اختطفت يد المنون "جدتي"، الفضاء النابض بالحكايات، وبعدها خالتي شقيقة أمي، كانت لنا أمّا ثانية، منذ طفولتنا أنا وبقية إخوتي.

 

أضاف زولي، شرعتُ في الكتابة عنهم، كي لا يستهدفهم النسيان، ولا يطمسهم المحو. إنهم الآن، يتنزّهون في سهوب الكتابة، وفي أعالي السماوات، واستحالوا نصوصا مغمورة بالنشيج، وقصائد مقفّاة بالعويل والدمع.

 

ورأى الشاعر إبراهمي الجريفاني، أن الاشتياق أيقونة الفقد، إذ يبقى الإنسان مؤنسنا، للأمكنة فيحيل التصحر إلى ربيع نابض بالحياة، ويأتي الفقد مثيراً جلجلة الفكر والمشاعر، أقرب إلى حجر صغير مقذوف من وجه الماء الراكد، فيحيله إلى دوائر تتسع وتتسع فتتسع.

وعن الحالة الشعرية، أشار الجريفاني، إلى أن الفقد مُعاناة مُحفزة للتصريح بالشوق المُشتئق، المثير لاِختلاسات غبار الذكرى، فيُجسد الحرف كل ما اختلج بالنفس من حبر أيام أثرت وأثّرت.

 

وأشار الكاتب والإعلامي علي مكي، الفقدُ حالة إنسانية، تثير حزناً عظيماً، يسيلُ من العين والروح كلها، وأن أكبر فقدٍ، كنتُ شاهده وحزنتُ كثيراً لأجله، هو رحيل الشاعر الكبير محمود درويش في أغسطس 2008، شعرت مع رحيله أن الشعر بعده صار يتيماً، غير أن الفنّ هو من ينتصر في النهاية على كل موت أو ما نظنه الغياب الأخير.

وهو ما عبر عنه درويش في ديوانه أو قصيدته الملهمة "جدارية" قائلا:

"هَزَمَتك يا موتُ الفنونُ جميعُها
هَزَمَتك يا موتُ الأغاني في بلادِ الرافدينِ
مسلَّةُ المصري، مقبرةُ الفراعنة
النقوشُ على حجارةِ معبدٍ هَزَمَتك
وانتصَرتْ وأفـْلتَ من كمائِنِكَ الخلودُ".