نهاد الطويل - النجاح الإخباري - ما  زال نقاش المراقبين والمحللين مستمرا في قلب مفاهيم الحل التي يقدمها قادة الاحتلال الاسرائيلي من منظور المشروع التهويدي القائم على القتل والترحيل. ومن رحم "حل الدولتين" "الميت" في العقلية الاسرائيلية تمخض "حل الدولة" المشوه في الفكر والمفهوم الأسرائيلي للحفاظ على "اسرائيل" وسط تنامل الخوف من العامل السكاني الطاغي للفلسطينيين والذي قد يهدد "اليهودية" باندماجهم أو انصهارهم في كيان جديد لن يكون في صالحهم.

استحالة التنفيذ ..

الكاتب والمحلل السياسي د.ناجي شراب رأى بأن الفلسطينيين سيرفضون "حل الدولة الواحدة " ليس بسبب افلاس هذا المشروع وحسب بل لاستحالة تنفيذه على الأرض.

وشدد شراب في تصريح لـ"النجاح الإخباري" على أن الخيار الفلسطيني الرسمي بات مدركا لأهمية التحرك بشكل عاجل على الساحة الدولية وتفعيل خيار " الدولة الفلسطينية كاملة العضوية " في أروقة الأمم المتحدة.

وتوقع شراب ان تواصل القيادة الفلسطينية معركتها التي قد تزيد الكلفة السياسة على الاحتلال ثمناً عبر العمل على اعطاء وصف دولة تحت الاحتلال، وبالتالي الضغط على المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته لإنهاء الاحتلال.

الرئيس الفلسطيني محمود عباس في الامم المتحدة

عضو المجلس الثوري لحركة فتح تيسير نصر الله أكد على موقف الحركة من "حل الدولتين " والذي تستقيه من برنامج منظمة التحرير الفلسطينية.

وقال نصر الله لـ"النجاح الإخباري" إن المعطيات اليوم تغيرت وإن خيار الدولة الواحدة الذي تروج له "اسرائيل" هو أبارتهايد تمارس فيه عنصرية مقيتة تحت شعار "يهودية الدولة".

وتابع نصر الله :" بالنهاية نحن نبحث عن حل يرضي شعبنا الفلسطيني لانه بمأزق والعالم كله يريد حل الدولتين".

الكاتب الأردني سميح المعايطة أكد في قراءة له ان "اسرائيل" تعمل بوتيرة لقتل "حل الدولتين" وفي الوقت ذاته لا يرغب بضم الفلسطينيين في دولة واحدة لانه يريدها "دولة يهودية" والدفع باتجاه حل الدولة الواحدة في السياق الاردني الفلسطيني تحت مفهوم عريض اسمه "كونفدرالية أو فيدرالية" بين الاردن ودولة فلسطينية بمقاسات ضيقة.

ولفت المعايطة الى التحذيرات الأردنية المستمرة في هذا الصدد، منذ عهد الملك الحسين رحمه الله، حيث ادرك حينها خطورة طرح اليمين الاسرائيلي المتطرف ، وكان الموقف واضحا في أن أي صيغة وحدوية بين الأردن وفلسطين لا تتم إلا بعد قيام دولة فلسطينية حقيقية قابلة للحياة، وعلى التراب الوطني الفلسطيني، أما قبل ذلك فالأمر ليس محل بحث.

الرئيس محمود عباس (ابو مازن) والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني (ارشيفية)

حل من خارج الصندوق ..

ورأى الخبير في الشأن الاسرائيلي د.عمر جعارة أن الاسرائيليين أنفسهم لن يقبلون بـ "حل الدولة الواحدة " لان هذا الحل يعني ثنائية القومية لدويلة "اسرائيل" وتاكيدا لهذا عدد الفلسطينيين في الدولة يساوي خمسة ملايين وربع كما ان عدد الاسرائيليين في فلسطين المحتلة خمسة ملايين ، بمعنى ان الاعداد متقاربة في المناصفة فلن تصبح دولة يهودية في فلسطين.

لذلك قال ليبرمان " انا مع دولة فلسطينية بتبادل سكاني وبخاصة سكان وادي عارة لان الفلسطينيين يريدون دولة لا اسرائيلي فيها وبالتالي الاسرائيليون يريدون دولة لا فلسطينيين فيها" وفقا لما ينقله جعارة.

ويستشهد جعارة - الأكاديمي في جامعة النجاح الوطنية - بتجربة جنوب أفريقيا في التحرر من نظام الفصل العنصري، موضحا أن نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا كان يتمتع بدعم قوي من النظام الدولي، وإن أحدا لم يكن يتصور في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي؛ أن نيلسون مانديلا سيخرج من السجن، وسيصبح أول رئيس لجمهورية جنوب أفريقيا الديمقراطية.

خيار المواجهة ...

وثمة من يرى بأن الحل قد يأتي من خارج صندوق "الدولة والدولتين" من خلال المواجهة الحتمية مع الاحتلال لأن المطروح اسرائيليا هو مشروع ترحيلي واستيطاني يمهد لمواجهة جديدة بعد نفاذ خيارات المواجهة السياسية مع الاحتلال.

ارشيفية

 وفي هذا الصدد يؤكد د.جعارة على أن الأطروحات الاسرائيلي جميعها لا تحمل ادنى شروطا "للتعايش" فيما يتوقع ان جعارة ان يقول الشعب كلمته من خلال التأكيد على تمسكه بالأرض واختيار سبيل المواجهة الحتمية.

وتكفي تصريحات أوفير جندلمان، المتحدث باسم نتنياهو للتدليل على ما سبق قوله حيث علق في موقع تويتر قبل ايام قائلا: "إن العالم لم يعد متحمسا لحل الدولتين"، وإسرائيل لن تقبل بضم مليوني فلسطيني إلى دولتها".

وتنقل صحيفة "جروزليم بوست" الاسرائيلية عن سيدة اسرائيلية قولها في هذا السياق:" لا اعتقد ان الدولة الواحدة هي شيء صحيح لنا، لاننا سوف نجد انفسنا امام رئيس وزراء عربي، ولن تكون هناك دولة يهودية".

 وأضافت: " ان النتيجة الاخرى لحل الدولة الواحدة هو الابارتهايد، وهو امر لا نستطيع التعايش معه، لذا فالحل الوحديد هو حل الدولتين، يقول الناس ان لديهم غزة والاردن، لكن هذا وطنهم وعلينا ان نعترف انهم بحاجة الى العيش هنا وان تكون لهم دولتهم الخاصة".

ويقرأ من تصريحات جندلمان وغيره أن الاحتلال لا يريد إعطاء الفلسطيني حقه ، لهذا يرون في انفصال غزة كسلطة مستقلة عن الضفة أمرا يخدمهم وهو ما ذهبت اليه تصريات زعيم البيت اليهودي، نفتالي بينيت ، عندما قال "إن هناك دولة للفلسطينيين"، ويرون حل مشكلة فلسطيني الضفة على حساب الأردن والأردنيين، ولهذا فهم لا يريدون لا حل الدولتين ولا حل الدولة الواحدة التي تضم الفلسطينيين والإسرائيليين.

"اسرائيل" تسعى لفرض مشروع تهويدي قائم على القتل والترحيل

نظرة تاريخية ..

ومنذ ربع قرن، والحراك السياسي الدولي المتعلق بالقضية الفلسطينية يتمحور على أساس "حل الدولتين"، والذي سيتحقق عبر المفاوضات. وعلى الرغم من تولد قناعات لدى القيادة الفلسطينية بأنّ هذا الحل لم يعد ممكناً، بسبب الاستيطان الإسرائيلي، إضافة إلى تراجع التأييد الشعبي له، إلا أنه ظل الحل المفضل لديها، باعتباره أكثر الحلول واقعية، وحتى الآن ما زال الموقف الفلسطيني الرسمي المطروح هو السعي للوصول إلى دولة مستقلة على حدود الـ67 وعاصمتها القدس مع حل قضية اللاجئين.

في العام 1968، قدمت "فتح" حلاً شاملاً للقضية الفلسطينية، وهو حل الدولة الفلسطينية الواحدة على كامل أراضي فلسطين التاريخية، التي يعيش فيه الفلسطينيون ومن يرغب من اليهود تحت سيادة دولة واحدة ديمقراطية يحكمها قانون المواطنة.

لكن الاطروحة الفلسطينية قوبلت حينها بالرفض المطلق من قبل "أسرائيل"، وحتى أن المجلس الوطني الفلسطيني في دورته التاسعة (1971)، والذي طُلب منه اتخاذ موقف من مشروع الدولة الديمقراطية، لم يتطرق إليها، كما لو أنه طوى هذا الملف وأغلقه قبل أن يتحول إلى برنامج سياسي، وهكذا تراجع هذا الحل لصالح البرنامج المرحلي (1974).