النجاح الإخباري - "حزب الله" لن يخوض بمفرده غمار أي مواجهة عسكرية مرتقبة ضد اسرائيل. قتال الفصائل العراقية المسلحة الى جانبه مسألة محتمة، يقول خبراء. رغم أن المشاركة قد تتخذ منحى مستترا. زيارة أمين عام "عصائب أهل الحق" الشيخ قيس الخزعلي الى الجنوب أثارت تساؤلات كهذه. التحليلات جمر تحت الرماد. "مئات آلاف المقاتلين العراقيين سيهبّون لنصرة الحزب. ايرانيون أيضاً. وسوريون وأفغان". التوصيفات كثيرة. والمضادة منها أيضا. لكن نقاطاً ثلاث تحتاج معالجةً قبل اي استنتاج: لماذا تشارك هذه الفصائل في الحرب؟ وما مدى حاجة الحزب الى العديد، ما دام ايقاع الحرب يعزف على لحن الصواريخ؟ وهل سيناريو الحرب مرجحٍ أصلاً اليوم؟

في طليعة الذين سيهبون الى المساندة يبرز اسم كتائب "حزب الله" العراقية. انها امتدادٌ للحزب في لبنان وارتباطاتها به وثيقة. ولعلّها تصنف في خانة الفصائل الأكثر قوة عراقيا. "انه الفصيل الأقوى على الاطلاق"، بالنسبة لمحللين عسكريين استراتيجيين. تلقى تدريبات عسكرية في ايران ولبنان. وفي حوزته أسلحة متطورة وطائرات مسيرة استخدمت في المعارك ضد داعش. ويتميز مقاتلوه بالشراسة والقوة أثناء المعارك. وتتمتع قيادته بالقدرة على ادارة التعبئة العسكرية.

ويلي كتائب "حزب الله" العراقية قوّة، في تصنيف المحللين العسكريين، كتلة فصائل بدر. وهي من أقدم التشكيلات العسكرية الشيعية المعارضة للرئيس السابق صدام حسين. لجأ جنودها الى ايران بعد حملة تصفيات واغتيالات لاحقت كوادرها في العراق. وبرز دورها بعد سقوط نظام البعث سنة 2003 فتحولت الى منظمة مدنية ودمجت في بعض مؤسسات الدولة. وعاد دور فيلق بدر العسكري ليتظهر من جديد في المعارك الضارية التي خاضها ضد داعش.

"عصائب أهل الحق" فصيل عراقي من الأقوى عسكريا أيضا. يتمتع بخبرة واسعة في قتال الأميركيين لفترة زمنية طويلة. اعتقل عناصرها، وفي طليعتهم الشيخ قيس الخزعلي زائر الجنوب اللبناني الذي "قامت الأرض حوله ولم تقعد". شارك "العصائب" في معارك ضد داعش، بحوزتها أسلحة خفيفة ومتوسطة. وتتمتع بخبرة قتالية يشهد لها.

عصائب أهل الحق.
"سرايا السلام" من بين الفصائل العسكرية الخمسة الأقوى عراقيا. الأسلحة بحوزته متوسطة وخفيفة. أعداد جنوده كبيرة، يأتمرون بطاعة مطلقة للسيد مقتدى الصدر. قاتلوا الأميركيين وعادوا ليواجهوا ارهابيي "داعش" متولين قطاع سمراء.

واستنادا الى معايير القوة، ينضم الى الفصائل الأربعة الآنفة الذكر، تشكيل أبو الفضل العباس. "مهم جدا"، يصفه الخبراء العسكريون. قاتل ضد "داعش" وضد الاميركيين أيضاً في وقتٍ سابق. حل الفصيل نفسه بعد اعلان النصر على تنظيم الدولة الاسلامية. ولكنه قد يعود ليتشكل من جديد في حال استدعت الظروف مشاركته في اي عملية عسكرية مستجدة.

واذا كانت الفصائل الخمسة هي الأقوى ميدانيا، فان عشرات الفرق الاضافية تلاقيها في الأهداف او تتحدّر منها. فما الدافع لكلّ هذه التفرعات التي تصب في خطٍّ واحد؟ يقول رئيس المجموعة العراقية للدراسات الاستراتيجية الدكتور واثق الهاشمي لـ"النهار" ردا على السؤال ان "طبيعة المعركة القاسية التي خاضتها القوات العراقية مع داعش كانت تحتم تشكيل فصائل جديدة. وهي حاولت المحافظة على اسمها وشكلها وكيانها".

وعن تلاقي هذه الفصائل رغم تفرعاتها مع "حزب الله" واستعدادها للقتال الى جانبه، يقول ان "بعض منها على تواصل وتنسيق دائمين مع "حزب الله" والجانب الايراني على حدٍّ سواء ولها رغبة في مساندة الحزب في أي مواجهة قد تكون مرتقبة مع اسرائيل". وعن طابع المشاركة العسكرية المتوقع اتخاذه، يقول انه وعلى الصعيد الرسمي، "لن تسمح الحكومة العراقية بمشاركة الفصائل ولا تريد ان تقع باحراجات حتى في الشأن اللبناني، ولكن المشاركة قد تتخذ طابعا فرديا كما حدث في سوريا. ما يعني انها قد تكون تطوعية أكثر منها علانية، وليس من طريق فرق منظّمة كما يحدث في الحروب".

السيد مقتدى الصدر.
لكن استبعاد الهاشمي فرضية مشاركة الفصائل العراقية من عدمه، نابعٌ من استبعاده سيناريو الحرب في المنطقة أصلا. اذ يقول ان "كل الحروب التي خيضت تمحورت بين عامي 1990 و2011 في ظلّ نظام القطبية الواحدة وتسيّد الولايات المتحدة المنطقة بعد تفكك الاتحاد السوفياتي. أما اليوم، ومع بروز الدور الروسي الذي قاد المرحلة واستخدم الفيتو، انتج توازن في المنطقة. واللاعبون الكبار لا يسمحون بشن حروب جديدة من قبل لاعبين اقليميين. وما يحصل راهنا مجرد استعراض قوّة".

"مليون مقاتل"

لعل استخدام مصطلح "مليون مقاتل" جاهز للتحرك أمام أي مستجد أمني بين "حزب الله" واسرائيل من شأنه أن يطرح عدّة علامات استفهام: ماذا عن دقّة الرقم؟ ولماذا الاحتكام الى هذا التوصيف في هذا الوقت بالذات؟ وهل من شأن هذه المقاربة ان تخدم "حزب الله" سياسيا اليوم أم أنها تضرّه؟

ترى أوساط خبيرة في الشؤون الايرانية ان طريقة طرح الموضوع مبالغ بها من قبل خصوم "حزب الله"، والهدف منها التخويف والتحريض أكثر منها ادعاء امتلاك القوة. ذلك ان القتال في وجه اسرائيل لا يحتاج الى مليون جندي يمكن سحقهم بسهولة، بقدر ما يحتاج الى تكتيكاتٍ خاصة. وهي باختصار معركة صواريخ لا معركة جنود.

فيما تكمن النقطة الثانية في مقولة "المليون جندي" حول وحدة الفصائل العراقية. فهل تتلاقى في العقيدة أم أن الظروف هي التي جعلتها تقاتل جنبا الى جنب؟ تساؤل تطرحه "النهار" على استاذ العلوم السياسية والدراسات الاسلامية في الجامعة الاميركية في بيروت أحمد موصللي الذي يقول ان "اطارا فكريا عقائديا يجمع ما بين الفصائل في كليتها. وهي تشكل قوةً داخل نظام الحكم في البلاد للتعامل مع الأوضاع الأمنية المستجدة. ولكل فصيل خصوصيته في التعامل مع الصراعات الداخلية الطارئة".

سرايا السلام.
وعن انضواء عناصر سنة في اطار قوات الحشد الشعبي يقول ان "حوالي 25% من الجنود يتشكلون من السنة. ولكن ما أجج الصراع الطائفي بهذا الشكل هو وجود القاعدة التي اعتبرت انها تريد محاربة الشيعة دفاعا عن السنة، ما انتج هذا التوتر المذهبي. ولكن الوضع في العراق تغير اليوم، والأمور تعود الى سكتها الصحيحة نحو بناء الدولة وتمثيل جميع الطوائف والأحزاب داخل مؤسساتها، رغم تأسفي الشخصي للاحتكام الى التقسيم الطائفي في الحكم" .

وعن التلويح بجهوزية "مليون مقاتل" للمشاركة الى جانب "حزب الله" في أي حرب مرتقبة في وجه اسرائيل، يقول: "يشكل عديد الحشد الشعبي مئة ألف عنصر. فيما مشاركة الحرس الثوري الايراني في أي مواجهة عسكرية يخوضها "حزب الله" مع اسرائيل ترفع أرقام الجنود المنضويين في المعسكر نفسه الى حدود 600 ألف مقاتل. ولكن الحرس الثوري قد لا يحارب بأعداد كبيرة خارج نطاق الدولة الايرانية لأن من مهامه الموكل بها حماية الجيش. ولا يغيب عن الظن، احتساب عديد الجيشين العراقي والسوري وعشرات المقاتلين اليمنيين. هذا ما قد ينتج رقما يساوي "مليون جندي" كما يتظهّر في الاعلام. بيد ان ان هذا الرقم الضخم تحدّ منه تساؤلات عن امكان المشاركة الفعلية للجيوش النظامية في مواجهة لبنانية اسرائيلية من جهة، وقدرة المقاتلين على الوصول الى لبنان (اليمنيين على سبيل المثال)".

قد تكون فرضية "مليون مقاتل" مبالغ بها. لكن الاستعداد الفعلي للمشاركة الى جانب "حزب الله" في القتال في حال طرأ أي طارئ على الحدود الجنوبية مؤكّد. لكن سيناريو الحرب، الذي ارتفعت بورصة الحديث عنه في أشهرٍ منصرمة، يبدو انها انخفضت اليوم.

(النهار اللبنانية)