النجاح الإخباري - تسعى إسرائيل لتكريم طبيب مصري يدعى محمد حلمي منذ وفاته، إلا أنَّها تصدم برفض عائلته، الطبيب المصري الذي كان مقيماً في ألمانيا، وتوفي قبل (35) عاماً.

ويعود سبب الرفض إلى أنَّ العائلة المصرية اعتبرت تكريم ابنها الراحل من جانب إسرائيل إهانة لمشاعر المصريين والعرب.

أما الغاية الإسرائيلية من التكريم فتعود إلى أنَّ الطبيب الراحل وخلال فترة الحرب العالمية الثانية قد أخفى يهوداً في عيادته ومنزله بالعاصمة الألمانية برلين، ومنهم فتاة خبَّأها مدَّة (3) سنوات كاملة من ملاحقات النازيين، وعندما علمت السلطات الألمانية بالأمر اعتقلته بقرار من الزعيم أدولف هتلر، وتدخل الملك فاروق ملك مصر حينها لإنقاذه.

وكانت نقابة أطباء برلين قد كرّمت الطبيب المصري قبل سنوات لإنسانيته، وصرّحت النقابة حينها: "لقد عاش إنساناً ومات في صمت".

وفي التفاصيل، ذكرت صحف إسرئيلية أنَّ مؤسسة "ياد فاشيم" منحت الطبيب المصري محمد حلمي لقب "نصير الشعب اليهودي وعزيز إسرائيل".

وأضافت أنَّ المؤسسة التي تتولى توثيق وتخليد ذكرى اليهود الذين تعرضوا للقتل على أيدي القوات النازية أو ما يُعرف بـ"الهولوكوست" منحت جائزتها بعنوان "شرفاء بين الأمم" للطبيب المصري محمد حلمي الذي كان يقيم في ألمانيا خلال فترة الحرب العالمية الثانية.

وقالت: إنَّ المؤسسة منحت لقبها للطبيب المصري تقديراً للجهود التي بذلها بالتعاون مع امرأة ألمانية، تُدعى فريدا شتورمان، إبان الحرب العالمية الثانية في برلين، لإنقاذ أبناء عائلة يهودية.

وخصَّصت "إيرينا شتاينفيلد" مديرة قسم بمؤسسة "ياد فاشيم" الجائزة للطبيب الراحل، وكشفت في حوار لها مع الصحافي الإسرائيلي "إيغال أفيدان" المزيد من المعلومات عن محمد حلمي، والأسباب التي دفعت المؤسسة إلى منحه هذا اللقب.

عنوان منزل الطبيب المصري الراحل

إسرائيل تلاحق مصرياً لتكريمه وعائلته ترفض

وقالت لقد حصلنا على وثائق من السيد مولدر، الذي بحث في تاريخ اليهود من ضحايا المحرقة النازية، وكشفت الوثائق قيام محمد حلمي و"فريدا ستورمان" بإنقاذ "آنا بوروس غوتمان"، وبعدما تحققنا من تلك المعلومات، قمنا بتوصيلها إلى لجنة القسم التي قرَّرت منح الإثنين اللقب.

وفي إجابتها عن سؤال كيف كان وضع حلمي كمصري مسلم بعد وصول هتلر إلى السلطة عام (1933) ؟، قالت "إيرينا شتاينفيلد" لقد أصبح وضعه معقداً، لأنَّه ووفقاً لعقيدة السلالات العرقية ينتمي إلى الجنس الحامي وليس إلى الجنس الآري، لذا لم يتمكن من الزواج من خطيبته الألمانية ولم يتزوجها إلا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية مباشرة، وكان حلمي قد انتقد النازيين، واعتقل بسبب ذلك، وفي وقت لاحق احتجز في معسكر بالقرب من مدينة نورنبرغ، لأنَّه كان مصرياً، وكانت مصر خاضعة للاحتلال البريطاني العدو الأوَّل للنازيين، وعلى الرغم من أنَّ حلمي كان يواجه العديد من المشاكل، إلا أنَّه مع ذلك كان ينتقد النازيين.

أما الفتاة اليهودية التي أخفاها الطبيب المصري من محرقة النازيين فهي "آنا بوروس"، وكان عمرها آنذاك (16) عاماً، وكانت تعيش في برلين مع والدتها وزوج أمها، وتقول "إيرينا شتاينفيلد" للصحافي الإسرائيلي: "إنَّ آنا بوروس أصلها روماني، وجاءت من رومانيا مع أمها إلى برلين عندما كان عمرها عامين، وفي برلين كان يعيش أجداد آنا، وتزوجت أمها وتدعى جولي من شخص ألماني عندما كانوا أجانباً يواجهون الترحيل الحتمي في أوائل عام (1942)، فقرروا الاختباء".

وتضيف قائلة: كان الطبيب المصري محمد حلمي هو الطبيب المعالج لكل أفراد عائلة "آنا بوروس"، ونعرف أنَّه أخفاها في كوخ خشبي ضمن حديقة منزله في منطقة برلين- بوخ، وعندما تأزم الوضع ذهب بها إلى الألمانية فريدا ستورمان، حيث بقيت بضعة أسابيع هناك حتى هدأت الأوضاع، كما قام الدكتور حلمي أيضاً بتقديم الرعاية الطبية لجدة وعم آنا اللذين كانا مختبئين عنده أيضًا، وكان في ذلك خطورة كبيرة بالنسبة للطبيب، لكنَّه لم يكترث وتابع ما بدأ به.

وأضافت: نحن لا نعرف إلا القليل عن الدكتور حلمي، لأنَّ زوجته توفيت، ولم يترك أولاداً أو أحفاداً، وأشار إلى أنَّه وفي نفس الوقت الذي كانوا يبحثون فيه عن عائلة الطبيب المصري، قامت ابنة آنا بوروس التي أصبحت تحمل اسم غوتمان فيما بعد نسبة لزوجها بالاتصال بنا هاتفياً، وتذكرت زيارتها مع عمتها للدكتور حلمي في برلين، وسوف ترسل لنا قريباً وثائق وصور لوالدتها.

من جهة أخرى، ذكرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية أنَّه تمَّ التوصل لأحد أقارب الطبيب المصري، وأضافت أنَّ ممثلًا عن عائلة حلمي سيتلقى الشهادة خلال الأسبوع في العاصمة الألمانية برلين، بعد أن رفضت العائلة طوال (4) سنوات تلقي هذه الشهادة في إسرائيل.

وقالت الصحيفة الإسرائيلية، إنَّه من المقرر أن يتلقى أحد أبناء عائلة الطبيب المصري الشهادة في مقرّ وزارة الخارجية الألمانية، وليس في السفارة الإسرائيلية كما هو متّبع، لأنّ العائلة ترفض تلقيها بشكل مباشر من الإسرائيليين.

وبحسب الصحيفة، فإنَّ قريب الطبيب المصري الراحل وهو الطبيب ناصر قطبي، أستاذ في الطب، ويبلغ من العمر (81) عاماً وافق بدوره على تلقي الشهادة باسم العائلة.

وذكرت الصحيفة أنَّ المخرجة الإسرائيلية، تاليا فينكل، تدخَّلت للتأثير على قرار العائلة وتغييره من الرفض للموافقة، خاصة أنَّها صورت الفيلم الذي يوثق قصة حلمي وآنّا، والذي كان يحمل عنوان "الجرأة على الإنقاذ".

ولد الطبيب المصري الراحل محمد حلمي في الخرطوم عام (1901)، وانتقل عام (1922) إلى برلين لدراسة الطب وبعد التخرج عمل في معهد روبرت كوخ، لكنه سرعان ما فُصل عن عمله عام (1937) لأسباب عنصرية بعد وصول النازيين إلى الحكم في ألمانيا، واعتقلته السلطات هناك، وتدخَل الملك فاروق حاكم مصر حينها وتوسَّط لدى هتلر للإفراج عنه، وبعدما انتهت الحرب، بقي حلمي في برلين إلى أن توفي عام (1982).