النجاح الإخباري - أفاد التلفزيون الإيراني اليوم الثلاثاء بأن 9 أشخاص قتلوا خلال مظاهرات ليلة أمس في محافظة أصفهان، لترتفع بذلك الحصيلة النهائية لضحايا الاحتجاجات التي تشهدها البلاد إلى 21 شخصا، وأوضح أن 6 متظاهرين لقوا مصرعهم في مدينة قهدریجان، حيث حاول المحتجون اقتحام مركز للشرطة، بينما قُتل فتى ذو 11 عاما وأصيب والده، حسب التلفزيون، بنيران متظاهرين في مدينة خميني شه، أثناء مرورهما قرب تجمع غير مشروع، علاوة على ذلك، أكد التلفزيون مقتل عنصر في وحدات "الباسيج" التابعة للحرس الثوري وإصابة آخر برصاص أطلق من بندقية صيد في كهريز سانغ.

وكانت السلطات قد أعلنت مساء الاثنين عن مقتل شرطي برصاص أطلق من سلاح صيد في مدينة نجف آباد، وارتفعت بذلك حصيلة ضحايا الاحتجاجات التي تشهدها إيران منذ الخميس المنصرم إلى 21 قتيلا على الأقل، بمن فيهم 16 متظاهرا، وأكد وزير التربية والتعليم الإيراني علي أصغر فاني أن طالبا من بين ضحايا الاحتجاجات، وأفاد التلفزيون الرسمي بتوقيف 100 شخص مساء الاثنين في محافظة أصفهان على خلفية أعمال العنف والشغب الأخيرة.

وتتسع الاحتجاجات الشعبية ضد النظام في مختلف أنحاء إيران التي تسكنها قوميات متعددة، فإن هناك تطور قد يصبح مع الوقت مفصليا في تحديد مستقبل نظام الملالي، وهو حراك القومية الأذرية، ويعرف الإيرانيون من القومية الأذرية، بالإيرانيين الأتراك، هم ثاني أكبر قومية بعد الفرس، حيث يبلغ عددهم نحو 20 مليون نسمة، ما يتعدى 22 في المئة من عدد سكان البلاد، ويتواجد معظم الأذريين في محافظات أذربيجان الشرقية وأردبيل وزنجان وأجزاء من أذربیجان الغربیة، وبأعداد قليلة في محافظات أخرى مثل كردستان وقزوين وهمدان وغیلان ومركزي، ويعيش كثير من الأذريين في العاصمة طهران، وهم يدينون بالمذهب الجعفري (الشيعة) مع وجود أقلية سنية.

وبحسب مركز المزماة للدراسات السياسية، فإنه يوجد أكثر من مليون أذري يسيطرون على الأسواق التجارية في طهران وحدها.

ويعد الأذريون من أهم القوميات التي انتفضت ولمرات عديدة في وجه النظام البهلوي، حتى نجحوا عام 1945 من إقامة جمهوريتهم الديمقراطية، لكن انسحاب السوفييت من شمالي إيران أدى إلى انهيار الجمهورية الوليدة، وكانت مشاركة الأذريين في ثورة عام 1979 سببا كبيرة في الإطاحة بحكم الشاه محمد رضا بهلوي/ واعتلاء الملالي السلطة، لذا فقد تغلغل نفوذهم في كافة مفاصل الدولة لمعرفتهم الجيدة بالإدارة.

وقال الصحفي المتابع للشأن الإيراني إن "الأذرايين هم عصب الدولة الإيرانية، حيث يسيطرون على مفاصل الإدارة وأعلى المناصب في مختلف القطاعات من بينها الجيش"، وأوضح أن "النظام الإيراني يعمل حسابا كبيرا للقومية الأذرية على عكس القوميات غير الفارسية الأخرى".

وتجدر الإشارة إلى أن مرشد إيران الحالي، علي خامنئي، والرئيس الإيراني السابق، والمعارض البارز مير حسين موسوي، هما من أصول أذرية.

ويشير فحص إلى أنه في عام 2009، حين خرجت احتجاجات تحولت لانتفاضة واسعة خطيرة ضد النظام الإيراني، " كان لموقف الأذاريين عامل كبير في إخمادها، فقد اعتبروا أن ما يحدث صراعا سياسيا لا يعنيهم"، لكن الجديد في الاحتجاجات الأخيرة، بحسب فحص، هو خروج مظاهرات من مدن أذرية مثل أرومية وتبريز، مطالبة بإسقاط النظام، وأضاف، "رغم أن التحركات قليلة في هذه المدن، فإنها تتسع مع الوقت لأن الأذريين مثلهم مثل جميع الإيرانيين يعانون أيضا من الوضع الاقتصادي المتردي بسبب سياسات النظام".

ويعني انضمام أبناء القومية الأذرية إلى الانتفاضة الشعبية أن عصب النظام الإيراني بات يواجه مشكلة حقيقية، فالأذريون هذه المرة لم يكتفوا بمراقبة ما يحدث، وهي إشارة مرعبة للنظام، وتعرف السلطة الإيرانية جيدا ماذا يعني الغضب الأذري، ففي عام 2006 عندما قام أحد الرسامين بنشر كاريكاتير تهجمي ضد اللغة التركية والأذرية، واندلعت على أثرها مظاهرات عارمة، دفعت الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد إلى تقديم اعتذار، وزيارة الإقليم واتخاذ إجراءات بحق الصحيفة التي نشرت الكاريكاتير.

ونقلت وكالة "ايلنا" الإيرانية اليوم الثلاثاء عن نائب حاكم طهران علي أصغر ناصر بخت تأكيده توقيف مائة شخص خلال مظاهرات أمس في طهران، علاوة على 150 و200 آخرين تم اعتقالهم الأحد والسبت الماضيين على التوالي، ونقلت وكالة "فارس" الموالية للحكومة عن رئيس محكمة الثورة في مدينة مشهد حسن حيدري دقايقي إعلانه عن توقيف 132 شخصا خلال 3 أيام من "أعمال الشغب والتجمعات غير القانونية" في المدينة التي تعد مهد موجة الاحتجاجات الأخيرة، وأكد المسؤول عودة الأمن والاستقرار إلى مشهد، قائلا: "المدينة لم تشهد ليلة أمس أي تجمعات وكان الأمن مستتبّا تماما فيها".

وأفادت وكالة "رويترز" نقلا عن مصادر إعلامية محلية بأن مئات المحتجين اعتقلوا في مدن إيرانية أخرى في الأيام الأخيرة، وأعلن وزير العلوم الإيراني منصور غلامي عن إخلاء سبيل عدد من الطلاب الموقوفين أثناء المظاهرات في محيط جامعة طهران، وذلك بفضل تدخله الشخصي ورئيس الجامعة، مضيفا أن عددا لا يُعرف من الطلاب ما يزالون معتقلين.

وشدد رئيس محكمة الثورة في طهران، حجة الإسلام موسى غضنفر أبادي، على أن السلطات القضائية ستتعامل بحزم ووفق القانون مع كل من يلجأ إلى العنف ويثير الشغب، مؤكدا في الوقت ذاته أن السلطات القضائية أصدرت تعليمات للقوى الأمنية بعدم التعاطي بعنف مع مثيري الشغب والمحكمة هي الجهة الوحيدة التي تقرر مصير هؤلاء الأشخاص.

 وأعلنت وزارة الأمن الإيرانية في بيان أصدرته أمس الاثنين عن إلقاء القبض على عدد من المتظاهرين في مختلف مدن البلاد، مثمنا "مواقف الشعب الإيراني ووعيه وفطنته التي تمثلت في تفويت الفرصة على الذين كانوا يحاولون الإخلال بالنظام العام والاصطياد في الماء العكر"، بحسب وكالة "تسنيم"، وحمّل بيان الوزارة "عناصر مشبوهة وعنيفة" تغلغلت في التجمعات التي جرت في البداية بشكل هادئ المسؤولية عن تحول هذه التجمعات إلى اضطرابات في بعض المدن.

وكشف المتحدث باسم قوى الأمن الداخلي الإيرانية سعيد منتظر المهدي، عن اعتقال أحد "مثيري الفوضى"، بعد نشر فيديو يظهر حرقه للعلم الوطني، واستنكر التصرفات "الخارجة عن القانون" في بعض مدن البلاد، من قبل من سماهم "مثيري الفوضى"، منوها إلى أن الإيرانيين جميعهم لا يقبلون تلك التصرفات.

ووفقا للتقارير الورادة من طهران فإن المطالب التي شهدتها أنحاء البلاد بوضع نهاية للمصاعب الاقتصادية والفساد حساسية، خاصة لأن زعماء إيران كثيرا ما يصورون الثورة التي أطاحت عام 1979 بنظام حكم الشاه، على أنها ثورة الفقراء على الاستغلال والقهر، وهو ما كذبته الأعوام اللاحقة، ورغم تباين المطالب من الفئات المختلفة بالمجتمع، فإن المقاطع المصورة التي يبثها الشباب والطبقة العاملة تمثل القاسم الأكبر، وينطوي ذلك على خطورة أكبر على السلطات لأنها تعتبر الطبقات الأقل ثراء موالية للنظام، مقارنة بالمحتجين الأكثر انتماء للطبقة المتوسطة الذين خرجوا إلى الشوارع قبل تسع سنوات.

وطبقا للأرقام الرسمية، فإن 90 في المئة من الذين ألقت الشرطة القبض عليهم تقل أعمارهم عن 25 عاما، وكثيرون من الشبان أكثر اهتماما بالوظائف والتغيير منهم بالشعارات التي يتلطى خلفها النظام، ومحاولة اللعلب على المشاعر المناهضة للغرب التي يتشبث بها الحرس القديم، فيما أظهرت تقارير مسربة خشية القادة الإيرانيين من تحول مطالب المتظاهرين من اقتصادية إلى سياسية، لاسيما مع رفع المتظاهرين شعارات سياسية من بينها "الموت للديكتاتور" في إشارة إلى خامنئي، وأشار التقرير صراحة إلى أن المتظاهرين "بدأوا يرددون شعارات سياسية منذ اليوم الأول للاحتجاجات. وفي طهران ردد الناس شعارات ضد خامنئي، وكانت الشعارات التي استخدمت في مدن أخرى ضد خامنئي"، وتكمن الجرأة في تحدي المرشد الأعلى الذي يتبوأ منصبا دينيا، لم تصل إلى هذا الحد في احتجاجات عام 2009.

وبعد 6 أيام على اندلاع الاحتجاجات الشعبية في إيران، خرجت تركيا عن صمتها عبر بيان تماهى في بعض جوانبه مع تصريحات المرشد الإيراني، علي خامنئي، الذي اتهم أعداء بلاده بإثارة الاضطرابات، ويجسد هذا التماهي أو التقاطع مع الحليف الإيراني، حين تمنى بيان الخارجية التركية، الذي تشرت مقتطفات منه صحيفة "حرييت" الثلاثاء، تجنب "الخطابات والتدخلات الخارجية التي تحرض على التطورات".

وكان خامنئي، وفي أول تعليق له على الاضطرابات، قد قال "في الأيام الأخيرة، استخدم أعداء إيران أدوات مختلفة منها المال والسلاح والسياسة وأجهزة المخابرات لإثارة مشاكل للجمهورية الإسلامية".

ولم تكتف الخارجية باللعب على وتر التحذير من التدخلات الخارجية المزعومة، بل وجهت رسائل للمتظاهرين، حثتهم فيها على تجنب العنف وعدم الانجرار إلى "الاستفزازات"، ورحبت أيضا بخطاب الرئيس الإيراني، حسن روحاني الذي، أيد خلاله الحق في الاحتجاجات السلمية، لكنه حذر من انتهاك القوانين أو المساس بالممتلكات العامة، وهي الشماعة التي يتخذها النظام الإيراني لقمع المحتجين، وقالت، "نأمل في أن يتحقق السلام وأن يسود المنطق السليم حتى لا تتصاعد الأحداث وأن يتم تجنب الخطابات والتدخلات الخارجية التي تحرض على التطورات".

وأعرب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الثلاثاء، عن أسفه لسقوط قتلى في التظاهرات في إيران، في وقت طالبت الولايات المتحدة بعقد اجتماعات طارئة لبحث التطورات في هذا البلد الذي يشهد احتجاجات مستمرة من أيام.
وأكد المتحدث باسم غوتيريش، فرحان عزيز حق، في المؤتمر الصحفي اليومي للأمم المتحدة، أن "الأمين العام يتابع من كثب المعلومات عن التظاهرات في العديد من المدن في ايران. نأسف لوقوع قتلى ونأمل بتجنب العنف في المستقبل"، وأضاف "نأمل بأن تُحترم حقوق الشعب الإيراني في التجمع سلميا والتعبير" عن رأيه، نافيا أن يكون غوتيريش قد تأخر في اتخاذ موقف حيال التظاهرات، التي واجهتها السلطات الأمنية بأعمال عنف دامية ومئات التوقيفات.

وتشهد عدة مدن إيرانية تظاهرات مستمرة منذ الخميس الماضي ضد النظام، واجهها الأمن الإيراني بالقوة والعنف، مما أسفر عن مقتل 21 شخصا على الأقل، اعتقال المئات، وتجد قوات الأمن صعوبة في احتواء أخطر تحد للنظام الإيراني في إيران منذ ثورة 2009، حيث لجأت إلى اعتقال 450 شخصا في ثلاثة أيام بالعاصمة طهران منذ السبت الماضي.