النجاح الإخباري - لكل ملك أو رئيس طقوس خاصة في الطعام الذي يتناوله بعيدًا عن فحصه قبل الأكل، فكيف بدأت قصة الطباخين مع عدد من الرؤساء العرب؟ وما الطعام المفضل لديهم؟

تغيرت طقوس الطعام للرئيس الراحل "ياسر عرفات" بحلول عام (1999) حين بدأت حياته الصحية تتدهور.

وكان لـ "رزق أيوب" بصمة في هذا التغيير، ونكهة خاصة لطعام الراحل أبو عمار.

Yasser-Arafat

وبدأت قصة أيوب مع الرئيس الراحل في عام (1995)، حيث أعد فطورًا جماعيًّا في مقر جوازات غزة وكان المشرف على إعداد الطعام، فأعجب الراحل أبو عمار بطعامه واستدعاه على الفور كطباخ خاص في منزله.

واستطاع أيوب كسب ثقة الجميع وكان يطهو الطعام في المنتدى الرئاسي أيضًا، فكان طباخًا ماهرًا، كما أنَّ الأطباء كانوا يشرفون على الطعام المقدم للرئيس. 

ويؤكَّد أيوب على أنَّ عرفات كان حريصًا على تناول شوربة الخضار عندما تدهورت حالته الصحية عام (1999)، وابتعد عن اللحوم والأسماك.

أما عن الطقوس الخاصة بالطعام في رمضان، أكَّد أيوب على أنَّ الراحل عرفات كان يصر على تقديم التمور بنفسه، عند رفع أذان المغرب، ويشير إلى أنَّ الرئيس كان حنوناً في تعامله مع الجميع كأنَّهم أولاده. ويلفت في أحد لقاءاته الإعلامية إلى أنَّ أبا عمَّار لم يتأفَّف من أي طعام تمَّ تقديمه له.

وحول أهم الأطعمة التي حرص عرفات على تناولها، يوضح أيوب أنَّه كان يعشق الأكلات الشعبية والفتة والزعتر الفلسطيني، وأكَّد أنَّ ياسر عرفات كان لا يتناول أي منتجات إسرائيلية، ويرفضها تمامًا، خصوصًا العصائر والمعلبات والمشروبات المختلفة.

وبسبب سفر الرئيس الراحل المتكرر، كان يتناول شوربة العدس والخضار والسلطات، وحين كان يدخل أبو عمار إلى المطبخ لتناول أكل سريع كان يصر على تناول بقايا الخبز.

طباخ ملوك السعودية

أما "أيمن البغدادي" فكان نصيبه تولي مهنة الطبخ لملوك السعودية بالصدفة، فأجاد طبخ الأسماك واللحوم والدجاج. ويحكي البغدادي عن تجاربه مع الملوك، وآخرهم الملك سلمان بن عبد العزيز.

حيث بدأ البغدادي مهنته الحالية بالصدفة بعد إعداده وليمة لأبناء الملك عبد الله الفيصل، لاقت حينها رضاهم بشكل كبير، وبتشجيع من الأمير تركي العبد الله، فتح البغدادي محلاً خاصاً، وتعلم احتراف طهي الأسماك. ويؤكد البغدادي على مساعدة الأمير السعودي له مادياً ومعنوياً.

واستغلها البغدادي في فتح محل خاص اكتسب شهرته من صاحبه، في عمر (33) عاماً، وهو يبلغ من العمر الآن (54) عامًا.

يعتبر احتراف طهي الأسماك أفضل ما صنعته أيدي البغدادي، ثمَّ احترف طهي الخراف، وكانت تجربته الأولى في الشواء مع تولي الملك عبد الله بن عبد العزيز مقاليد الحكم.

Saudi-king

 

"الناجل" المفضل لدى الملوك

ويتذكر موقفاً في ما يتعلق بوزن سمكة الناجل المفضلة لمائدة ملوك السعودية، والتي تصل لـ(13) كيلوغرامًا إذإنَّ إحدى الشخصيات المشهورة شاهدت السمكة على المائدة، وكان يعتقد أنَّها ديكور ولم يتخيل أنَّها معدة للطعام.

ويحكي البغدادي عن إعداده لولائم ضخمة للملوك والرؤساء، بأنَّ المفضل دائماً هو السمك المقلي بجانب أسماك الناجل، مضاف إليها الذبائح المحمرة مع الكاجو والمكسرات واللوز، مع قليل من الملح. ويشير إلى أنَّ فترة معايشة الملوك والرؤساء واستضافتهم تكون مصحوبة دائماً باللحوم والأسماك.

طباخو ملك المغرب

كان "مصطفى النكير" أو الحاج كما يلقبونه، على موعد عام (1983) مع اختيار الملك "الحسن الثاني" ملك المغرب ليكون طباخاً له، عن طريق المصادفة، بعد إهمال طباخ الملك السابق وصية ملكه بالحفاظ على مخ كبش الأضحية، لكنَّه ذهب لأسرته لقضاء العيد وأهمل الوصية، فكان الحاج النكير الطباخ الذي تمَّ اختياره حينها ليتولى المهمة.

وأجرت قناة "العربية" لقاءً مع الحاج، أصحاب مطعم "الأمين" المشهور في المغرب، والذي يقدم مشاوي الخراف ووجبة "الطنجيته"، تحدَّث خلاله عن أسراره الطريفة مع الملك الراحل. وهو يعتز بحمله لدفتر يحمل توقيعات قادة العالم وكلمات اعتزاز وتقدير منهم له.

King-Hassan-Morocco

ويشير "النكير" إلى أنَّ الملك الراحل كان حريصاً على عمل شبه معرض للمأكولات الشعبية مثل "البسْطيلة" و"الطنجية"، بالإضافة إلى مربي الحمام ومروضي القرود والأفاعي، فضلاً عن الحكواتيين، في ساحة مسجد الفنا في مراكش، لتتوفر أجواء الفرحة لدى أفراد القصر والعاملين فيه، ورواد هذه الساحة والقادمين إليها من مختلف البلدان، وفيها تقدم أنواع الأطعمة المغربية الأصيلةكافة.

ماذا كان يأكل الملك الحسن الثاني من يد النكير؟

يذكر "النكير" أيام الملك الراحل، الذي كان حريصاً على أكل لسان الخروف وأذنيه، ولم يبخل في تقديم مشورته ونصائحه للطباخين في البلاط الملكي. ويحكي الحاج موقفاً مشابهاً بأنَّ الملك أعطاه ذات مرَّة نصيحة بعد وضع خروف مشويّ على المائدة، وتقديمه في أطباق لضيوف الملك. لكن الملك الحسن توجه للنكير مباشرة بعد انتهاء المائدة، ونصحه بتقطيع الخروف بعد شوائه بالمنشار الكهربائي، ثم إعادة الشواء ليتجمع قليلاً، فيسهل تقطيعه أمام الضيوف، ومن ثم يتجنب الفتات المتساقط من قطع اللحم الصغيرة على أثواب الضيوف.

ويوضح الحاج "النكير" أنَّ الملك الحسن كان عاشقاً للوجبات التقليدية المغربية والمشاوي، ويشرف عليها بنفسه في رحلات الصيد، وكان يحرص على إحضارها في سفرياته.

محمد الصقيلي

حين تقرأ أنَّ دبلوماسيًّا هو من طباخي ملوك المغرب، يبدو  الأمر غريبًا. والحديث هنا عن "محمد الصقيلي"، صاحب أشهر مطاعم المغرب "للا الياقوت"، الذي التقى به موقع "Maroc Akhbar Yawmia" في مراكش، ليكشف أسرار الطبخ المغربي، لذلك يصفه البعض بطباخ البلاط.

وتخرج الصقيلي من أبرز معاهد أمريكا، ثمَّ تعلَّم فنون الطبخ في العالم، ليختمها بفتح مطعم "للا الياقوت"، المصنف عالمياً من أشهر المطاعم. وهناك يتم اختيار أفضل الخضر والفواكه التي اعتاد الصقيلي تقديمها في بلاط الملوك، واعتاد أصدقاء الملك الحسن الثاني الراحل الذهاب إلى مطعم الصقيلي، لذا سموه بطباخ الملك.

وفي المطعم الملكي، يحظى الضيوف بأطباق مغربية خاصة، مثل الشلاظة، البريوات، التكتوكة، والتشرميلة.

طباخ صدام حسين

"أيوب العبيدي" سيبقى الطباخ الذي رافق كواليس أسرة الراحل صدام حسين، وكان خبيراً في تقديم أنواع الأسماككافة لأسرة صدام، خصوصاً تلك التي كان يعشقها النجل الأصغر، قصي.

وكان الرئيس صدام وأسرته  من زبائنه، وكانوا يعشقون السمك الذي يعدّه. فكان حراس صدام يأتون لمحل العبيدي، الذي يعد فيه الأسماك مرتين أو ثلاث مرَّات أسبوعيًّا للحصول على الأنواع المختلفة من الأسماك.

ويروي العبيدي بأنَّه بعد اعتياد أسرة صدام على شراء السمك منه، صار الطباخ الرئيس لهذا النوع من الطعام لأسرة صدام، حتى قبل شهرين من سقوط النظام.

ويذكر العبيدي أنَّه ذات مرة طلب أكبر حراس صدام حسين منه إعداد( 20) سمكة كبيرة، فتعجب طاهي السمك لأن الرئيس العراقي اعتاد أكل الأسماك الصغيرة، وبالفعل في الموعد المحدد، تمَّ اصطحاب العبيدي للمكان المخصص لاستقبال مسؤولين حكوميين.

ويُشير إلى أنَّ السمك المسقوف أي المشوي على الحطب، كان المفضل لدى قصي، ويؤكد الطباخ، الذي اقترب من الثمانين من عمره، أنَّ فترة السبعينات كانت الأفضل له في تقديم الأسماك.

Saddam-Hussein

ويسرد الطباخ التاريخي لصدام حسين بعض المواقف الطريفة، منها أنَّه كان أحيانًا يرفض أن يحصل على أموال من بعض الشخصيات القيادية الدولية المشهورة نظير ما يطبخ في محله الخاص، ويتذكر أنَّه رفض الحصول على أموال من مسؤول فرنسي بداعي موقف فرنسا تجاه العرب والقضية الفلسطينية.

ويذكر أنَّه تمَّ دعوته ذات مرة إلى منطقة العوجة عام (1989) لإعداد المسقوف الذي يجيده لساجدة والملكة نور زوجة العاهل الأردني الملك حسين. كما يذكر السهرة التي أعدها على شرف زعيم الحزب الوطني الروسي ونائب رئيس الدوما، "فلاديمير جيرينوفسكي"، بمناسبة عيد ميلاد صدام حسين.

وتمنى العبيدي في نهاية سرده لتلك الذكريات أن يزوره القادة العراقيون في محله، الذي أصبح فيه هاوياً.

طباخ حسني مبارك

ظلَّ الحاج "سلامة أبو لبن"، طباخ الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، في خدمته (29) عاماً، يعد له الطعام الخاص. وأبدى الحاج سلامة عرفاناً بالجميل في حق مبارك وأسرته في لقائه، مؤكِّداً أنَّه لم تُوجه أي إساءة له أثناء فترة عمله.

Hosni-Mubarak

وعن الأطباق التي كان يحرص مبارك على تناولها، ويعدها طباخه في قصر الرئاسة بالعروبة، يقول الحاج سلامة: "الإفطار عبارة عن بيض وفول وزبادي، والغداء جمبري بالصوص، والعشاء فول مدمس، أما كلب سعادة البيه، فغداؤه شوربة خضار وفراخ، والعشاء عسل نحل وزجاجة مياه معدنية".

ولم يستطع سلامة إخفاء مشاعره تجاه الرئيس الأسبق، معللاً ذلك بأنَّ "العشرة لا تهون". ومن الأمور التي لا ينساها أنَّ نفسية مبارك تأثرت كثيراً بعد وفاة حفيده "محمد علاء مبارك".

وفي ما يتعلق بكواليس إعداد الطعام حتى وصوله إلى فم الرئيس، يروي سلامة أنَّ الطبيب  كان يبدأ بالرقابة أولاً، ليتأكد من خلو الطعام من الفيروسات قبل طهيه، ثم يمر بعدَّة مراحل حتى يتذوقه "زكريا عزمي" رئيس الديوان حينها.

ويوضح أبو لبن أنَّ عمله كان يبدأ منذ السادسة صباحاً، فيعدّ وجبة الإفطار التي يجب أن تضم بعض الأصناف مثل قلب الخسة لما له من فوائد لأمراض القلب، ولم ينس سلامة الحديث عن طبق صدور الحمام، الذي كان يعدُّه لضيوف الرئيس الأسبق.