النجاح الإخباري - بعد 13 سنة من انسحاب الاحتلال الإسرائيل الأحادي من قطاع غزة، ما زال القطاع الصغير والمحاصر عقدة تستعصي على الحل. لقد جربت "إسرائيل" كل شيء في غزة. أبقتها قديماً مع الحكم المصري، ثم احتلتها، ثم استلمتها السلطة الفلسطينية، ثم انسحبت منها بشكل أحادي عام 2005، ثم شنت عدة حروب طاحنة ومدمرة. كل هذا من دون أن يتضح أن "إسرائيل "نجحت مرة واحدة في التخلص من صداع القطاع الصغير والمكتظ بالسكان.

على مدار سنوات طويلة من جولات المواجهة في القطاع، ظلت غزة التي يحلو للإعلام الإسرائيلي تسميتها بـ«طنجرة الضغط» تغلي على نار هادئة، فلا هي انطفأت ولا هي انفجرت، بل ظلت مثل قنبلة تحتمل الانفجار.

تعود مشكلة الاحتلال إسرائيلي مع غزة حتى ما قبل احتلالها عام 1967، عندما كانت تحت الحكم المصري. إذ تردد ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل، في احتلال القطاع بعد حرب 1948. ثم شن أول هجوم إسرائيلي عليها في 14 أكتوبر (تشرين الأول) من عام 1948، أي بعد ثلاثة أيام من إعلان "الاستقلال في إسرائيل" وهو ما يعرف بالنكبة الفلسطينية . وعاد بعد 7 سنوات، أثناء حملة سيناء، لاحتلال القطاع الذي لم يدم طويلا، قبل أن يعود وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه ديان لاحتلال القطاع عام 1967.

في العام 1987، أطلق قطاع غزة شرارة الانتفاضة الشعبية الأولى، وغدا «ساحة حرب» صغيرة مزعجة للدولة النووية إلى الحد الذي تمنى معه رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحاق رابين لو تغرق غزة في البحر.


هربت إسرائيل من غزة عام 1993. وقدم إليها الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وحتى العام 2005 شنت إسرائيل 4 حروب، حتى قرر رئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون في 2005، الانسحاب من غزة ضمن خطة عُرفت آنذاك بـ«خطة فك الارتباط الأحادي الجانب»، وبموجبها أخلت إسرائيل 21 مستوطنة في القطاع، ومعها معسكرات الجيش الإسرائيلي.

أجبر شارون 8.600 إسرائيلي على ترك المستوطنات متعهداً بأن خطته هذه «ستحقق أقصى مستوى من الأمن». لكن بعد ذلك، اضطرت إسرائيل لشن حروب كبيرة وصغيرة، ومواجهات لا تحصى، أثبتت آخر جولاتها - التي بقيت يومين فقط - أن الإسرائيليين لم ينعموا أبدا بالأمن، وإنما لفرط الرعب راحوا يتظاهرون ضد حكوماتهم لأنها تفشل في جلب حياة عادية لهم.

إنها مظاهرات جعلت السياسيين الإسرائيليين في انقسام، يتبادلون اتهامات قديمة حول الفشل في التعامل مع غزة. وبينما ما زال النقاش محتدماً داخل إسرائيل حول كيفية التعامل مع القطاع، يعيش سكانه البالغ عددهم 1.8 مليون مأساة متواصلة، بفعل حصار مستمر منذ 11 سنة، جعل «طنجرة الضغط» تغلي بتسارع كبير نحو مواجهة غير مسبوقة.

على الأقل، يبدو أن التهديدات الإسرائيلية الكثيرة والحروب المتتالية وعدد الهدن التي عقدت في وقت قصير تشير إلى حيرة إسرائيلية كبيرة في التعامل مع القطاع، وربما إلى عجز. ويترجم ذلك ما قاله الكاتب والمؤرخ الإسرائيلي توم سيغيف، ذات مرة، بقوله إن «القصة بين إسرائيل وغزة طويلة ومستمرة منذ عام 1948. كانت وما زالت وستبقى علاقة عنف وضغط وإحباط ويأس واتفاقيات وفرص ضائعة». ويرى الكاتب أن سلسلة الحروب الطويلة التي شنتها إسرائيل على غزة في السنوات الأخيرة تثبت ما ذهب إليه بن غوريون نفسه عام 1948، بما معناه «لو غزونا غزة ألف مرة، فإنها لن تخضع».

- غزة الأكثر كثافة في العالم

في المنطقة الجنوبية من الساحل الفلسطيني على البحر المتوسط، على مساحة لا تزيد عن 360 كيلومترا مربعا، بطول 41 كلم، وعرض يتراوح بين 5 و15 كلم، يعيش في قطاع غزة قرابة 2 مليون  نسمة، وهو ما يجعل القطاع البقعة الأكثر كثافة سكانية في العالم. وهو يسمى بقطاع غزة نسبة لأكبر مدنه... غزة.

تبلغ نسبة الكثافة فيه وفقاً لأرقام حديثة 26 ألف ساكن في الكيلومتر المربع الواحد، أما في المخيمات فترتفع الكثافة السكانية إلى حدود 55 ألف ساكن تقريبا بالكيلومتر المربع.

ويشكل القطاع مع الضفة الغربية، وهي الجزء الفلسطيني من الأراضي التي احتلتها إسرائيل في 5 يونيو (حزيران) 1967، الأراضي التي تسعى السلطة الفلسطينية لإنشاء دولة ضمن حدودها.

وحالياً، يوجد في القطاع 44 تجمعاً سكانياً، أهمها: غزة ورفح وخان يونس وبني سهيلا وخزاعة وعبسان الكبيرة وعبسان الجديدة ودير البلح وبيت لاهيا وبيت حانون وجباليا. ويقول البنك الدولي إن القطاع يمثل الآن أسوأ اقتصادات العالم أداء، وفيه أعلى معدل بطالة في العالم إذ يبلغ أكثر من 50 في المائة، ويمثل من هم في سن 20 - 24 سنة نسبة 68 في المائة بين العاطلين.

- حكاية غزة مع مسلسل العمليات العسكرية

كانت إسرائيل تعتقد أن تسليم غزة إلى السلطة الفلسطينية عام 1994 سيحوّلها إلى شرطي على الحدود، وكان هذا بمثابة وهم جديد. إذ اضطرت إسرائيل إلى شن أولى عملياتها العسكرية ضد غزة بعد تسليم السلطة لها بنحو 8 سنوات، وتحديداً في نهاية أبريل (نيسان) 2001.

وفي مايو (أيار) 2004، شنت إسرائيل عملية «قوس قزح»، وفي سبتمبر (أيلول) 2004، عادت ونفذت عملية «أيام الندم». ثم في 2005. انسحبت إسرائيل فعلا من قطاع غزة ضمن خطة عرفت آنذاك بـ«خطة فك الارتباط الأحادي الجانب». وفي 25 سبتمبر (أيلول) 2005 شنت إسرائيل عملية «أول الغيث» وهي أول عملية بعد خطة فك الارتباط بأسبوعين.

بعد عام واحد، في يونيو (حزيران) 2006. شنت إسرائيل عملية باسم «سيف جلعاد»، ثم في فبراير (شباط) 2008، عادت من جديد لتنفذ عملية «الشتاء الساخن». وفي نهاية العام، وتحديداً في 27 ديسمبر (كانون الأول) 2008، شنت إسرائيل إحدى كبرى عملياتها العسكرية على غزة وأكثرها دموية، وعُرفت باسم «الرصاص المصبوب».

وبعد أربع سنوات، عام 2012. شنت إسرائيل عملية «عمود السحاب». وفي 2014 شنت حربا دموية باسم «الجرف الصامد» ظلت 51 يوماً، وخلفت أكثر من 2000 شهيد فلسطيني ودماراً كبيراً. وقبل أيام في نوفمبر (تشرين الثاني) 2018 خاضت جولة قاسية مع غزة. ولا أحد يعرف متى ستكون المواجهة التالية.