هاني حبيب - النجاح الإخباري - جملة من المقولات المخادعة توازت مع نشاط أمريكي - إسرائيلي -  عربي، لتسويق ورشة البحرين من ناحية، وإلقاء اللوم وحتى الإدانة إزاء الموقف الوطني الفلسطيني الذي أجمع على رفض هذه الورشة، الترجمة الدقيقة للمقترح الاقتصادي الذي عقدت على أساسه الورشة هو "من السلام إلى الازدهار" الذي ينطوي على تغليب وأولوية الجانب السياسي المؤدي إلى السلام الذي من شأنه تحقيق الازدهار حسب الوثيقة وعنوان "سلام من أجل الازدهار" لا يختلف كثيراً عن العنوان الأصلي إلاّ من حيث التأصيل اللغوي من قبل المختصين بهذا الشأن.

الجهات المختلفة التي حاولت تسويق أهداف هذه الورشة، عادت من جديد كي تكرر مقولتها الدائمة حول الرفض الفلسطيني لكل مؤامرات ومبادرات تصفية القضية الوطنية الفلسطينية، فمن وجهة نظر هؤلاء أنّ الفلسطينيين لا يفعلون أي شيء سوى رفض كل مبادرة من شأنها التخفيف من معاناتهم الإنسانية، فقد رفضوا الحل الاقتصادي الذي تقدّم به وزير الخارجية الأميركي الأسبق "جون كيري" والذي منحهم حرية العمل والتنمية واستعادتهم السيادة على المنطقة "ج" وفقاً لهذا الحل، وهاهم الآن يرفضون خطة كوشنير - غرينبلات الهادفة إلى إنقاذهم من ويلات المعاناة والفقر والبطالة، حتى أن البعض من المروجين للورشة ومخرجاتها غير المعلنة توقف عند إحدى أهم مخرجاتها والمتعلقة بإقامة معبر آمن بين قطاع غزة والضفة الغربية، والذي يتناقض مع التوجه الإسرائيلي الرسمي الذي يسعى لاستمرار الانقسام والانفصال بينهما، وغاب عن هؤلاء أن بروتوكل المعبر الآمن وليس "الممر الآمن" كان قد ورد في اتفاق أوسلو وتم توقيع بروتوكل بشأنه في تشرين أول - أكتوبر 1999، بحيث يمر من حاجر بيت حانون شمال القطاع وصولاً إلى مفترق المجدل مروراً إلى ترقوميا وكلها مناطق خاضعة للسيطرة الإسرائيلية، واستمر العمل به أربعة أشهر فقط قبل أن  توقفه سلطات الاحتلال مع اندلاع الانتفاضة الثانية.

ليس هدفنا في هذا السياق، الدخول في لعبة أرادها لنا هؤلاء المروجون للورشة، إذ أنّ الدخول في التفاصيل من شأنه أن يغيب الأهداف الأساسية، ذلك أن الغياب المتعمّد في تحميل الاحتلال أولاً ما وصلت إليه الأمور ذات الطابع الانساني هي مسؤوليته أولاً واخيراً وثانيا إن أي حل يكمن بداية في إنهاء وتصفية الاحتلال وأن أي صياغات سياسية واقتصادية وإنسانية تتجنب هذا الحل الوحيد إنما تهدف إلى إدامة الاحتلال وتسهيل بلعه والتعامل معه من قبل الفلسطينيين والعرب عموماً.

وثاني هذه المقولات الخادعة تنطلق من الادعاء بأن الفلسطينيين اعترضوا على الصفقة قبل أن يطلعوا عليها، بالفعل إن الفلسطينيين لم يطلعوا على الصفقة فحسب بل كانوا شهوداً على أهم محطاتها الأساسية سواءً لجهة الاعتراف بالقدس عاصمة للدولة العبرية وإلغاء ملف اللاجئين والإطاحة بحق العودة من ملفات الحل النهائي ناهيك عن اعتراف أمريكي بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان، فهل هناك أكثر من ذلك خاصة بعد إشارات وإيحاءات السفير الأمريكي في إسرائيل بأن إمكانيات ضم الضفة الغربية أو أجزاء هامة منها باتت أكثر احتمالاً في سياق هذه الصفقة، هل بعد ذلك يمكن القول أن الفلسطينيين رفضوا الصفقة دون أن يطلعوا على مضمونها في وقت تم تكريس أهم مضامينها قبل الإعلان الرسمي عنها؟!.

وهل هناك أكثر وضوحاً من أن أحد أهداف ما يسمى بالازدهار الاقتصادي، هو توطين اللاجئين الفلسطينيين وإزالة مخيماتهم باعتبارها الشاهد على النكبة من ناحية وإصرارهم على حق العودة من ناحية ثانية لكي يشكل ذلك سبباً جوهرياً لرفض الكل الفلسطيني لهذه الورشة وكافة مخرجاتها.

إن أخطر ما تنطوي عليه صفقة القرن وورشة البحرين وكافة الخطط الشبيهة، هو التعامل مع القضية الفلسطينية باعتبارها مسألة إنسانية بعيداً عن جوهرها السياسي، وهذا هو السبب الأساسي والجوهري لرفض الفلسطيين لهذه المؤامرة الجديدة.