عيسى قراقع - النجاح الإخباري - يوم 26/3/2020 أقدم الأسير أيمن ربحي الشرباتي سكان القدس 52 عام المحكوم مدى الحياة منذ عام 1988 والملقب بالمواطن على اشعال النيران في غرفة السجانين في سجن نفحة الصحراوي، مما أدى الى شبوب حريق في باب الغرفة الخشبي، وقد اقدم على ذلك احتجاجا على تجاهل ادارة سجون الاحتلال لمطالب الأسرى وعدم اتخاذها التدابير الصحية اللازمة داخل السجون لمنع أنتشار فيروس الكورونا المستجد لا سيما بعد أن أعلنت سلطات السجون إصابة عدد من السجانين بهذا الوباء.

حالة استنفار واسعة دبت في صفوف السجانين الذين أقتحموا ألاقسام في سجن نفحة واقتادوا الأسير الشرباتي الى العزل في الزنازين وأجراء محاكمة داخلية له وفرض عقوبات قاسية عليه بحرمانه من الزيارة والكنتين وغرامة مالية وتعويضات عن خسائر الحريق .

ألاسير أيمن الشرباتي حمل لقب المواطن لقناعته أن المواطنة ليست فقط على أرض فلسطين المحررة وأنما أيضا داخل السجن، تعبيرا أن السجن لم يسيطر على مواطنة الفلسطيني وهويته النضالية أو يطوعها، لقد لفظ المواطن السجن من داخله وحلق خارج السجن، وصار فعل المواطنة الفلسطينية نقيض للأسرلة والخنوع والاستسلام .

المواطن الذي أحرق الكورونا في سجن نفحة وجه صرخة الى العالم والمجتمع الدولي تحذر من خطورة انتشار الكورونا في صفوف الاسرى في ظل الاستهتار الاسرائيلي بحياتهم وصحتهم، أشعل النيران ليرى العالم سحابات الدخان وينتبه الى أجرس الانذار الذي قرعه خلف الجدران.

المواطن يحرق الكورونا في سجن نفحة، يحرق السجن الذي تنتشر فيه ألامراض الخطيرة، يحرق تخاذل وتباطؤ ادارة ألسجون ،يطالب بحملة دولية واسعة محليا وأقليما ودوليا لأنقاذ الأسرى من وباء الكورونا القاتل، السجون تربة خصبة لهذا المرض ،أجساد ألاسرى منخورة بشتى الامراض الصعبة، يقول المواطن: أخترنا أن نموت في المواجهة مع الجلادين ولكن لن نموت بالكورونا الصامت كصمت المجتمع العالمي الذي يشبه صمت القبور.

المواطن يحرق الكورونا في سجن نفحة، واذا كان الموت قدر كل الناس، لكننا نكره الموت مكبلين معصوبين في الطريق الى مقابر الارقام أو الثلاجات الباردة، الموت بكرامه ، يقول المواطن، الموت منتفضين ووجوهنا الى الامام، لا نريد أن يأتينا الموت من خلفنا، يتسرب الى قلوبنا ورئتنا ويخنقنا دون مقاومة، أرادتنا هي الكمامة والدواء والقرار والحرية الشاملة منذ البداية حتى النهاية.

المواطن الشرباتي يعيش في السجن داخل صرخة غضب ، فقد أقدم على حرق العلم الاسرائيلي أكثر من مرة، أنزله عن برج السجن وحرقه، لن نبقى تحت ظل هذا العلم رمز الاحتلال والقهر والظلم والاغتصاب، صوت الاسرى في ساحات السجون يصدح النشيد الوطني الفلسطيني، وكلما أحرق المواطن علم اسرائيل كلما اندلعت في السجون المظاهرات والاضرابات في سبيل تحسين شروط الحياة الانسانية، ورفضا للاجراءات المشددة والمذلة بحقهم .

المواطن يحرق الكورونا في سجن نفحة، يضم صوت الاسرى الى صوت الحملات الدولية التي تطالب بحماية الاسرى من فيروس الكورونا، ويضم صوت الاسرى الى صوت الشعب الفلسطيني وقيادته التي تواجه الكورونا بكل ارادة وعزيمة وتحد آثار دهشة وانبهار العالم ، المواطن يضم صوته الى صوت الرئيس الفلسطيني أبو مازن عندما وجه الى الامين العام للامم المتحده اقتراح آلية دولية منسقة وجهد دولي مؤسسي لمواجهة هذا الوباء ولأجل الحفاظ على مستقبل البشرية والانسانية.

المواطن يحرق الكورونا في سجن نفحة لكسر روتين السجن، يحطم ساعته الرتيبة المملة، لنا زمننا الخاص، لن تظل حركتنا وفق عقارب زمن السجن وأجندة السجان، كل أسير له ساعته ، لدمنا وقت ، لقلوبنا النابضة وقت، لأرادتنا وقت، الوقت عندنا لا يراه المحتلون ونظام السجن البائس، لهذا سنقلب المعادلة .

المواطن الذي عبأته سنوات السجن بأناشيد الشوق والحنين الى الوطن والعائلة والاصدقاء، يرى زملاءه الاسرى يكتبون الرسائل لاطفالهم ، يرسمون أجمل صور الحياة القادمة في دفاترهم ، درسوا وحصلوا على الشهادات، غدا سيكونوا في المدرسة أو الجامعة، لم يستوعب أن يموت الاسير في المسافة القريبة الى البيت ويحترق الامل في الطريق، لم يستوعب أن يخرج الأسرى جثثا في اكياس سوداء كل عام، يقول: لا أريد ان ابقى مشيعا للأسرى الشهداء، اريد ان اكسر حزن الوداع واصل الى نهاية الطريق، نحتاج الى نهار طليق، لا اريد ان اخجل من دمع امي حين اللقاء.

المواطن الشرباتي علم عينيه كيف تسهر، علم قلبه كيف ينبض، علم جوعه كيف يشتعل، علم صوته كيف يغضب، وظل السجانون يتعثرون من باب الى باب ومن ليل الى ليل، السجانون يلاحقون المواطن من زنزانة الى زنزانة، مثقلين بالنعاس وبالقيود، لا ارض تحتهم ولا سماء.

المواطن يحرق الكورونا في سجن نفحة، وعندما ادلى السجان بشهادته خلال محاكمة المواطن قال: رأيت اسيرا يهز جذع نجمة وآخر يسقي بماء جوعه غيمة، رأيت الأسرى يتحدثون مع حبيباتهم وأولادهم واشجارهم المثمرة، رأيتهم يوشوشون الشمس فتضحك لهم في الظهيرة، رأيت عيونا ترى ما بعد الأسلاك الشائكة، رأيت الأسرى في مساجد وكنائس القدس يصلون في ساحة القيامة وباب الرحمة، رأيت أسرى يعودون من البحر المتوسط في يدهم موجة، يتنهد البحر على صدورهم، رأيت نفسي اختنق في العتمة والدخنة.

ويقول السجان في شهادته : تحولنا الى شياطين ووحوش آدمية، الأسرى صاروا شهودا على انحطاطنا الانساني والاخلاقي، تحولوا الى لعنة تلاحقنا في النوم وفي اليقظة، منذ اكثر من 74عاما ونحن محبوسين بين الجدران الرطبة، ليس هذا ما وعدتنا به دولتنا اسرائيل، اين الدولة الحضارية المدنية والرفاهية؟ صدقنا الأسطورة فقادتنا الى الهلاك الروحي، تخلت الأسطورة عنا وتركتنا محشورين في هذه المقابر الحجرية.

ويقول السجان: نحن المسجونين في سجون بنيناها، تحولنا الى آلات تنفذ الأوامر، عمياء صماء، لا مشاعر، لا اجازة لا مغادرة، السجون صارت شبكة لا تصيد الا سجانيها، نعيش داخل السجن او تحت سقف من الحديد، رأيت نار الخطيئة تشتعل فينا، ندور وندور ونحترق في الدائرة.

المواطن يكتب في نهاية محاكمته داخل السجن ما قاله الشاعر الكبير راشد حسين:

يا شانق النارَ ما اغباك من بطل..

هل يشنق النارَ حبل عظمه وبرُ..

مهما شنقتم اعدنا بعث ميتن..

بطلقة، بملاك الموت تأتمرُ..

فقد حلفنا وأعلنا ارادتنا..

ان الشعوب اذا هبت ستنتصرُ .

 

نقلا عن صحيفة القدس