حمادة فراعنة - النجاح الإخباري - كما توقع قطاع من المراقبين على خلاف القطاع الأوسع منهم، لم يأت الرد الإيراني بمستوى الخسارة والتحريض الإعلامي والحشد الشعبي رداً على اغتيال الأميركيين للسليماني والمهندس، فالضربات الصاروخية الإيرانية لقاعدتي كردستان وعين الأسد، لم تصلها أغلبية الصواريخ، وإذا وصلتها لم تحدث أضراراً ولم يُجرح أميركي واحد، وإذا كان ثمة ضرر فقد مس العراقيين مادياً أو معنوياً.

الذين قرأوا حيثيات المشهد السياسي بدقة، ودققوا بمعطيات الموقفين الإيراني والأميركي تبين عدم توفر الرغبة في الحرب بينهما مباشرة، لغياب أسبابها الجوهرية ودوافعها العملية فالعلاقة بين طهران وواشنطن متنقلة ما بين التفاهم ضد طرف ثالث، ضد: صدام حسين وطالبان وداعش والقاعدة، أو الخلاف والتباين بسبب طرف ثالث، صديق لطرف منهما بما لا يتفق مع الطرف الثاني، ويتم التصادم بالوكالة عبر الطرف الثالث، باستثناء ما فعلته واشنطن في اغتيال رجل إيران القوي قاسم سليماني، ولكن هذا ليس سبباً كافياً لشن حرب على الولايات المتحدة، رغم أهمية الرجل وأهمية الدور الإقليمي الذي يؤديه خدمة للمصالح التوسعية الإيرانية.

والسبب الثاني الجوهري لدى إيران أنها لا تملك القدرة العسكرية على مواجهة الولايات المتحدة، ولا توجد جغرافية مجاورة ليكون الاشتباك بينهما عملياً، فالولايات المتحدة قادرة على تدمير إيران عن بعد بدون الاعتماد على العامل الجغرافي.

وعلينا أن نتذكر أن إيران لم تستطع هزيمة العراق في حرب السنوات الثمانية بسبب المال الخليجي الذي موّل تغطية تكاليف تلك الحرب، والسلاح الأوروبي المتطور الذي تم تقديمه للعراق، والأقمار الصناعية الأميركية التي عملت على خدمة ثغرات الجيشين العراقي والإيراني خدمة لبغداد، بينما لا تملك إيران من يقف إلى جانبها كما هي اليوم.

قدرات إيران وتفوقها عاملان أولهما تمسك أغلبية شعبها مع النظام، وثانيهما مخالبها من التنظيمات السياسية التي تقف معها أو تدين لها بالولاء والتبعية، وليس لديها ما تخسره سوى تضحيات الشباب المتحمسين لولاية الفقيه وثورته.

ضربات إيران الصاروخية لقاعدتي واشنطن تستهدف أولاً رفع الروح المعنوية لدى عامة الإيرانيين والتجاوب معهم على أنها لم تتردد ولم تتأخر، وثانياً لفحص ردة الفعل الأميركية بعد تحذيرات النواب الأميركيين للرئيس ترامب أنه لا يملك قرار خوض الحرب مع إيران.

ضربات إيران وصواريخها كما يقال عند العسكر ضربان» فشنك» ونتائجها «فشوش»، أي صواريخ صوتية أكثر منها ذات تأثير فعلي مؤثر على العدو، وهذا ما يؤكد أن توجهات إيران ليست جادة في فتح معركة عسكرية مباشرة ضد الأميركيين ورهانها سينصب على التنظيمات السياسية الممتدة لها في العديد من الأقطار العربية.

والأميركيون لا يقل اهتمامهم نحو عدم الرغبة وعدم توفر المصلحة لشن حرب على إيران، إضافة إلى قرار الكونغرس المقيد لصلاحيات الرئيس، ولذلك سيبقى السجال والاشتباك السياسي بينهما حاداً ولكنه لن يصل إلى حد شن حرب معلنة بين الطرفين.