عبد المجيد سويلم - النجاح الإخباري - كثيرة هي المصالح التركية مع جماعة السراج والمليشيات المتحالفة معه، وخصوصا جماعة الإخوان المسلمين.
الامر يتعدى النفط والغاز، وربما يصل إلى طموحات تركية بتواجد عسكري دائم في غرب البلاد حتى دون العاصمة.
تركيا معنية بمحاصرة مصر لأسباب إخونجية، وهي تدرك أن سقوط «الإخوان» في ليبيا سيعني بالضرورة، انتصارا حاسما لمصر على الإرهاب بعد إحكام البوابة السودانية وبعد الإطاحة بالبشير.
النفط والغاز موضوع كبير في ذهن أردوغان، ولكن المسألة مرتبطة باستراتيجية الاستحواذ على كل ما يمكن الاستحواذ عليه، ومرتبطة بالتصدير وخطوطه، ومرتبطة أيضا بالاستراتيجية المشتركة مع قطر من جهة، ومع «منع» استفادة مصر من الثروات الليبية، وكذلك خصومها في كل من قبرص واليونان.
التهديد الذي بات يشكله المشير حفتر على نظام السراج المسنود من مليشيات الإخوان وأعوانهم من الدواعش وأشباههم في بعض مناطق الغرب الليبي سيمنع تركيا من اللعب بكل هذه الأوراق الاقتصادية الضخمة، بل وربما سيؤثر على الواقع والموقع الجيو - استراتيجي لتركيا، كما سيؤثر حتما على دور تركيا بعد أن «أمنت» الولايات المتحدة نفط وغاز شرق الفرات لنفسها وللأكراد السوريين في المنطقة.
باختصار فإن موضوع النفط الليبي وخصوصا بعد تقلص المنطقة الأمنية في شمال وشرق سورية، وبعد أن «حجم» الروس الدور التركي، وحولوه إلى مجرد «عازل» ديمغرافي مرشح للنجاح المؤقت، ومرشح اكثر للفشل الأبعد، اصبح النفط الليبي والغاز أيضا أحد أهم محركات هذا «الاستفاقة» المباغتة لتركيا.
هناك تنسيق كبير بين اليونان وقبرص وإسرائيل في موضوع النفط والغاز، وهناك تنسيق من نوع آخر (ولكنه تنسيق مصالح) بين هذه المجموعة ومصر، وهناك تنسيق بين المصالح الروسية والمصرية في هذا الإطار، وكذلك محاولات للتنسيق بين تركيا وروسيا، لكن النتيجة النهائية لهذه الشبكة المتداخلة والمعقدة إلى أبعد حدود التداخل والتعقيد ليست في مصلحة تركيا بأي حال.
مفاد القول ومختصره هنا هو أن التدخل التركي في ليبيا بات ضروريا من وجهة نظر أردوغان، وحزب العدالة، الذي يشعر بتزايد ثقل أعباء الأزمة الداخلية عليه، وعلى دوره المتآكل، وهناك من يعتقد أن هذا الدور سيدخل في مرحلة الدور المتهالك في غضون عام واحد أو أكثر قليلا على أبعد التقديرات.
ولهذا فالمسألة أكبر من الاستفاقة المباغتة، وأبعد أثراً من العداء لمصر، والأمر لا يخلو من «خلق» القلاقل لفرنسا، وإيطاليا وحتى لأوروبا في إطار لعبة الأمم على شواطئ المتوسط.
تركيا تعرف جيدا أن السراج ليس له أي قاعدة شعبية يعتد بها وهي تدرك أن الإخوان وأشباه القاعدة وداعش هم من يتحكمون به، وبكل حرف يقوله، وهي تدرك أن أوروبا على الرغم من «اعترافها» به رسميا، لكنه ليس موضع مراهنة جادة ولا آمنة، ولا مؤتمنة، لكنها (أي تركيا) بحاجة ماسة إليه، لأن أحدا في هذا العالم لا يمكنه في الظروف الحالية التي نعيشها اليوم القبول بنظام سياسي للإخوان المسلمين في ليبيا بدعم من الإرهاب الدولي.
والآن جاء دور السؤال المباشر:
هل ستسمح مصر بالتدخل التركي في ليبيا وخصوصاً إذا ما تطور هذا التدخل إلى المستوى العسكري المؤثر، والذي يمكن أن يؤدي إلى تقسيم البلاد وإقامة قواعد عسكرية تركية في غرب البلاد؟؟!
للإجابة عن هذا السؤال علينا أن ندقق في تسارع الخطوات التركية.
اتفاقية مباغتة مع السراج مغلفة بالمصالح الاقتصادية، ثم بحث الموضوع وإقراره على جناح السرعة في البرلمان التركي، ثم طلب المساعدة العسكرية، ثم طلب إرسال قوات عسكرية ثم عدم إرجاء الموافقة إلى نهاية الأسبوع الأول من العام الجديد، ثم الحديث المتواتر عن «ضرورة» إقرار كل ذلك بعد رأس السنة الميلادية مباشرة.
في هذه الأثناء نشطت الاتصالات بين موسكو والقاهرة، وجرت محادثات ين الرئيسين المصري والروسي، ووصل عقيلة صالح إلى قبرص واليونان على وجه السرعة، وحصل على إدانة صريحة للاتفاق بين السراج وأردوغان، والبرلمان الشرعي حدد موقفا واضحا بإدانة الاتفاق والتحذير من «مغبة» التدخل العسكري في نفس الوقت الذي احتدمت فيه المعارك على معظم الطرق الرئيسة المؤدية إلى العاصمة الليبية طرابلس.
الكل يسابق الريح، وأوروبا باتت في وضع حرج.
فهي من ناحية لا تستطيع القبول بالتدخل التركي، وتعرف جيدا خلفياته وأهدافه، وهي من ناحية أخرى لا تستطيع مساندة المشير حفتر، وليس بوسعها تجاوز الموقف المصري ولا حتى الروسي، ولم يعد بإمكانها المراهنة على حكومة السراج، لأنها حكومة «منصّبة» في الواقع، وشرعيتها شكلية حتى في الواقع الإقليمي.
لن تسمح مصر لأردوغان بإعادة تنصيب السراج، والسراج لم يعد ضروريا إلا لأردوغان.
لا أحد يريد السراج في الواقع سواه.
إذا استطاع الجنرال حفتر حسم معركة طرابلس في غضون أسبوع واحد أو أسبوعين على أبعد تقدير، يكون السراج قد انتهى، والمعادلة باتت مبادرة سياسية جديدة لتوافق سياسي جديد، دون ميليشيات. وهنا يمكن الحديث عن إعادة تشكيل الجيش وقوات الأمن.
إذا لم يتمكن حفتر من حسم المعركة نهائيا سيتم تدمير كل الجيوب التابعة للمليشيات الإخوانية وأعوانها وستتم الاستعانة بالخبرات المصرية لإنجاز هذا الأمر حتى تتحول المعركة إلى معركة عسكرية مستحيلة وخاسرة في طرابلس بالنسبة للسراج وللمليشيات، وحتى يسهل التوصل إلى حلول سياسية لاحقة في مرحلة كهذه لن يكون التدخل المصري مباشرا، ولا أعتقد أن مصر جاهزة أو راغبة في التدخل بهذا الشكل.
أما إذا تغيرت هذه المعادلة التقديرية، وتحول التدخل التركي إلى تدخل مؤثر وفعال، يمكن أن يحدث تغير كبير في مسار الأحداث ووجهتها، فالتدخل المصري يصبح حتميا، بصرف النظر عن الأشكال العسكرية والأمنية والسياسية التي سيأخذها.
في ليبيا نحن أمام أيام مصيرية، بل ويمكن القول إن مصير ليبيا الدولة، والشعب الواحد على أكبر مفترق منذ سقوط نظام القذافي، وربما نكون أيضا أمام مثلث مصري سوداني ليبي جديد تعود من خلاله مصر أكثر قدرة على مجابهة التحديات الاستراتيجية التي تواجهها.