النجاح الإخباري - ما أن أعلنت الرئاسة الفلسطينية بأن رد الفصائل على مطالب الرئيس فيما يتعلق بملف إجراء الانتخابات كان إيجابياً، حتى بدأت حركة حماس في إحداث جدل لا لزوم له، وذلك بإظهار عدم الصبر، من خلال المطالبة بالاستعجال في إصدار المرسوم الرئاسي الخاص بإجراء الانتخابات التشريعية الثالثة في الحياة الفلسطينية العامة، منذ ما بعد تأسيس السلطة عام 1994.
كان واضحاً منذ البداية بأن هناك بفعل الأمر الواقع يداً لإسرائيل في الجانب التنفيذي من إجراء الانتخابات، فالقصة كلها أصلاً بدأت وترافقت مع اتفاقات أوسلو، التي نصت على تأسيس سلطة الحكم الذاتي، ورغم أنه من الطبيعي بل والصحيح أن لا يتعامل الفلسطينيون بكل اتجاهاتهم مع نصوص أوسلو كما لو كانت نصوصاً مقدسة، بمعنى التمسك بما تحقق من إنجازات بعدها، والتنصل من القيود التي فرضتها في نفس الوقت، ومن ذلك مواصلة الحفاظ على الانتخابات والبرلمان كمنجزات متحققة، والتخلص من التدخل الإسرائيلي بقدر الإمكان فيها، لكن يبقى أن نلاحظ الإجماع الوطني والشعبي على أن لا انتخابات دون القدس العاصمة والمواطنين، لذا فإنه بقدر ما هو إجراء الانتخابات أمر مهم، فإن الأهم يبقى هو أن تنجح وأن تجري كما يجب، والأكثر أهمية هو أن تحقق أهدافها ومنها الهدف النبيل بإنهاء الانقسام.
كان من الواضح منذ البداية بأن إسرائيل التي رعت الانقسام، لن توافق دون ضغط وحتى دون إكراه على إجرائها وهي تعلم بأن هذه الانتخابات ستنهي الانقسام من جهة، ومن جهة ثانية ستنهض بالواقع الشعبي الفلسطيني من حيث تجديد الشرعيات وضخ الدماء الشابة في عروق الكفاح الوطني، وأنها حتى لو أجبرت على الموافقة على إجرائها، فإنها ستلجأ إلى ممارسة كل ما من شأنه أن يعرقل إجراءها إن كان في القدس، أو بما يحول دون نجاحها، أي أنها ستلجأ لو فرضت عليها الموافقة على إجراء الانتخابات إلى أن تسمح بإجرائها بما يحقق أقل الخسائر بالنسبة لها.
ولهذا، فإنه كان واضحاً أيضاً - ونحن قلنا هذا في مقال سابق، وفي وقت مبكر - بأن السلطة تعي بأن فتح ملف الانتخابات إنما هو فتح لأحد أبواب المواجهة مع إسرائيل، وأن السلطة تسعى لأن تجعل منه أحد أدوات الضغط الدولي على إسرائيل، لكن أن تأتي "حماس" وتنسى كل هذا، وبدلاً من أن تتجند هي الأخرى للضغط على إسرائيل، ومطالبتها ليل نهار بما يقض مضجعها بالموافقة على إجراء الانتخابات الفلسطينية ليس في القدس فقط، بل وفي الضفة الغربية، كذلك حتى في غزة، حيث لابد أن تعمل إسرائيل على تسهيل مهمة المراقبين الدوليين بالوصول إلى مراكز الاقتراع في قطاع غزة، بدلاً من ذلك تحولت "حماس" بإبرة البوصلة من الوجهة الإسرائيلية إلى وجهة السلطة، وبدأت تطالب الرئيس بإصدار المرسوم الخاص بالانتخابات فوراً ودون إبطاء!
ولأن حديث "حماس" كان دائماً وهو في الغالب كلام حق يراد به باطل، طلع علينا أحد الناطقين باسمها فوزي برهوم، ثم تبعه عضو مكتبها السياسي صلاح البردويل ببيان رسمي "مزاودين" على الموقف الرسمي الوطني بالقول إن مطالبة "حماس" بإصدار المرسوم الرئاسي إنما هي تصويب للمسار الخاطئ للرئيس بطلبه الإذن من الاحتلال، وأن طلب الإذن من الاحتلال بإجرائها في القدس هو إقرار بشرعية الاحتلال على أرض فلسطين!
من غير المجدي البحث في مثل هذا المنطق الذي أقل ما يمكن أن يقال فيه إنه ساذج ولا يرى أبعد من أنفه، وإلا لم يكن ممكناً طوال 27 سنة من الاحتلال التام لغزة والضفة والقدس ما بين عامي 67 - 94 إجراء أية انتخابات حتى لو بلدية، هذا فضلاً عن أن كل حديث الديمقراطية والانتخابات أو الحوار بشأنهما مع حركة مثل حركة حماس، ما هو إلا مثل الحرث في الماء، أو النفخ في القربة المقطوعة، فـ "حماس"، على سبيل المثال لا الحصر، تحكم غزة "المحررة بداخلها على الأقل" من الوجود الاحتلالي ورغم ذلك لم نشهد على مدار 13 عاماً أي مشهد ديمقراطي أو انتخابي، لا لبلدية ولا جامعة ولا نادٍ ولا نقابة ولا ما يحزنون، بل إن "حماس" طالما قاومت أو واجهت دعوات إجراء الانتخابات بوضع الشروط التعجيزية من مثل إجراء انتخابات المجلس التشريعي والرئاسة والمجلس الوطني بشكل متزامن.
إن موقف "حماس" المحلق في الهواء، يشبه كلام من يرفض دخول فلسطين بسبب وجود الموافقة الإسرائيلية على الحدود، ويشبه مطالبات البعض بعدم مشاركة فلسطينيي الداخل بانتخابات الكنيست، وهو لا يرى أبعد من أنفه، لأنه يخاطب ذاته ولا يخاطب المجتمع الدولي الذي تسعى السلطة إلى دفعه للضغط عل إسرائيل، تماماً مثل التعامل مع الحق الشخصي باستخدام اليد، دون اللجوء إلى القضاء، حيث إن محامي المدعي يحتاج إلى الأدلة التي تدفع القضاء لمنح المدعي حقه، ولأن إسرائيل أكثر وعياً وحنكة من "حماس"، فإنها لم ترد على طلب السلطة بإجراء الانتخابات في القدس لا بالإيجاب ولا بالسلب، لأن الرد يعني أن تحدد الموقف بين احد احتمالين لا ثالث لهما، بكل وضوح ودون مواربة، وهو أن تقبل أو ترفض.
وفي حالة القبول فإنها ستلتزم بتسهيل إجرائها، والقيام بما قامت به من قبل خلال أعوام 1996، 2005، 2006، أما في حالة الرفض، فإنها تعرف جيداً بأن السلطة ستنطلق فوراً بالتوجه إلى كل المحافل الدولية الممكنة، للضغط على إسرائيل، وحتى حينها لو كان ذلك ممكناً، أي إجراء الانتخابات بالرغم من الرفض الإسرائيلي بهذه الطريقة أو تلك، أو حتى بما لم يشرحه لنا بيان حماس العتيد، فإن فلسطين تكون قد فازت بإحدى الحسنيين أو حتى بكليهما.
السؤال المهم بل والخطير هنا، والذي يبدو أن "حماس" تفكر به، وبات علينا أن نفكر نحن فيه أيضاً، هو ماذا لو صدر المرسوم، وجرت الانتخابات في غزة والضفة والقدس، ولسبب ما تم قطع الطريق على إجرائها أو نجاحها في القدس والضفة، وجرت في غزة، هل تعتبر "حماس" فوزها بمقاعد غزة، تنصيباً لها في سدة القيادة السياسية للشعب الفلسطيني، بما يفسر "حماسها" لمسار أحادي للانتخابات، أم أن وراء الأكمة ما وراءها، بأن تكون النتيجة على الضد تماماً مما سعى إليه الموقف الوطني؟ فنجد أنفسنا بدلاً من إنهاء الانقسام، أمام تحقق الانفصال، وإطلاق كيان غزة كدولة وكحل وكنتيجة لصفقة ترامب؟! 

 

نقلاً عن: صحيفة الأيام