محمد خروب - النجاح الإخباري - ما يزال مُبكراً الاحتفال بقرار المدعيّة العامة للمحكمة الجنائيّة الدوليّة التحقيق في جرائم حرب (مُحتملة/ مزعومة كما في القرار). ولا داعي للاستعجال في إطلاق التصريحات العنترية وتلك التي تتوعّد الاحتلال وبخاصة جنرالاته المُلطّخة أيديهم دماً, وجلاوزته الذين حوّلوا المُعتقلات إلى مَسالخ وأماكن تعذيب ومُحطات للموت البطيء, دون أيِّ اعتبار للقانون الدولي وشرعة حقوق الإنسان وقوانين الحرب المُتعلقة بالأسرى والمعتقلين.

وعلى الذين بدأوا الترويج لِـ "انتصار" على البلطّجة الصهيوأميركية واستثمار الهستيريا المُفتعلة التي أطلقتها حكومتا نتانياهو/ترمب التدقيق جيداً في مضمون القرار الذي اتخذته المدعية العامة للمحكمة فاتو بنسودا: بـ "أن كافة المعايير لفتح التحقيق الجنائي قد توافَرَت، ما يعني أنها جاهزة لفتح تحقيق".. ثم – وهنا القُنبلة المُتكتِكة التي قد تحيل القرار إلى دائرة الجدل والذهاب إلى الأرشيف, على ما ذهبت إليه قرارات أُمميّة عديدة, لكنها باتت من الماضي الذي يدوسه الشرير الصهيواميركي بنِعاله, ومُجرّد التذكير بقرار محكمة العدل العليا حول جدار الفصل العنصري, تكفي وحدها رغم نبل وقانونية المساعي التي بُذلت لاستصدار قرار كهذا, لم يجد–كما غيره – طريقاً إلى التنفيذ، نقول: استدرَكت السيدة بنسودا في قرارها قائلة: "..لكن، بناء على ميزة الحالة في فلسطين والتعقيدات القانونية الكبيرة المُرافقة لها، فقد قرّرتُ اللجوء إلى الدائرة التمهيدية الأولى، لطلب (حُكْمٍ) منها بشأن الولاية الإقليمية على الأراضي الفلسطينية".

لم تكتفِ سعادتها بالطلب السابق, بل ذهبت أبعد من ذلك "مُفسّرة" "طلبتُ من الدائرة التمهيدية الأولى، تأكيد أنها تمتلك ولاية لِممارسة اختصاصها على كل من الضفة الغربية بما يشمل القدس الشرقية وقطاع غزّة.. وهذا الاستنتاج – أضافَت – هو لأغراض حصريّة, من أجل تحديد ولاية المحكمة من أجل ممارسة اختصاصها القضائي ونطاق تطبيق ميثاق روما".. انتهى الاقتباس.

هنا تتدفّق الأسئلة وتَكبر التساؤلات.. ماذا لو قالت الدائرة التمهيدية الأولى أنها "لا" تمتلك ولاية لممارسة اختصاصها، طالما وُضِعَ ملف التحقيق في يدها وحدها؟ ثم لماذا حقاً لم تطلب المدعيّة العامة «رأي» الدائرة الأولى «قبل» أن تُصدر قرارها حمّال الأَوجُه, الذي قد ينتهي إلى لا شيء, عبر جواب الدائرة الأولى انها «لا» تمتلك ولاية لممارسة اختصاصها على الضفة الغربيّة والقدس الشرقيّة وقطاع غزّة بداعي انها «مناطق مُتنازع عليها» كما يقول حلف الشر الصهيواميركي؟

ثم.. إذا كانت المهلة الممنوحة للدائرة التمهيدية الأولى هي أربعة أشهر، فهل يعتقد الذين تسّرعوا واطلقوا العنان لرغباتهم المكبوتة, بالتبشير بفصل جديد من المُواجهة "الكلامية" مع المحتلين وعرّابي صفقة القرن, بأننا على وشك تحقيق انتصار نوعي في ميدان القانون الدولي، هل يعتقدون أن الثلاثي نتانياهو – ترامب وبومبيو فضلاً عن داعميهم في باريس ولندن وبروكسل, سيصمتون ويجلسون مكتوفي الأيدي في انتظار ما تقرّره الدائرة التمهيدية الأولى؟ أم سينطلِقون لإحباط القرار وإرهاب اعضاء الدائرة الأولى وشيّطنة بنسودا نفسها, تماماً كما فعلَت واشنطن عندما ألغت تأشيرتها (وهي المُوظفة الأُممية) وراحَت تُنكِّل بها؟

عن "الرأي" الأردنية