عمر حلمي الغول - النجاح الإخباري - هناك محطات في التاريخ الوطني تحتم دوريا التوقف أمامها، وإستحضار أهميتها ودروسها وعبرها، وإستلهام وسائلها وقدراتها الإبداعية في رفد النضال الوطني الفلسطيني بطاقات وحضور طاغي في المشهد السياسي والإجتماعي والإقتصادي والإعلامي والثقافي، وتركت بصمات دامغة وساطعة في حياة الشعب والأعداء على حد سواء. 

من هذة المحطات المتميزة والهامة في المسيرة الوطنية الإنتفاضة الكبرى أو "الثورة في الثورة" 1987/ 1993، التي غيرت كثيرا في  مركبات وأشكال الصراع، واحدثت قفزة نوعية ودراماتيكية في واقع الثورة، وشكلت إنعطافة في مسيرة النضال الوطني التحرري، حيث نجم عنها تحولات إستراتيجية في الكفاح الفلسطيني ( جرى الكتابة عنها، وتسليط الضوء عليها في المنابر والمراكز البحثية الفلسطينية والعربية والإسرائيلية والعالمية) ليس المطلوب هنا إعادة سردها وتدوينها، انما تتطلب الضرورة راهنا إستنهاض همة وحيوية وكفاحية الشعب. لا سيما وان المخاض الوطني يموج بالغليان في ظل عمليات التغول الإستيطاني الإستعماري الإسرائيلي، ومحاولات سحق وتبديد القضية الوطنية، وتفتيت الأهداف والمصالح الوطنية من خلال الشراكة الأميركية الإسرائيلية الكاملة في الحرب على المصالح والحقوق الفلسطينية، ومن بوابة الإعتماد على الإنقلاب الحمساوي الخطير والمدمر، وايضا عبر التطبيع المجاني من قبل العديد من الأنظمة السياسية العربية مع دولة الإستعمار الإسرائيلية، وقلب معادلة الصراع العربي الصهيوني رأساً على عقب، وحرف بوصلة الأولويات في المشهد العربي. 

في الذكرى 32 للإنتفاضة العظيمة وما حملته العقود الثلاثة الماضية من تطورات كيفية في بنية النظام السياسي الفلسطيني ومركباته، وحجم التآمر على القضية والقيادة الشرعية، وفي ذات الوقت التآكل الذاتي والموضوعي في القوة الفلسطينية، وإنفلات غول الإستيطان الإستعماري الإسرائيلي من عقاله، وإطلاق وحش الإخوان المسلمين من سراديبه المظلمة لسطح المشهد، وخلع إدارة ترامب رداء الإدارات السابقة، وتلفعها بعباءة الصهيونية ومشروعها (مشروع الغرب الرأسمالي كان ومازال) الإستعماري، وإنكفاء العرب عن دورهم القومي تجاه قضية العرب المركزية، كل تلك العوامل إستدعت، وتستدعي من الكل الوطني لإستنهاض الذات الوطنية دفاعا عن المصالح والحقوق والثوابت الفلسطينية من خلال الآتي: 
أولا نفض عوامل الترهل والتراخي وتبسيط الأمور عن الذات الوطنية. وشدشدت عوامل القوة، وبعث الروح في البنى التنظيمية الداخلية لكل فصيل من فصائل منظمة التحرير، وتعميق عملية الشراكة السياسية بينها على ارضية البرنامج الوطني.

ثانيا تكريس دور منظمة التحرير كمرجعية للكل الوطني، والعمل على تنشيط وتفعيل أدواتها، ومؤسساتها وهيئاتها القيادية، وعدم إختزال اي دور لها تحت اي مسمى من المسميات. وفي ذات الوقت، ومع إشتداد قوة الهجمة الإستعمارية على المصالح والحقوق الفلسطينية العمل على تنفيذ جملة القرارات، التي تبناها المجلسان الوطني والمركزي في الدورات المتعاقبة الأخيرة الدورة 23 للوطني و27 و28 و29 للمركزي.

ثالثا طي صفحة الإنقلاب الأسود بكل الوسائل والسبل، وعدم السماح لقيادة حماس الإنقلابية بجر الساحة إلى متاهات غير محمودة، ووضع الوسائل الوطنية ومنها الإنتخابات وغيرها، واستخدام السبل الواقعية والحازمة في آن لتطهير الساحة من ادران الإنقلاب الأسود وكل جماعات التكفير والتخوين المأجورة. وخلق الشروط الملائمة مع الأشقاء العرب المعنيين لتنظيف المشهد الفلسطيني من اللوثة الإخوانية وكل الأدران الفاسدة في بينية المجتمع الفلسطيني.

رابعا تصعيد وتطوير اشكال الكفاح الشعبي العربي، وإستحضار روح الإنتفاضة الكبرى، التي أرغمت الدنيا كلها لتسمع وتستجيب لمطالب الشعب العربي الفلسطيني. آن الآوان لفتح الأبواب والنوافذ لإنطلاق المارد الفلسطيني، وقبل فوات الآوان لمواجهة التحديات الصهيوأميركية والإخوانية ومن لف لفهم من المتآمرين على القضية والشعب والنظام السياسي والأهداف الوطنية.

خامسا الإستفادة من كل تطور في المشهد لتعزيز العلاقات الأخوية مع الأشقاء العرب على المستويات الرسمية والشعبية. والعمل على إستعادة وإستنهاض روح القومية العربية عبر تعزيز الشراكة مع كل القوى صاحبة المصلحة الحقيقية في إعادة الإعتبار للمشروع القومي العربي النهضوي.
سادسا تكثيف النشاط الأممي السياسي والديبلوماسي الرسمي والشعبي والثقافي مع كل دول وشعوب العالم بما في ذلك داخل دولة الإستعمار الإسرائيلية لتعزيز مكانة وحضور القضية الفلسطينية، وإنتزاع الإعترافات المتوالية من كل الدول، التي لم تعترف بالدولة الفلسطينية، ونقل وتغيير معايير الدول الإزدواجية في التعامل مع القضية الفلسطينية، وضرورة توحيد مرتكزاتها السياسية طالما هي حريصة ومعنية بتثبيت خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران / يونيو 1967، وتؤكد رفضها للإستيطان الإستعماري وصفقة القرن الأميركية، الأمر الذي يملي عليها الإعتراف بالدولة الفلسطينية، ودعم كل مشاريع القرارات الأممية ذات الصلة بعملية السلام. لإنه لا يجوز ان تكون تلك الدول مع وضد في آن. عليها التخلص من انفصام المواقف السياسية، لإن لها مصلحة إستراتيجية بعملية السلام. 

إستحضار الذكرى والتجربة للإنتفاضة العظيمة مصلحة وطنية كاملة، لا يجوز ان تفوت كائن من كان في المشهد الفلسطيني.
[email protected]
[email protected]