عبد المجيد سويلم - النجاح الإخباري - إذا نجح نتنياهو باستصدار ما يصبو إليه من موافقة أميركية، صريحة أو ضمنية "لضم الأغوار الفلسطينية"، فإن سياسة القطعة ـ قطعة تكون قد استكملت الدائرة، ويكون القوس قد أغلق بما يكفي.

مهما كان رأينا في اتفاقيات أوسلو وما آلت إليه، فإن خطوة من هذا النوع ستكون دراماتيكية إلى أبعد الحدود، وأبعد كثيراً مما يمكن أن نتصوره الآن.

المسألة لن تعود أبداً مجرد إعلان السلطة والمنظمة، سحب الاعتراف "السابق"، أو إنهاء العمل بالاتفاقيات الموقعة، أو غير ذلك من الخطوات.

الموضوع سيكون أكبر من ذلك بكثير، والنتائج التي ستترتب على "النية" الإسرائيلية ستكون ـ كما أرى ـ أبعد من كل هذا.

لا أحد يمتلك وضوحاً كافياً حول المشهد في اليوم التالي، والأيام التي ستليه، كما لا يمتلك أي حزب سياسي فلسطيني ولا حتى إسرائيلي ما يمكن أن تصل إليه الأمور.

ومع ذلك يمكن أن تحدث التطورات التالية على وجه التقدير الأولي والتقريب، أيضاً:

1ـ تدهور كبير في العلاقات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، وقد تصل الأمور إلى هبّات شعبية بمنسوب جماهيري كبير في كل مكان من الضفة، وقد تتحول هذه الهبّة إلى انتفاضة كبيرة، تتجاوز الأطر القائمة، أو تعيد الاصطفافات الوطنية إلى حالة جديدة تواكب الموقف الشعبي أو تتماشى معه.

وقد يتطور الأمر إلى إعلانات إسرائيلية بعدم "شرعية" السلطة والمنظمة وإلى إعادة دور "الإدارة المدنية" بصورة رسمية ومعلنة.

صحيح أن الكثيرين منا يرون أن الحالة الجماهيرية ليست جاهزة لمثل هذه الهبّات أو الانتفاضة، وصحيح أن بعضنا يعتبر أن هذه الحالة هي أقرب إلى الإحباط واليأس، إلا أن الصحيح، أيضاً، هو أن مثل هذه المراهنة ليست "قاطعة"، وحالة الإحباط يمكن أن تزكّي الموقف الشعبي في مفاصل سياسية معينة كالمفصل الذي نتحدث عنه اليوم.

2ـ إذا حصل على الأرض مثل هذا التطور فإن قرار "الضم" سيؤدي إلى تدهور مباشر وشديد في العلاقات الأردنية الإسرائيلية، هذا إذا لم يتم هذا التدهور من دونها.

وفي هذه الحالة فليس مستغرباً أبداً أن تتدهور العلاقات العربية الإسرائيلية على الأقل من ناحية المظهر، كما أنه من المرجح إذا حصل مثل هذا التدهور أن يبدأ في بعض البلدان العربية الكثير من مظاهر الاحتجاج الشعبي والسخط على "تخاذل" النظام العربي إزاء ما تقوم به إسرائيل بدعم وإسناد من الولايات المتحدة.

3ـ وحتى على المستوى الإسرائيلي نفسه فإن قطاعات شعبية (وليس حزبية مباشرة) ستستشعر خطر ما يمكن أن يحدث القرار الإسرائيلي من خطر على الأمن وعلى الاقتصاد الإسرائيلي، وهو ما يمكن أن يعيد إلى الشارع الإسرائيلي من جديد بند "السلام" بدلاً من وضع إسرائيل في مثل هذا المأزق الجديد، إضافة إلى كل ما تعانيه من استعصاءات وأزمات سياسية واضحة للعيان.

4ـ الموقف الدولي سيكون في وضع استنفار غير معهود، لأن القرار الإسرائيلي هو إيذان رسمي بنهاية أي أفق، للسلام لعشرات السنين القادمة، إذا لم يتم تطويقه بسرعة وإنهاء مفعوله المباشر.

لكن لماذا يصر نتنياهو على قرار "الضم" وهو يعرف ويدرك كل هذه التطورات المتوقعة، أو يعرف جيداً أنها يمكن أن تصل إلى أبعد من ذلك؟

هناك ما يجب أن نفكر به جيداً.

قد يكون وراء هذا الإصرار معلومات يتم توفيرها لرئيس الحكومة في دولة مثل إسرائيل، وتقوم الأجهزة الأمنية والعسكرية وطواقم المستشارين بتوفيرها في العادة... قد يكون وراء هذا "الإصرار" قناعة نتنياهو وتلك الأجهزة والطواقم بأن الحالة الشعبية الفلسطينية راكدة، ويائسة وهي ليست بوارد التحرك الشامل.

كما يمكن أن يكون وراء هذا الإصرار البواعث الشخصية لنتنياهو للخلاص أو التملص مؤقتاً من الأزمة الخانقة التي وجد نفسه بها بعد لائحة الاتهام.

لكن هذا الإصرار بالإضافة إلى كل ذلك يمكن تفسيره، أيضاً، بقراءة نتنياهو بوضع اليمين الإسرائيلي في إسرائيل ومستقبل البرنامج اليميني فيها.

اليمين يشعر ويستشعر أن الصراع اليوم في إسرائيل على "أرض إسرائيل" وعلى هوية إسرائيل.

ويرى هذا اليمين أن الوضع الدولي أعجز من أن يتصدى لمشروعه حول "أرض إسرائيل"، كما أن الوضع العربي والإقليمي هو عامل محفز لبرنامج اليمين، وهو أقرب في موقفه [الوضع العربي والإقليمي] لأن يكون جاهزاً و مستعداً لأن "يتقبل" عملية "الضم" التي ينوي أن يقوم بها اليمين الإسرائيلي لأجزاء رئيسة من الضفة.

أما الوضع الفلسطيني الداخلي فهو متهالك وغير قادر على مجابهة جادة مع مشروع الضم وفق رؤية نتنياهو.

من كل هذه الزوايا فإن اليمين الإسرائيلي يعتبر أن الصراع القائم اليوم هو صراع في مرحلة تجاوزت إدارته، وأصبحت في الواقع وتحولت إلى مرحلة حسمه نهائياً.

باختصار اليمين الإسرائيلي يرى أن هذه هي الفرصة الأخيرة والتي لن تتكرر لحسم الصراع حول "أرض إسرائيل" وليست مجرد إدارته وفرض الوقائع المتناثرة من حوله.

أما فيما يتعلق بالصراع حول هوية إسرائيل والتي ترتبط موضوعيا مع "معركة أرض إسرائيل" فإن الصراع حولها في السنوات الأخيرة قد اتخذ أبعاداً جديدة ونوعية كبيرة لم يصلها في أي وقت مضى.

ويدرك اليمين أن "المعارضة" الإسرائيلية إما متماهية أو متخاذلة وعاجزة عن التصدي لليمين حيال مسألة "الأرض" ولكنها ربما تكون متماسكة حيال مسألة الهوية.

ولهذا بالذات فإن حسم الصراع حول "أرض إسرائيل" ربما يساعد هذا اليمين [كما يرى ويعتقد] في حسم معركة الهوية.

المسألة إذاً أبعد من مأزق نتنياهو، ومعركة اليمين حيال كلا المسألتين معركة مصيرية.

إذا أقدم اليمين على هذه المغامرة فنحن في فلسطين ليس لدينا ما نخسره أو نأسف عليه.

على العكس فيمكن أن يكون لدينا ما نستثمره ونبني عليه.

اليمين على أعتاب المغامرة الكبرى وأغلب الظن أنه يغامر بمستقبله وليس بمستقبل نتنياهو فقط.

 

نقلاً عن صحيفة الأيام