أحمد حمودة - النجاح الإخباري -  تعيش وسائل الإعلام في فلسطين تنوعا إعلاميا مغشوشا وغير حقيقيّ لمحدودية التنوع والابتكار والتجديد في المضامين والبرامج وقلة إدماج الميديا الرقمية في مختلف مراحل الإنتاج الصحفي في قاعات الأخبار، حتى أصبحنا نرى السياسيين ذاتهم طوال الخمس سنوات الأخيرة ولا نرى المواطنين في الإعلام، وأضحت البرامج الحوارية في التلفاز هي برامج نخبوية يشارك فيها فقط النخبة ولا تهتم عادة بالحياة السياسية كونها تهتم فقط في الحياة الحزبية، وكأن الحياة الحزبية هي الحياة السياسية، لذلك هناك تعدد عددي ولا يوجد تنوع في أسلوب الطرح  خاصةً من عدم وجود صحافة استقصائية في الإعلام العمومي إلا بمحاولات نادرة، ونلاحظ أيضا غياب دور الإعلام الفلسطيني منذ الخمس سنوات الأخيرة بالرقابة التي يجب أن يمارسها على السلطة السياسية، فلا يزال الإعلام الفلسطيني غارق في الانحياز والإثارة أكثر منه إعلام إنارة استنارة للرأي العام، ونلاحظ أن هناك العديد من الأزمات النسقية الشاملة التي يعشيها الإعلام الفلسطيني من سطوة السياسيين والمعلنين وفي بعض الأحيان سطوة السياسيين عبر المعلنين، وتحوّل وسائل الإعلام المحلية الفلسطينية إلى جهاز دعاية إلى الأحزاب السياسية، كونها تكتفي بإعادة بث خطاب السياسيين، ولا تنير هذه المنابر القارئ والمتتبع للأخبار وتعطيه المعرفة والمعلومات حتى يفهم الأحداث الواقعة في الحياة السياسية والمجتمعيّة في فلسطين، ناهيك عن أزمة الصحافة المكتوبة التي تعيش حالة موت سريري كونها لم تنجح في التفاعل مع المتغيرات التكنولوجية على مستوى البيئة الاتصالية الجديدة للإعلام الرقمي ولم تستطع التأقلم مع تحولات هذه البيئة في مستوى تنظيمها وعلاقتها مع الجمهور الشاب، مما ساهم في عزوف الشباب الفلسطينيين عن قراءتها، كما وأنها تعيش أزمة هيكليّة بنيوية عميقة جدا على كافة الأصعدة من التوزيع ومن هيئات التحرير وغيرها ويحق لنا أن نتساءل؛ هل مضامين الصحيفة الفلسطينية التي تباع بأقل من نصف دولار، كجودة مضامين الصحف التي تصدر في أوروبا وتبيع نسختها الواحدة بأربعة يورو، ولديها مساعدات من الدولة وسوق إعلان كبير وتهتمّ بصحفييها؟

لا تريد وسائل الإعلام الفلسطينية أن تنظر إلى مشكلة قطيعة ونفور الجمهور نحو استهلاك أخبارها، بسبب عدم تجديد خطابها وأسلوبها، فصار جزء لا بأس به من الجمهور لا يشاهد نشرات الأخبار ولا يقرأ الصحف أو يستمع إلى الإذاعة ويتجه نحو الميديا الجديدة ليستقي معلوماته. لذا يجب على المؤسسات الإعلامية الفلسطينية أن تؤمن بالتفاعل مع المواطنين وتؤمن بدمج المواطنين في الحياة الإخبارية وبالشأن العام. فلماذا يتوجه الفلسطينيون نحو الفيس بوك لاستهلاك الأخبار ؟

يلاحظ الباحث بأن السياق الذي أتاح مكانة الفيس بوك في فلسطين، هو الملل من السياسية، مما ولّد للجمهور الفلسطيني خيبة أمل من الديمقراطية ومن النخب السياسية ومن الطبقة السياسية، بسبب المشهد الذي تغلب عليه الفرجويّة والصراعات الحزبية الضيّقة، فأصبحوا يعبّرون عن هذا الملل بأنواع  مخصوصة جدا من الانخراط، باستهزائهم من النخب السياسية وعن تعليقاتهم المريرة عن الحياة السياسة الواقعة في فلسطين، فأضحت النخبة السياسية في فلسطين والأحزاب ضعيفة ولديها مشاكل كبيرة في التعبئة السياسية الحقيقية وفي التواصل مع المواطنين، لذلك نلاحظ أن السياسيين حولوا منصات الميديا إلى وسيلة إعلانية كونّهم يعتقدون أن العجز في مستوى التعبئة الحقيقية وفي مستوى التواصل مع الناس قد يمكن تجاوزه من خلال الإعلان السياسي، ونرى في كثير الأحيان أن العديد من السياسيين والنخب يقومون بحملات إعلانية عبر الفيس بوك للترويج إلى صورتهم، وأن إدارة الشأن العام في بعض المواقف تدار من منطلق الصورة ومنطلق الرأي العام، وليس من منطلق السياسية والبرامج التي صممت ووضعت، فتصبح قراراتهم ضعيفة أمام تيارات الفيس بوك وبالتالي تنتبه إليها.

بعد كل هذه المقاربات نستطيع القول بأن أكثر الصحافة الفلسطينية هي ناقلة "صحافة جالسة"، بمعنى أنها صحافة تكتفي بنقل التصريحات وهذا خطير جدا، كون السياسيون لديهم صفحاتهم على الفيس بوك وعلى الميديا الاجتماعية، فنحن لا ننتظر من الصحافة الفلسطينية أن تنقل لنا هذه التصريحات، ولكننا ننتظر أن تعطينا المعرفة الجيّدة والسياق حتى نفهم الأخبار، ونلاحظ أن الإعلام الفلسطيني يهتم فقط بصحافة الخبر التي تقول من ، متى ، ماذا،  وأين، ولا يوجد لديها قدرة على التفسير والاستقصاء والتحليل، كونه يعود إلى طبيعة المؤسسات الإعلامية التي تحتاج إلى الصحافة الجيدة والموارد البشرية القوية المتخصصة، فنقع غالبًا في الصحافة الإثارة والصحافة الخبرية.

فهل تحول الإعلام الفلسطيني ووسائل الإعلام في فلسطين إلى فضاء استراتيجي للتنافس السياسي والتأثير في الناس والقيام بحملات اتصالية دعائية وحملات مضادة، بمعنى أنه فقد بريقه وبراءته؟