النجاح الإخباري - صحيح بأن كافة القوانين والمواثيق الدولية ،وفي مقدمتها الاعلان العالمي لحقوق الانسان قد كفلت حماية حرية الراي والتعبير، وصحيح بان القانون الأساسي الفلسطيني قد شدد على أهمية ذلك وفقا لما جاء في نص م (19) بأنه" لا مساس بحرية الرأي، ولكل إنسان الحق في التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غير ذلك من وسائل التعبير "،وصحيح أيضاً بان المادة (27) من نفس القانون قد نصت على حرية وسائل الاعلام المقروءة والمسموعة والمرئية مع تأكيد المادة نفسها على ضمان "حرية النشر والتوزيع والبث، وحرية العاملين فيها، إلا انه لا بد من الاقتراب نحو نقيب الصحفيين الذي كان قد دعا للاعتصام والتظاهر لمعارضة ما صدر عن القضاء الفلسطيني بحجب بعض المواقع الإعلامية ،وذلك من اجل القول له همسا بان المشرع الفلسطيني لم يترك باب الحرية مفتوحا لكل من تسول له نفسه من المؤسسات الصحفية والعاملين فيها ،والمالكين لها من اجل تخريب المؤسسات الوطنية ،او الحاق الاضرار فيها  ،او القيام بأفعال قد ترقى الى مستوى جرائم يعاقب عليها قانون العقوبات وسؤاله أيضا وبعد انتهاء هذا التظاهر ضد احكام القضاء وماذا بعد ؟.

كان على السيد القائم بأعمال نقيب الصحفيين الفلسطينيين ومن تداعى إلى تنفيذ دعوته للاعتصام والتظاهر لإظهار أنفسهم بانهم الحماة لحرية الصحافة والحريصين على تطبيق قانون النشر والمطبوعات ان يعلموا بان المشرع الفلسطيني قد كرس من خلال القوانين الموضوعة بشان الاعلام مبدأ هاما حيث وازن من خلاله بين حرية الصحافة وضرورة المجتمع ، وحماية الحياة الخاصة للأفراد ايضا ، وبان حرية الإعلام لا يمكن أن تكون من خلال التظاهرات والاعتصامات وممارسة سياسة الابتزاز ،وانما من خلال السلطة القضائية التي تؤمن لها الانسجام في العمل ، لأن بين الإعلام والقضاء علاقة من خلالها يقوم القاضي برقابة لاحقة تتمثل في المسائلة الشخصية لكل من الصحافي ومدير التحرير من جهة، وإتباع تدابير أمنية للمؤسسة الإعلامية في حالة تجاوزها قانونيا من جهة أخرى ،حتى لا تصبح فوضى أو تنفلت فتصبح عبثا ، فالقانون هو الذي يقي فكرة النظام العام من أن تناله حرية الإعلام أو تهدده بما تنشره أو تذيعه أو تبثه ،وهذا ما لم يستوعبه نقيب الصحفيين نفسه ،وذلك من خلال دعوته للتظاهر ضد إجراءات النائب العام وإصدار السلطة القضائية .

من المؤكد بان النائب العام الذي كان قد تقدم بحجب المواقع الإعلامية كان قد استند في حيثيات مطالباته الى تصادم تلك المواقع مع مبادئ وأهداف منظمة التحرير الفلسطينية، وقرارات الإجماع الوطني والدستور الفلسطيني أيضا ،وان الغرض من تلك المطالبة هي تحقيق المصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني في ظل ما يعيشه المجتمع الفلسطيني من واقع مرير وواقع الاعلام الحزبي وسطوة الاحزاب المتنافسة وتبعية بعض الوسائل الإعلامية لدول إقليمية ودولية، وهذا ما يدفعني لان أتوجه الى السيد نقيب الصحفيين لسؤاله، ليس من باب التذكير له، ولا من باب العتاب أيضا ، وانما من باب التحذير لما يقوم به من فعاليات غير محسوبة النتائج وفي مقدمة هذه الأسئلة ،هل هؤلاء الذين لبوا نداء ينضوون تحت لواء نقابة الصحفيين ويعترفون بمرجعية هذه النقابة ؟، وهل هؤلاء الذين تنافسوا لإلقاء كلمات التهديد والوعيد امام مقر النقابة كانوا ممن تجمعهم اصول المهنة وشرفها ولا تفرقهم عليها لعنة التنظيمات والولاء اليها؟ ،وهل هؤلاء ايضا مع القانون والدستور ،ام انهم لا يعترفون بالدولة نفسها ،وما تلبيتهم لنداء التظاهر الا فرصة بالنسبة لهم وللأحزاب والجماعات التي ينتمون لإسقاط مؤسساتها ؟.

على السيد نقيب الصحفيين ان يعلم ان مهام النقابة ليس كما يحاول البعض تكريسه وهي تطويع النقابة خدمة لأهداف شخصية ومناطقية  ،وان فعاليات النقابة في الدفاع عن الصحفي والمؤسسة أو المالك لتلك المؤسسة لا يجب أن تتجاوز الدستور الفلسطيني الذي حدد بعض الضوابط للإعلام الفلسطيني بما لا يجعله معول هدم  لعقول وقيم الشعب الفلسطيني ,فهو لم يترك الباب واسعا امام الاعلام واحقيته في نشر كل ما يحرض ضد نظام الحكم, او العمل على الاضرار بالمصالح العليا للشعب الفلسطيني ,او نشر ما يسيئ لوحدة الشعب والعمل على بث التفرقة والتشرذم بينهما .

اذا ما كنت اليوم ومن خلال مقالي هذا  قد همست في أذن نقيب الصحفيين لتذكيره  بان قانون النشر والمطبوعات حظر كل ما من شأنه تهديد النظام العام أو إثارة البغضاء وبث روح الشقاق بين أفراد المجتمع الواحد ،كما حظر انتهاك حرية الآداب العامة للمجتمع الفلسطيني والاساءة إلى رموز هذا الشعب والاضرار أيضا بسمعة قياداته ،فان مقالي القادم سيكون بمثابة صرخة مدوية في وجهه للقول له بان حرية الاعلام لا تجيز نشر كل ما يؤدي إلى زعزعة الطمأنينة وتأليب الراي العام وتحريك الجماهير ضد السلطة , أو تحميل فئة على أخرى وبما يحمل هذا التأليب في طياته دعوات إلى القتل والاستئصال ،ام ان المصالح الشخصية يا سيادة النقيب هي أولويات مقدمة على المصالح الوطنية؟.