رجب أبو سرية - النجاح الإخباري - بعد تكليفه رسمياً بتشكيل الحكومة الإسرائيلية، هل ينجح بنيامين غانتس في المهمة التي فشل فيها سلفه بنيامين نتنياهو، وذلك بالنظر إلى أن القاعدة البرلمانية المؤيدة له، تكاد تتقارب تماما، مع تلك التي كانت لسلفه وخصمه السياسي؟ هذا هو السؤال الذي يشغل الأوساط السياسة والإعلامية وحتى المجتمع الإسرائيلي بكل فئاته وطبقاته، ولا أحد يمكنه أن يجيب إجابة قاطعة، لكن رغم ذلك هناك احتمالات عدة أمام الرجل، هي بمجموعها، تعتبر _برأينا على الأقل_ أفضل قليلا من تلك التي كانت أمام خصمه السياسي.
ولولا ذلك، لما قام الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين بتكليفه، بعد فشل سلفه، كما حدث بعد انتخابات نيسان السابقة، حيث أنه بعد تكليف نتنياهو بتشكيل الحكومة، وبعد انقضاء الفترة القانونية ومدتها أربعة أسابيع، ومن ثم أضيف لها أسبوعان آخران، وفشل خلالها الرجل في المهمة، ذهبت إسرائيل إلى انتخابات ثانية، دون تشكيل الحكومة، بعد أن اتخذ الكنيست الحادي والعشرون قراره بحل نفسه.
ريفلين نفسه، بعد تلك الواقعة، عاتب نتنياهو لعدم رد مهمة التكليف لرئيس الدولة، بعد فشله، وكان أعلن عشية إعلان نتائج هذه الانتخابات بأنه سيقوم بتكليف نائب آخر في حال فشل من يتم تكليفه أولا بالمهمة، وذلك تجنباً للذهاب إلى انتخابات ثالثة خلال عام واحد، وأكثر من ذلك تدخل الرجل من أجل تجنب ذلك الاحتمال بالتوسط بين الحزبين الكبيرين، بطرح مبادرته بالتناوب، على أن يكون نتنياهو أولا رئيس الحكومة، وفي حال توجيه اتهام قضائي له، يتنحى ليخلفه غانتس، لكن غانتس خاض مفاوضات تشكيل حكومة الوحدة بحنكة ومن موقع أقوى، بحيث سارت الأمور حتى الآن كما أراد .
أولاً اتبع غانتس تكتيك تكليف خصمه أولا، وحبك هذا الأمر مع القائمة العربية، بحيث لم توص القائمة بمجموعها، أي بعدد نوابها الثلاثة عشر له عند رئيس الدولة، بل حجب التوصية نواب التجمع الثلاثة، وهذا منح بالنتيجة نتنياهو توصية 55 نائبا مقابل 54 لغانتس، رغم أن حزب أزرق-أبيض حصل على 33 مقعدا مقابل 32 لليكود .
وكان ذلك لأن غانتس فضّل أن يتم تكليف نتنياهو أولا ويفشل ليكلف هو تالياً، وتكون إسرائيل أمام أحد خيارين لا ثالث لهما، وهما: إما أن ينجح غانتس أو تذهب إسرائيل لانتخابات ثالثة. نتنياهو من جهته لم يكن ليرفض تكليفه أولاً، حتى لا يغادر مكتب رئيس الحكومة الذي يجلس فيه منذ عشرة أعوام خلت، ويستمد منه قوته في الليكود وفي اليمين عموماً، لذا سارت الأمور هكذا، وكان رهانه على أن ينجح في بث الفرقة في المعسكر الآخر، نظراً لعدم تجانسه كما هو حال حلفائه هو، ليس فقط بين أحزاب اليسار (العمل وميريتس) وأزرق _ابيض، والعرب وحسب، بل وحتى داخل أزرق_أبيض، حين حاول أن يركز هجومه على دعم العرب لخصمه من جهة، وعلى الفصل بين جنرالات أزرق_ابيض ويائير لابيد، في الوقت الذي حصّن فيه تحالفه بما عقده من اتفاق مع شركاء الليكود من الحريديم (شاس ويهودوت هتوارة) وتحالف أحزاب اليمين المتطرف، أي انه سعى لاقتناص حزب العمل والجنرالات .
لكن النتيجة تظهر السبب في إعلان حنقه على العرب، الذين لم يكتفوا بما حققوه في صناديق الاقتراع، بل واصلوا الضغط بالتدخل في متابعة العملية السياسية التي انحصرت بعد ذلك في مفاوضات تشكيل الحكومة، وأطلقوا تظاهراتهم ضد وزير أمنه الداخلي على خلفية العنف داخل المجتمع العربي، فيما كانت السلطة الفلسطينية تزيد من الضغط عليه بمتابعة سياسة الانفكاك الاقتصادي التي تسببت باحتجاج قطاعات اقتصادية داخل المجتمع الإسرائيلي.
يمكن القول الآن بأن غانتس قد قطع نصف الطريق إلى الحكم، فهو المكلف تشكيل الحكومة الآن رسميا كما أراد، وقد وضع بعد ذلك إسرائيل أمام احد خيارين_كما أسلفنا_ لا ثالث لهما، وهذا يعتبر عنصر ضغط على القوائم البرلمانية وأولها الليكود، وهو يمكنه أن يقبل بحكومة الوحدة مع الليكود فقط دون حلفائه من الحريديم واليمين المتطرف، حتى لا يكون حزب أقلية في الحكومة كما قال غانتس نفسه، وحتى أن يقبل الشراكة مع تناوب مع نتنياهو شخصيا ولكن كرئيس حكومة في النصف الثاني من الولاية، وهذا يعني أن يذهب نتنياهو لمواجهة القضاء دون حصانة رئيس الوزراء، ويعني أيضا أن يفقد نتنياهو سطوته على الليكود واليمين عموما الناجمة عن سلطته كرئيس للوزراء خلال العامين القادمين.
وهذا كله يعني بأن أمام غانتس احتمال أن ينجح في مهمته، ليس تماما أو بشكل مؤكد بالطبع، لكن فرصته أكبر أو أعلى من فرصه سلفه، الذي ظهر مهزوما وعاجزا طوال العام، وفقد بريقه كقائد ناجح وقوي لليمن، قادر على تحقيق النصر وبالبقاء في الحكم أطول فترة قضاها رئيس حكومة لإسرائيل منذ ديفيد بن غوريون وحتى الآن.
والأهم من كل ذلك أن غانتس رفض طوال الأسابيع الأربعة السابقة أن يجلس مع نتنياهو، بما يعني بأنه قد أخلص لشعاراته الانتخابية، وقد التزم ببرنامجه الانتخابي وحافظ على اللحمة داخل حزبه وحلفائه المختلفين، بما في ذلك عدم الاتفاق مع الليكود على الخطوط العامة لبرنامج الحكومة، بما في ذلك الإقرار بضم المستوطنات، وإغلاق الحل السياسي مع الجانب الفلسطيني، وإبقاء الباب مفتوحا أمام صفقة العصر، الأمر الذي لو أنه كان قد حدث، لأخرج عرب القائمة المشتركة من دائرة احتمال المشاركة في حكومة غانيتس، في حال الفشل في الاتفاق على حكومة الوحدة، بل وحتى من دائرة دعمها الخارجي كما هو متوقع، في حال ذهاب غانتس لتشكيل حكومة ضيقة، تعتمد على حزبه واليسار وإسرائيل بيتنا، أي على قاعدة برلمانية مكونة من (33 ابيض ازرق+6 عمل+5 ميرتيس+8 ليبرمان) أي 52 نائبا مع دعم 13 نائبا عربيا من خارج الحكومة.
كل هذا يعني بأن غانتس سيفاوض الليكود من موقع قوة، فإما حكومة وحدة بينهما فقط، بـ 65 نائبا، أو حكومة ضيقة غير ممكنة مع العرب وليبرمان، ولكنها بدعم خارجي من القائمة المشتركة، كما حدث عام 1992 مع حكومة رابين التي وقعت اتفاقات أوسلو.

الأيام