أكرم عطا الله - النجاح الإخباري - وكأن العرب اكتشفوا بعد أكثر من ثماني سنوات أن هناك استهدافاً لسورية وتلك مدعاة للحزن أكثر مما هي مدعاة للسخرية، فالأمر هنا لا يتعلق باستباحة الأمن القومي العربي الذي أصبح مستباحاً لكل عابر طريق ومنذ سنوات وليس فقط مع الدخول التركي للأراضي السورية وهي ليست المرة الأولى، فقد أصيب العرب سابقاً بحكمة الصمت كعادتهم عندما دخل الجيش التركي أرض سورية عامي 2016 والعملية التي أسمتها «درع الفرات» وكذلك 2018 وما أطلقت عليه «غصن الزيتون». ويبدو أن الذاكرة العربية التي تتحرك لاعتبارات بائسة نسيت حين غزا الجيش التركي سورية سابقاً، وإن كانت هذه المرة أشد خطورة والمكان مختلف وتحمل وجهة تتعلق بالتهجير وترحيل الأكراد وزرع كتلة بشرية سنية عازلة من المهاجرين.
لا أحد يعرف لماذا يظهر العرب موقفاً من تركيا فيما يتعرض أمنهم القومي لانكشاف لا مثيل له، فإسرائيل تحتل الأراضي العربية والسورية والقدس أعلنتها الولايات المتحدة عاصمة لإسرائيل، والعراق أسقطه الأميركي أمام أعينهم وأعدم رئيسه في مشهد لن يمحو الذل من التاريخ العربي، وليبيا عاث بها الاجنبي وأسقط نظامها وقتل زعيمها وتركها خرابة، وأثيوبيا تتجرأ على مياه النيل وسد النهضة دون رادع. كل هذا لم يحرك له العرب ساكناً، وفقط حين دخلت تركيا وللمرة الثالثة استل العرب بياناتهم؟ تلك أحجية.
لن يتعاطى التركي بجدية مع الموقف العربي تماماً مثل اسرائيل التي باتت تسخر من المواقف العربية وكذلك الولايات المتحدة وإيران وكل العالم الذي لم يعد يأخذنا على محمل الجد، فأمننا بات رهينة في يد الغير، أما المال العربي فيرى التركي وغيره أنه يتم شحنه بالمليارات على شكل جزية أو هدايا، فيما شعوب عربية يأكلها الفقر، فكل العالم يراقب ويرى حالة الضعف التي جعلت الجميع يتجرأ على العرب.
لم تعد سورية بحاجة لموقف العرب الذين تخلوا عنها في أسوأ الظروف وجمدوا عضويتها في الجامعة العربية، لأن دولاً عربية من أرباب المال والنفط كانت تستهدف سورية وتنقل كل إرهابيي الكون لإسقاطها، فاتخذوا منها موقفاً ولم يناصروها، وعندما كانت تركيا تفتح الطريق لكل الإرهابيين لم يتحرك العرب لأن علاقة البعض حينها بتركيا كانت على ما يرام، حتى أن دولة نفطية هددت ذات مرة بدخول بري لسورية عن طريق تركيا، وعندما كان النفط السوري المسروق يذهب للتجارة مع تركيا أيضاً لم يتحرك العرب، والآن أفاق الضمير القومي فجأة ليكتشف أن أرضاً عربية تُستباح...!
سورية الآن أقوى وليست بحاجة لموقف عربي، فقد حسمت معركتها وبقي جيشها ونظامها، فقد أدارت أزمتها بذكاء وعرفت كيف تستغل حلفاءها الذين أثبتوا صدقهم في التحالف حد الموت من أجل الحليف، وليس كالولايات المتحدة التي تبتز حلفاءها وتتركهم عند أول أزمة كما فعلت مع الأكراد الذين قاتلت معهم الآن ومع غيرهم من العرب، وعرفت سورية أيضاً كيف تتعامل مع خصومها.
لن تنسى سورية أن رئيس وزراء دولة عربية هامشية تبجح على احدى الفضائيات قائلاً عنها حين وصفها بالطريدة «الصيدة فلتت» واعترف على كل الذين كانوا يلاحقون الطريدة من العرب وكم حجم المبالغ التي دفعت، ولن تنسى سورية أن دولة عربية سخرت فضائياتها وأسطولها الاعلامي لتجردها من سلاحها الكيماوي كرمى لإسرائيل حين أبدعت في الاخراج والتمثيل لتقنعنا بأن النظام ضرب المدنيين بالسلاح الكيماوي، ولن تنسى سورية تجميد عضويتها، ولن تنسى سورية الذين تحالفوا معها ورضعوا من حليبها ثم انقلبوا ضدها وتحولوا الى ذئاب برية تنهش لحمها وهي جريحة، وان نسيت سورية فان الذاكرة القومية للشعوب العربية عصية على النسيان.
قبل ست سنوات وحين كانت المعارضة المدعومة من النفط ورجال الدين والفتوى تتجهز للاحتفال بالنصر على أبواب دمشق التقيت في باريس صحافياً سورياً مقرباً من النظام، وبينما كنت قلقاً على سورية كان الرجل يطمئنني بهدوء، وحين سألته فاجأني قائلاً بالنص «لا تقلق ستنتصر سورية وتنهزم قطر» سألته عن أسباب تلك الثقة؟ أجاب الرجل عن تدرج استخدام الحلفاء. كان ذلك قبل استدعاء الحليف الروسي الذي جاء بعد حوارنا بثلاث سنوات، قال: لدينا الجيش السوري وحزب الله وستدخل ايران، قلت له: هل تكفي ايران لحسم معركة طرفها الآخر عشرات آلاف المقاتلين وخلفها صنابير النفط والغاز؟ قال: ان لم تكفِ سنستدعي الحليف الروسي، قلت: وهناك تجربة في أفغانستان لم تنجح فيها روسيا أمام تحالف النفط والغاز والمخابرات المركزية والفتاوى ورجال الدين، فماذا لو تكرر ذلك؟ قال: حينها سنستدعي القوات البرية الصينية ....أما لن نسمح بهزيمة سورية.. اطمئن.
هذا كان حواراً مر عليه ست سنوات عرفت سورية كيف تتعامل مع الحلفاء، وعرفت كيف لا تسقط فيما سقط العرب في اختبارات الربيع والمواقف، والغريب أن بعضهم يؤيد الغزوة التركية، والأكثر سخرية من يعتبر أن ما يحدث تكرار مرج دابق، وبغض النظر عمن يؤيد أو يعارض، فسورية قد نجت وان كان الثمن غالياً، لكنه أقل فداحة من السقوط كما غيرها ...!!!

الأيام