ترجمة إيناس الحاج علي - النجاح الإخباري - قدرتك على الإيمان هي أقوى سلاح لديك، وقد تكون أفضل حليف لك، أو أسوأ عدو وفي معظم الأحيان سوف تحدّد ما ستصبح عليه، لذا استخدمها جيدًا ".

كتب "نمر أديب أبو شهاب":

ولدت وترعرعت في نابلس وتخرجت من المدرسة الإسلامية عام (2007) وأحد أصعب القرارات لخريجي الثانوية العامة هو ما يجب دراسته في الكلية. كنت دائمًا مهتماً بعلوم الكمبيوتر وهندسة البرمجيات، لكنَّني كنت مفتوناً بالجسم البشري وخاصةً الجهاز العصبي الذي درسناه لفترة وجيزة خلال المدرسة الثانوية وبعد مناقشات مع عائلتي ووالدي قرَّرت الذهاب إلى كلية الطب في جامعة النجاح الوطنية.

خلال السنة الأولى من كلية الطب أصبحت أكثر اهتمامًا بالتخصص، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى أساتذتي في العلوم الأساسية بمن فيهم الدكتور حسني مقبول، والدكتور غسان أبو حجلة، والدكتور أنور دودين.

وفي العامين الأول والثاني كنت أستكمل تعليمي الطبي الأساسي من خلال التطوع في أقسام الطوارئ في مستشفيات رفيديا والوطني، وهما مستشفيان حكوميان رئيسان في فلسطين، يعالجان غالبية المرضى في نابلس.

سمح لي التطوع في هذه المستشفيات بالتفاعل المباشر مع المرضى لأوَّل مرَّة وساعدني على فهم أهمية العلوم الأساسية التي ندرسها، وجعلني أدرك كم  الجهد الكبير الذي يجب بذله لمساعدة هؤلاء المرضى أكثر .

في السنة الثانية من كلية الطب قرَّرت متابعة دراسة جراحة الأعصاب في الولايات المتحدة وجاء هذا القرار من حقيقة أنَّنا نعاني من نقص كبير في جراحي الأعصاب في فلسطين، وأنَّ على العديد من المرضى الانتظار فترة طويلة حتى يتم نقلهم إلى مكان آخر لتلقي العلاج عدةَّ مرات بعد فوات الأوان.

وعلاوة على ذلك من المعروف أنَّ الولايات المتحدة لديها واحد من أكثر برامج تدريب الإقامة تنظيمًا في العالم على الرغم من ذلك لم أكن أعرف الكثير عن التخصص في الولايات المتحدة الأمريكية لذلك بدأت في القراءة في محاولة لمعرفة ما يجب القيام به للوصول إلى هناك.

وفي ذلك الوقت تقريباً كانت هناك أسطورة كبيرة مفادها أنَّه لا يمكنك الدخول في أيّ تخصص جراحي في الولايات المتّحدة الأمريكية وبالتأكيد ليس جراحة الأعصاب إذا كنت خريج من بلد أجنبي.

لم يعلم  أحد كيف بدأت تلك الأسطورة لكن الطلاب صدقوها، وطلاب الطب الذين أرادوا إكمال تلك التخصصات كان عليهم الذهاب إلى بلدان أخرى أو البقاء في فلسطين. وأحد الأشياء التي تعلمتها من والدي هي عدم الاستماع إلى ما يقوله الناس عن المستحيل وأنَّه يجب أن أحاول بنفسي دائماً.

 لذلك مع مزيد من التشجيع من والدي وعائلتي وخاصة عمتي الدكتورة سعاد أبو شهاب  قرَّرت المضي قدمًا في دراسة جراحة المخ والأعصاب في الولايات المتحدة.

من خلال قراءة المزيد حول هذا الموضوع، فإنَّ الأشياء التي كان عليَ فعلها للوصول إلى إقامة تنافسية في الولايات المتحدة هي العمل في مجال البحث والقيام بدورات اختيارية والحصول على درجة عالية في اختبارات الترخيص الأمريكية (USMLE) وبناء روابط قوية في الولايات المتحدة، ولكن يمكن التخيل كم كان هذا الأمر صعبًا لطالب طب فلسطيني في السنة الثانية، ليس له أيَّة صلات في الولايات المتحدة الأمريكية، لكن كان من السابق لأوانه الاستسلام.

لذلك خلال عامي الثالث في كلية الطب بدأت في التقدم للحصول على فرص بحثية في الولايات المتحدة. تقدَّمت بطلب للعديد من المراكز، ولكن دون أيَّ رد إيجابي لذلك قرَّرت تحسين مهاراتي البحثية ومعارفي في الجامعة بمساعدة المرحوم الدكتور أيمن حسين.

بعد سنتي الرابعة في كلية الطب والتي كانت أوَّل سنة سريرية بدأت التقدم بطلب للحصول على دورة عملية واعتقدت الآن أنَّ لدي بعض المعرفة، والمزيد من الخبرة البحثيَّة، وبالتالي سيرة ذاتية لائقة.

لقد اتصلت تقريبًا بجميع مراكز جراحة الأعصاب في الولايات المتحدة لكن معظمها إما لم يقبل الطلاب الدوليين أو يتطلب الحصول على الدرجة الأولى من اختبارات USMLE. وفي النهاية بمساعدة الدكتور محمد زاهد حصلت على دورة اختيارية في جامعة ألاباما برمنغهام للقيام بعمليات جراحية في طب الأعصاب وجراحة الأعصاب للأطفال.

كنت متحمسًا، وفي ذات الوقت متوترًا لكوني في بيئة جديدة بعيدة عن المنزل.

ومع ذلك قرَّرت أن أعمل بجد قدر استطاعتي لإثبات أنَّنا  جيدون أو حتى أفضل مقارنة بطلاب الطب هناك. لذلك كنت أقضي معظم يومي في المستشفى من الصباح الباكر إلى وقت متأخر من الليل، أرى  المرضى وأقرأ معلوماتهم قبل جولات الصباح، وأشارك في العمليات الجراحية.

بعض جراحي الأعصاب الذين قابلتهم خلال تلك الدورة أصبحوا فيما بعد أصدقاء مقربين ودعموني كثيرًا خلال حياتي المهنية. ساعدوني أيضًا في مراجعة أول بحث قمت بنشره في جراحة المخ والأعصاب قبل سبع سنوات.

كما وافقوا على أن أتعاون معهم عندما عدت إلى كلية الطب في عامي خامس وسمح لي هذا التعاون بالحصول على أكثر من (15) ورقة بحثية تمَّت مراجعتها لفترة تخرجي من كلية الطب.

وبعد سنتي الخامسة في كلية الطب قمت بإجراء ثلاث دورات اختيارية أخرى في جراحة الأعصاب في الولايات المتحدة. إحدى تلك الدورات كانت في جامعة جونز هوبكنز التي عادةً لا تقبل طلاب الطب الدوليين، لكنَّ تم استثنائي، وبعد بعض المساعدة من المرشدين التقيت في العام السابق.

ومع كلِّ دورة قمت بها زاد شغفي بالجراحة العصبية، وأدركت كم  أنَّنا نفتقد التكنولوجيا في فلسطين ومقدار المساعدة التي يمكنني تقديمها إلى شعبي من خلال إقامتي في الولايات المتحدة.

خلال دراستي الطبية اعتدت أيضًا على التطوع في الاتحاد الدولي لطلاب الطب (IFMSA) وأصبحت فيما بعد رئيسًا للجمعية في جامعتي وأكملنا العديد من حملات التوعية بالرعاية الصحية وبرامج تبادل الطلاب ومخيمات الرعاية الصحية للاجئين ومشاريع تطوير البحوث.

ودرست اللغة الفرنسية مدّة عامين في المركز الثقافي الفرنسي في نابلس ما سمح لي بالقيام بكلّ تلك الأنشطة أثناء دراسة الطب، كنت أدير الوقت بشكل جيد، حقيقة لم أركز أبدًا على التنافس مع الطلاب الآخرين ولكن مع نفسي فقط.

وقرَّرت أن أكون دائماً نسخة أفضل من نفسي وهذا سمح لي بالموازنة بين تعلم الطب مع العمل التطوعي وتحسين الذات والعمل على إقامتي الطبية كما تمكنت من الحصول على منحة التميز خلال كل سنواتي في كلية الطب.

بعد التخرج من كلية الطب أتممت عام كمتدرب في نابلس وأكملت خلاله اختبارات (USMLE) والتي سمحت لي بمواصلة الإقامة في الولايات المتحدة، ثمَّ عرضت عليّ وظيفة كزميل أبحاث ما بعد الدكتوراة في جامعة الجنوب كاليفورنيا في لوس أنجلوس في ديسمبر (2014).

وكانت هذه المرة الأولى التي أغادر فيها بلدي لفترة طويلة من الزمن وتغلبت ببطء على الحنين إلى الوطن الأولي والتوتر من التعامل مع ثقافة جديدة.

لقد تعلَّمت المزيد عن ممارسة جراحة الأعصاب ونشرت المزيد من الأوراق البحثية وفصول كتب وطورت روابط قوية في هذا المجال. كما قدَّمت براءة اختراع لأداة طبية بالتعاون مع رجل الأعمال الفلسطيني مهند جاد الله، الذي كان دائمًا مؤيدًا كبيرًا للشباب الفلسطيني المبتكر.

بسبب العمل البحثي الذي قمت به حتى هذه المرحلة بالإضافة إلى براءة الاختراع الطبية وبدعم من مرشدي والسيد مهند جاد الله  حصلت على الإقامة من قبل حكومة الولايات المتحدة ضمن فئة القدرات "الاستثنائية" للمصلحة الوطنية.

وهذه الإقامة مشرّفة، ويتم تقديمها فقط للأشخاص ذوي المساهمات التي يُعتقد أنَّها تفيد البلد. وساعدني هذا الشرف العظيم في التحرك بحرية أكبر في الولايات المتحدة وشجعني على تحقيق المزيد.

تمَّ قبولي لاحقاً للقيام بزمالة بحث ما بعد الدكتوراة مدة عام في كلية الطب بجامعة هارفارد في بوسطن لدراسة علاج تمدُّد الأوعية الدموية الدماغية باستخدام الدعامات التي تحوِّل مسار التدفق.

وأتذكر مدى صعوبة ترك الأشخاص الذين أصبحوا عائلتي الجديدة في لوس أنجلوس والانتقال إلى بيئة جديدة تمامًا في بوسطن والتعرف على أصدقاء جدد والعيش في مغامرة جديدة.

وخلال تلك السنة قدَّمنا ​​مساهمات كبيرة في الأدب الدماغي الوعائي من خلال الأوراق البحثية والتي ساعد الكثير منها في تقدّم مجال جراحة المخ والأعصاب من خلال تحسين النتائج وتقليل معدلات المضاعفات.

ونشرنا أيضًا أنظمة تصنيف تمدّد الأوعية الدموية الدماغية والتي ساعدت في اختيار أنسب استراتيجيات العلاج لفئات مختلفة، ونشرت في مجلة جراحة الأعصاب، وقمت بتقديم عملي في العديد من المؤتمرات الوطنية والدولية.

في ذلك الوقت قمت بتطوير برنامج طبي يسمى (MedSolace) بالتعاون مع رجل الأعمال مهند جاد الله وكان الهدف من التطبيق هو السماح للمرضى في جميع أنحاء البلاد بتحميل الصور التشخيصية والنتائج المخبرية والوصول إليها ومشاركتها مع مقدمي الرعاية الصحية دون قيود، ونعمل أيضاً على نشر وتطبيق النظام في الشرق الأوسط حيث يمكن للمرضى الحصول على رأي ثانٍ من الخبراء في الولايات المتحدة ودول أخرى دون الحاجة إلى مغادرة منازلهم.

في نهاية عام (2016) تقدَّمت بطلب للحصول على الإقامة لجراحة المخ والأعصاب في الولايات المتحدة، وتمَّ قبولي كمقيم في قسم جراحة المخ والأعصاب في مستشفى جامعة ولاية لويزيانا مما يمثل علامة فارقة جديدة في حياتي المهنية.

وبحلول نهاية السنة الثانية من إقامتي  كنت قد نشرت حوالي (100) ورقة بحثية وفصول كتاب في مجال جراحة المخ والأعصاب، والتي تمَّ الاستشهاد بها أكثر من (600) مرَّة وحصلت على (4) جوائز وطنية ودولية لأفضل بحث علمي.

بالإضافة لعملي كمحرر ومراجع في العديد من المجلات في مجال جراحة المخ والأعصاب بما في ذلك مجلة جراحة المخ والأعصاب، وجراحة المخ والأعصاب العالمية التي راجعت أكثر من (110)أبحاث فيها.

وتمَّ تعييني مؤخرًا كمحرر لقسم الأوعية الدموية والداخلية في مجلة جراحة المخ والأعصاب العالمية المجلة الرسمية للاتحاد العالمي لجمعيات جراحة الأعصاب.

وبعد أن أنهيت إقامتي الحالية فإنَّ هدفي هو العودة إلى فلسطين وتطبيق المعرفة والخبرة التي اكتسبها هنا لخدمة بلدي وشعبي في فلسطين. وآمل أن أعمل جنبًا إلى جنب مع الأطباء والجراحين هنت لتقليل الحاجة إلى نقل المرضى وإضافة نقلة نوعية تماماً في مجال العمليات الجراحية التي يمكن القيام بها وتحسين النتائج.

وأضاف شهاب نصيحتي للجيل القادم من طلاب الطب والشباب بشكل عام: لا تدع أي شخص يسرق حلمك: فكرة القيام بأي إقامة جراحية في الولايات المتحدة كانت مستحيلة ناهيك عن جراحة الأعصاب ولكن في الواقع يمكن تحقيق ذلك، لا تدع أي شخص يخبرك أنَّه لا يمكنك القيام بشيء ما.

في أيّ وقت من الأوقات في حياتي المهنية  لم يكن لدي خطة (ب) أعتقد أنَّه إذا كان لديك خطة أو خيار ثانٍ فلن تلتزم مطلقًا بخطتك الأولى.

لا تستسلم أبدًا: طالما كنت قادراً على النهوض مجدَّداً فإنَّك لن تفشل، مثال أنّه لا يوجد أي مرحلة في حياتي المهنية كانت سهل ولا أعتقد أنَّه كان من المفترض أن توجد.

كان لدي الكثير من النكسات على طول الطريق وما زالت ولكن تلك أسميها نقاط التعلم بدلاً من الفشل، فقط لأنَّني استمر في المضي قدمًا وغالباً سيكون لدينا الكثير منها بعضها أصعب من الأخرى، و لكنَّها جميعاً تشكل الشخص الذي ستصبحه عليه مستقبلاً.

الوقت الذي تقضيه في كلية الطب طويل جدًا بالنسبة لك حتى تخرج بشهادة لذلك لا تقضي وقتك في التنافس مع الطلاب الآخرين الذين يحرفونك عن هدفك الرئيس لذلك يجب عليك العمل على تحسين مستقبلك.

اعمل دائماً على بناء المزيد من العلاقات في وقت مبكر أثناء دراستك وهذه العلاقات أدوار كبيرة في حياتك المهنية المستقبلية لا تخف أبداً من التواصل مع الناس حتى لو تم رفضك حيث لا يستطيع  أي منا تحقيق شيء دون مساعدة الآخرين.