عبد المجيد سويلم - النجاح الإخباري - مَنْ مِنّا لا يتذكر الثلاثي المرح: سمير غانم، جورج سيدهم والضيف أحمد؟
ثلاثة عرفوا كيف ينتزعون منّا الابتسامة والضحكة أيضاً، ثلاثة أتقنوا تمثيلاً وغناءً فنّ التسلية الساخرة، التي لم تكن تنطوي دائماً على أبعاد اجتماعية وثقافية جادة، لكنها كانت خفيفة الظل، وخفيفة على القلب أيضاً.
بعد سنوات وسنوات بل عقود وعقود، وبدلاً من أن يأتينا ويحلّ علينا ثلاثي جديد للفرح والبهجة والابتسام نفاجأ بثلاثي من نوع خاص.
ثلاثي ليس من عالم الفن والدراما أو الكوميديا، وإنما من عالم السياسة والتراجيديا الاجتماعية والثقافية، ومن عالم الأيديولوجيات المنقرضة والتهريج الفكري والسياسي في أشد أشكاله رجعية وجهلاً وتعصباً وعدوانية. إنهم الثلاثي المهرّج في بلاط البيت الأبيض، كوشنير وغرينبلات وفريدمان.
لا يمكن حصر ما "أتحفنا" به هذا الثلاثي العجيب من ترّهات سياسية، وما "أبدعوه" من تصورات عن "الحلّ" الذي يعدّونه "لنا وللعالم"، باعتبار أن هذا "الحل" سيكون ـ كما وعدوا ـ "النعمة" التي ستنزل علينا من السماء، و"الوعد" الذي سيحققه الرئيس ترامب لشعوب المنطقة والعالم أجمع!
يحتاج الأمر إلى دراسات وأبحاث، ولن أستغرب أبداً أن يبدأ بعض الجامعات باستدراج أبحاث ماجستير ودكتوراه للخوض في "الدُرر" السياسية والفكرية لهذا الثلاثي الغريب.
وفي أغلب الظن فإن تلك الدراسات والأبحاث ستبين أن عالم الخرافات والأساطير ما زال حياً وبقوة في نماذج قائمة على التهريج الفكري والسياسي، وان هناك من يعتقد ـ وهم أحياء يرزقون ـ أن الخرافة يمكن أن تنتصر على العلم، وأن الأسطورة هي أصل التاريخ وجوهره، وأن الله، رب كل البلاد وكل العباد قد كرّس كل إرادته وقوته وجبروته لكي ينعم هذا الثلاثي بأريحية اجتراح المعجزات، وتحقيق الأحلام والأوهام وتحويلها إلى واقع سياسي!
يتصور السيدان كوشنير وغرينبلات أن العالم كله يقف على رجليه بانتظار أن يمنّ الرئيس ترامب عليه بالحل المنتظر، وبأن يضع حداً "نهائياً" لهذا الصراع الطويل، وأن يريح البشرية من أعباء وتبعات هذا الصراع، لكي تعيش شعوب المنطقة في سلام وأمان، وفي رغد وهناء ورخاء، ويتصوران أيضاً ـ لأن السفير فريدمان حالة خاصة سنأتي عليها ـ أن الشعب الفلسطيني الذي استمر على أرض فلسطين أكثر من سبعة آلاف عام ويواجه الحركة الصهيونية منذ أكثر من مئة عام متواصلة، يتصوران أن هذا الشعب يبحث اليوم عن شقق سكنية، وعن حفنة من الدولارات لكي يتخلى عن أرضه ووجوده وتاريخه وكرامته وحقوقه وأهدافه وكامل مستقبله. 
إنهما فعلاً من "عباقرة" السياسة، وجهابذة العلوم الاجتماعية والتاريخية، وهما من "أذكى" من مرّ على البشرية من صنوف "الدهاة"، وأشكال "الموهبة"، ومن "أعمق" ما مرّ على التاريخ المعاصر من شخصيات "أثّرت وستؤثّر" على مسار البشرية عموماً وعلى مسار منطقة الإقليم خصوصاً.
أما السيد فريدمان فهو سفير فوق العادة لكل ما في هذه الكلمة من معنى.
إذ لم يحدث أن سفيراً لدولة عظمى عبّر في تصريحاته ومواقفه عن الاستحذاء، والاستخذاء لسياسة دولة هو السفير لديها. ولم نعرف في كل تاريخ الدبلوماسية المعاصرة والحديثة، ولا حتى القديمة والموغلة في القدم أمراً كهذا.
لو كان السيد فريدمان سفيراً لإسرائيل في الولايات المتحدة لهوّن علينا الأمر قليلاً، ولو كان  مندوباً للمنظمات الأميركية المؤيدة للعنصرية والاستيطان كبعض المنظمات التي تعتبر كهانا وغولدشتاين بطلين قوميين.. لو كان الأمر كذلك لهوّن علينا هنا أيضاً.
أما أن "يزاود" على غلاة المستوطنين، وأن يصطهج فرحاً عند إقرار بناء كل وحدة استيطانية جديدة، وأن يتخذ من المواقف ما هو على يمين الغالبية الساحقة من الإسرائيليين أنفسهم، فإن هذا الأمر قد فاق كل قدرة على الفهم والتحمّل، وتجاوز كل حدود العقل والمنطق والتفكير السوي.
كنا نأمل أن نُرزق ومعنا شعوب هذا الإقليم كله بثلاثي مرح، إلاّ أننا رزقنا مع الأسف بما يشبه العقوبة، نحن والعرب والإسرائيليين وكل العالم إلى جانبنا ومن بعدنا بهذا الثلاثي ـ النموذج ـ لما وصلت له البشرية في بعض أوجهها من انحدار ثقافي ومعنوي، ومن استهتار وازدراء مقيت بحقوق الشعوب في العيش بكرامة وحرية وأمن وسلام بما في ذلك الشعب الإسرائيلي نفسه.
عندما يُستبدل الحقل السياسي بالسيرك السياسي علينا أن ندرك إلى أي حضيض وصلنا، وإلى أي درك يمكن أن نصل مع وجود مثل هؤلاء المهرّجين.