ماجد هديب - النجاح الإخباري - من المعلوم ان سلوك الأفراد والجماعات داخل هذه المجتمعات هو المعيار الحقيقي لنمو المجتمعات وتطورها ، حيث يعتبر هذا السلوك بمثابة المؤشِّر على استمرار أمَّة ما أو انهيارها؛ فالأمة التي لا اخلاق فيها سرعان ما ينهارَ كيانها ، لأنه لا امن ،او امان ،ولا الفة ايضا ،او محبة ، ولا حتى تعاون بين افراد وجماعات هذه الامة دون وجود لهذه الاخلاق التي تفتقدها بعض الجماعات ،وفي مقدمتها جماعة الاخوان المسلمين في ظل ما تمارسه من سلوك ،حيث اصبحت هذه الجماعة معيار تخلف ومؤشر ايضا على استمرار ازمات هذه الامة ودلالة على انهيارها، لأنه ما من مجتمع تواجدت فيه هذه الجماعة الا وسادت فيه الكراهية والانانية ،وشاع فيه انعدام الامن والامان ،مع انعدام المحبة والالفة بين افراد المجتمع الواحد ، لما تسببت به من ارتفاع في معدلات الجريمة والبطالة ،ومن تصاعد لسياسة الابتزاز والاذلال ايضا، وذلك من خلال ممارستهم لسياسات استخدام عاطفة المواطن واستغلاله من اجل وصولهم الى السلطة ،بالإضافة الى سياساتهم الميكافيلية التي لا اخلاق فيها من اجل ابقاء سيطرتهم على هذه السلطة التي وصلوا  اليها من خلال نجاحهم في اختراق عقل المواطن البسيط واستغلال عاطفته الدينية من اجل مصلحة جماعتهم ،وليس من اجل الوطن ، ولا حتى الدين، وعليه فان جماعة الاخوان المسلمين، كانت وما زالت تعاني من ازمة في الاخلاق.

للأخلاق في ديننا الاسلامي مكانتها الخاصة ومنزلتها الرفيعة ،حيث ان للأخلاق اهمية كبيرة لدى المسلمين ،واولوية هامة لتحقيقها لإسناد نشر الدعوة ،ولعل ما ورد عن رسولنا الكريم من احاديث كثيرة ،من بينها " إن أحبَّكم إليَّ، وأقربكم مني في الآخرة مجلسًا، أحسنُكم أخلاقًا، وإن أبغضَكم إليَّ وأبعدَكم مني في الآخرة أسوَؤُكم أخلاقًا، الثَّرثارون المُتفَيْهِقون المُتشدِّقون" ،ما هي الا لتعظيم اهمية هذه الاخلاق ومكانتها في انتشار الاسلام، وتعاظم مكانته بين الامم ،ولكن وللأسف ،ما ان نجد مجتمع تتواجد فيه جماعة الاخوان المسلمين الا وساد فيه الكراهية والانانية ،وشاع فيه انعدام الامن والامان ،مع انعدام المحبة والالفة بين افراد المجتمع الواحد ،مع الانحدار الواضح في الاخلاق ، سواء هؤلاء الذين يحملون لواء الجهاد في سبيل الله ،او حتى الذين يتشدقون بشعارات التغيير والاصلاح .

من المؤسف القول هنا ،بان هؤلاء الذين تشدقوا بشعارات الاسلام ،وادعوا زورا وبهتانا انهم اهل الاصلاح والتغيير على قاعدة الاقتداء بأخلاق الرسول للرقي بالشعوب الاسلامية والنهوض بهم لإعلاء دولة الاسلام وحماية حقوق اهله اصبحوا يرتكبون افعالا لا اخلاقية ،وهذا ما ادى الى انصراف شعوب العالم عن الاسلام وتعاليمه بعد ان كانت اخلاق المسلمين هي من جذبت شعوب العالم الى دخول هذا الاسلام والتمسك بتعاليمه ،فهل ما يقوم به الاخوان المسلمين ،ومن يستضل تحت لوائهم من افعال ،هي من الاخلاق وفضائله ،ام من مكاره هذا الاخلاق؟، فمن جعل الغرب ينفر منا ويخاف من اسلامنا ،ومن يظلم ويفتري ويشوه ويقلب الحقائق، ومن يقول ما لا يفعل ،ومن يتعمد افتعال الازمات لإحداث ازمة في الاخلاق ،ومن يعمل ايضا على دفع افراد المجتمع الى الانحدار في السلوك، لا يتمتع حتما بفضائل هذه الاخلاق ،وانما هي من مكاره هذه الاخلاق التي نهى عنها الاسلام ،وحث على اجتنابها رسولنا الكريم .

كثيرة هي تلك الافعال التي يقوم بها الاخوان المسلمين ،والتي يمكن وصفها بالخارجة عن تعاليم الاسلام واخلاق اهله ،لما فيها من تناقض ما بين ادعاء اعضاء هذا التنظيم وواقع افعاله، ففي الوقت الذي يتحدث فيه هؤلاء عن العدالة والحريّة والكرامة الإنسانية، وتحرير الوطن ، نجد بان كل تصرفاتهم وأفعالهم في حالة من التصادم مع القيم الدينية والأخلاقية والوطنية ، فتراهم يخططون للتخريب والتدمير، والتفجير والقتل مع استمرار محاولاتهم في طمس التاريخ او تشويهه ان لم يستطع هؤلاء تزوير هذا التاريخ وتحريفه ،وخاصة عند نجاح هؤلاء في الاستيلاء على الحكم بفعل قدرتهم على استغلال الناس البسطاء الذين لا فكر لهم ،كما حدث في مصر والسودان ،ويحدث الان في غزة ،حيث تعتبر جماعة الاخوان ان الانتخابات يجب ان تحصل لمرة ولا اعادة لها ،لانهم لا يعترفون بالتداول السلمي للسلطة ،ولا يعترفون إلا بسلطة الله ويعتبرون أنفسهم دون غيرهم حراسا عليها وولاة علي تنفيذها ،ولذلك سرعان ما يلجأ هؤلاء الى القوة العسكرية لحماية وجودهم واستمرارا لسلطتهم تحت حجج وذرائع مختلقة وواهية ،ومنها بناء الدولة الاسلامية ،او تحرير البلاد من الاحتلال والاستعمار باسم شعار الشرعية التي امتهنته تلك الجماعة في مصر والسودان وفي غزة ايضا وابتذلت في توظيفه وتسخيره من اجل إحكام قبضتها على مقاليد الحكم تحقيقا لتعاليم سيدهم الاول حسن البنا الذي نادى بوجوب استخدام الديمقراطية للوصول الى السلطة مع الحيلولة دون استخدام الغير لهذه الديمقراطية مجددا.

لم يكتفي هؤلاء بالابتعاد عن فضائل الاخلاق ،وانما ذهبوا للاقتداء بما جاء في مطبوعات سيد قطب وحسن البنا من عدم قبول الديمقراطية من اجل استمر سيطرتهم والتدرج بتنفيذ سياسة التطرف ،ولذلك نجد ان معظم المتطرفين الان في داعش والنصرة والقاعدة ،كانوا وما زالوا، متأثرين بأفكار قطب والبنا ،وهذا وفقا لما اعترف به يوسف القرضاوي نفسه حين قال في احد مقابلاته الاعلامية "بان البغدادي زعيم تنظيم "داعش" كان من جماعة الإخوان المسلمين "،حتى ان معظم من يقاتل الان في صفوف النصرة وداعش من الفلسطينيين كانوا ينضوون تحت لواء حركة حماس، ولكنهم غادروها بعد ما حدث من صدام فكري بين ما تتلمذوا عليه ،وبين ما تمارسه قياداتهم من واقعية سياسية متقلبة اضطروا الى ممارستها بعد الانقلاب الذي قاموا به في غزة.

ان الانقلاب الذي قامت به حركة حماس لم يكن بمعزل عن فكر الاخوان ،وليس وفقا لما جاء في ادعاءاتهم انه نتيجة التناقض ما بين برنامجي المقاومة والسلام ،حيث ان القوة والانقلاب والسيطرة هي افكار متأصلة هو فكر وعقل الاخوان منذ نشأتهم ،ومنذ التفجيرات والاغتيالات التي قاموا بها ايضا في مصر ،حيث اثبت الاخوان ميولهم ببناء القوة المسلحة الخاصة  بهم، وذلك اما للسيطرة على الحكم رغم ادراكهم بفشل هذا الحكم ،واما للإبقاء على هذا الحكم الذي نجحوا في الوصول اليه من خلال الديمقراطية الاولى والاخيرة ،وهذا ما ادى الى ازمة ليس بفكرهم ،وانما بأخلاقهم ايضا ،وانعكاس هذه الاخلاق على المجتمع الذين يعيشون به وسيطروا عليه ، ولذلك كان لا بد من المقارنة هنا ما بين انحدار الاخلاق في مجتمعات يسود بها الاسلام ،وتصاعد هذه الاخلاق بمجتمعات لا دين فيها او اسلام فيها ،ومنها اليابان ،وذلك للتدبر والتفكر ،وهده دعوة لضرورة البحث عن اسباب هدا التمايز، رغم ان الاسلام هو دين الاخلاق، حيث نجد ان في اليابان مثلا الالاف من الجماعات الدينية ،الا أن الدستور الياباني يفصل الدين عن الدولة ،وهذا ما ادى الى ان تكون العقيدة عند اليابانيين هي ايمان شخصي في الضمير، يبرزه الياباني في سلوكه وعلاقاته الفردية ،ومع الجماعات ايضا والدولة ، وليس من خلال طقوس دينيه في المعابد،وهم بذلك عكس الاخوان المسلمين الذين يمارسون هذه الاخلاق في المساجد في حين انهم يمارسون الميكافيلية في السلوك والعلاقات خارج هذه المساجد.

خلاصة القول ان المجتمع الياباني به جماعات دينية متعددة، تحترم بعضها البعض، وتتعاون فيما بينها، وتعمل في تناغم لخير المجتمع ،وهذا ما يجعلني اطرح سؤالا ملحا ،وهو اذا ما كان العيب فيمن يطبق الاسلام ،وليس في الاسلام نفسه ،وبما ان الاخوان المسلمين يطبقون اخلاق الاسلام في المساجد، وليس في السياسة والعلاقات مع الناس ،فهل من الممكن ان نستفيد من التجربة اليابانية في تطوير تعليم أخلاقيات السلوك، من خلال انتقال هذا السلوك من المسجد الى العلاقات ما بين الافراد والجماعات ،وما بين هؤلاء والدولة من اجل الوحدة والتعاون تما ما كما حال اليابانيين ،وهي فرصة للخلاص من ادعياء الاخلاق الذين كانوا وما زالوا سببا في تخلفنا وانقسامنا وانحدار اخلاقنا ،وفرصة ايضا لانتشال جماعة الاخوان المسلمين مما هم فيه الان من ازمة في الاخلاق؟.