عاطف أبو سيف - النجاح الإخباري - كثيرا ما يتساءل المرء هل الساسة الأميركيون يجهلون حقاً التاريخ؟ أم أنهم يتعمدون أن يبدوا كذلك؟ في الحقيقة لا يمكن لمن يتابع تصريحات الساسة في واشنطن خاصة تلك التي تتعلق بالعالم غير الغربي فإن أول شعور يمسك به أنهم يجهلون كل شيء عن تلك المناطق خارج تخوم ضفتي الأطلسي، بل إنهم ربما يتعمدون الظهور بهذا المظهر. وفي مرات يشعر المرء بالاستهتار في كل ما يقولونه إذ لا يراعي أي مشاعر أو قيم ولا يقف لحظة صدق أمام التاريخ والحقيقة. عموماً وأمام الكثير من الغرابة التي تتسم بها السياسة الأميركية فإن الكثير من هذا يبدو طبيعياً خاصة لمن يتابع هذه السياسة.
وعند النظر في مواقف واشنطن من القضية الفلسطينية فإن مثل هذا الإحساس يتعمق. هناك جهل يصل حدوداً لا قاع لها بمجريات التاريخ وبالواقع. جهل كفيل بقلب كل الحقائق من أجل أن يتم تعميم الأكاذيب الكبرى للصهيونية وحلفائها من غلاة المسيحية المتطرفة الأميركية. ويصل الأمر في مرات إلى حد التماهي المطلق مع تلك المواقف بل إن بعض رجالات واشنطن يبدون أكثر تطرفاً من المستعمرين الذي يسرقون الأرض ويقتلعون الزيتون ويزيفون التاريخ ويتحايلون على الواقع. بعض هؤلاء الساسة الأميركيين أكثر صهيونية من قتلة الأطفال في بلادنا، وبعضهم ينضح محرضاً علينا في تبرير لفظي لكل الجرائم التي ترتكب بحقنا على يد جنرالات دولة الاحتلال وقطعان مستوطنيها. 
ويمكن سحب هذا الأمر من فريدمان المستوطن السفير إلى ترامب الرئيس الذي يصلح أن يكون عضواً في الكنيست ضمن قوائم اليمين الإسرائيلي. ففريدمان لا يترك مناسبة إلا يهاجم الشعب الفلسطيني ويعتدي على تاريخه وواقعه من خلال ما يخرج منه من تصريحات لا تليق بدبلوماسي ولا بمواطن محترم، ويبدو أن السيد فريدمان لا يعترف بوجود القانون الدولي ولا يدرك بأنه سفير في دولة مارقة على القانون لذلك فهو لا يرى فيما يقوم به أي عيب أو أي خرق للقانون، بل تعزيز لحالة إسرائيل كدولة فوق القانون.
أما رئيسه الذي يتصرف كمسؤول عن العالم كله فيمنح صكوكا ملكية اعتباطاً فهو أكثر مدعاة للغرابة. فترامب الذي يثير أزمة في كل كلمة يتفوه بها ويثير لغطاً في كل فعل يقدم عليه، وقف بشكل علني ليس مع الرواية الصهيونية ولا مع مواقف الحكومة الإسرائيلية، بل إنه نزع كل سيوفه لينكل بالحقوق الوطنية الفلسطينية والمساس بمكانة هذه الحقوق في المؤسسة الدولية. وأقدم على بناء مستوطنة يطلق عليها اسم سفارة في داخل العاصمة المحتلة. إن مراقبة سلوك ترامب المثير للسخرية في الكثير من المواقف يجعل السؤال حول أهليته مشروعاً. وربما وجب علينا كفلسطينيين أن ننظر بالكثير من الريبة لهذه التصرفات والذهاب تجاه مقاضاته عليها. إن رئيساً همه الاستعراض لا يمكن أن يقود ألا إلى الفوضى في العالم؛ لا أن يصنع سلاماً. الفوضى التي تشكل استكمالاً لنهج المحافظين الجدد، لكنها الفوضى الناتجة عن البحث عن المزيد منها.
عموماً الأمر ليس أحسن حالات حين يتم النظر في تصريحات أكثر شخصيتين جاهلتين في السياسة الأميركية: كوشنر وغرينبلات. لا يمكن للمرء أن يتوقف أمام كمية الجهل التي تنضح من عبارات هاتين الشخصيتين خاصة حين يتحدثان عن التاريخ أو يستجلبان مقاربات ملتوية لتفسير الحماقات التي يرتكبها الرئيس ترامب في الشرق الأوسط؟ مع الوقت ستتحول قصة صفقة القرن إلى حكايات الخرافات السياسية التي يتحدث عنها الجميع ولا أحد يعرف عنها شيئاً ومع الوقت يزداد الحديث عنها دون أن يتكشف أي شيء، بل إن المزيد من الحديث يكشف عن المزيد من الغموض. فحديث أكثر لا يجلب إلا حديثا أقل. لكن موضوع الصفقة موضوع آخر. الموضوع الأساس هو الجهل الذي يتسم به حديث الشخصين المكلفين من ترامب بالملف الأكثر حساسية في العالم، جهل يكاد المرء أن يقول، مقصود بل يتم السعي خلفه. 
إذاً، القصة ليست أن هؤلاء الساسة جاهلون بالتاريخ ولا يعرفونه. أو أنهم فعلاً لا يعرفون الواقع. أو أنهم غير مطلعين على وقائع الصراع. ربما العكس من كل ذلك مع عدم نفي صفة الجهل عنهم. فإضافة لهذا الجهل فهم يتعمدون تناسي التاريخ ويتقصدون تحريفه والاتكاء على أكاذيب الصهيونية ومواريث الغزاة ويتجاهلون الواقع ويعتمدون على الصورة التي يريدون تصديقها عن الواقع. فالشعب الفلسطيني يبدو معتدياً وإرهابياً يحاول المساس بالحمل الوديع الذي يرضع في ثدي الحضارة الغربية.  ونلمس إصرار الساسة الأميركيين على المشاركة في الجرائم التي ترتكب بحق الشعب الفلسطيني ودفاعهم المستميت عما تقوم به إسرائيل من أفعال. لا أخلاق في ذلك ولا مبرر من أي نوع إلا أن تكون جزءاً من الجريمة.