عبد المجيد سويلم - النجاح الإخباري - هذه حرب يمكن أن نجد من يؤلّب عليها، ويعمل على إشعالها، كما يمكن أن نجد من يحذّر من مغبّة الانزلاق إليها.
وفي تحليل الواقع اليوم ـ واقع احتمال هذه الحرب ـ نجد من يرجحها ومن يستبعدها، وهناك من يعمل على تفاديها وهناك من يؤكد حتمية وقوعها.
في خضّم هذا كله يمكن أن نتلمس بعض عناصر العقلانية مقابل الرعونة والجنون، كما يمكن أن نشهد بعض عناصر الحذر والتنبيه لأخطار ليست مرئية وكوارث لا يمكن تحمّلها.
كل هذا جزء من واقع "حافة الهاوية"، وحافة الهاوية هي جزء "أصيل" من استراتيجيات ما قبل الحرب.
لكن الحرب إن وقعت لا تعرف الحذر ولا تبحث عن العقلانية في الحالة الإيرانية.
بل يمكن الجزم بأن الحرب على إيران ـ إن وقعت ـ ستكون مدمّرة وحاسمة ومصيرية. لماذا؟
لأن مثل هذه الحرب لا يمكن أن تكون "تأديبية" أو "تقليمية"، ولا حتى "تحريكية" وذلك بالنظر إلى واقع "الصراع" بين إيران والمعسكر المعادي لها.
لو وقعت الحرب وبقي النظام "صامداً"، ولم تتمكن الولايات المتحدة وإسرائيل وبعض الغرب من حسم الصراع بزوال النظام في إيران فإن النتيجة الحتمية في هذه الحالة هي "الاعتراف" بدوره ومكانته في المنطقة. 
أو لو وقعت الحرب وفشلت أطراف القائمين عليها في إزاحة النظام فإن هذا الفشل سيكون مردّه هو العجز عن الاستمرار بها، وليس أي شيء آخر. والعجز عن الاستمرار بها إلى النهاية الحاسمة هو "سرّ" هذه الحرب وهو مفتاح فهمها إن وقعت.
إيران أكثر من يعرف هذه القضايا، وهي ستلعب كل الأوراق التي لديها، وستعتبر هذه الحرب بمثابة "أن تكون أو لا تكون"، وربما أنها ستذهب إلى حدود "الشمشونية" الكاملة غير المنقوصة.
أوراق إيران كثيرة وكبيرة ومؤثرة، ويمكن أن تؤدي إلى كوارث لا يمكن تصور نتائجها منذ الآن.
التبجُّحات الأميركية حول مضيق هرمز فارغة، وليست حقيقية، وتستطيع إيران قطع خط الإمداد النفطي من هذا المضيق بوسائل متعددة منها ما هو معروف للجميع، ومنها ما لا يعرفه أحد لأنه ربما يكون مخبأ في أدراج مغلقة في العاصمة الإيرانية.
إذا تمكنت إيران من إغلاق المضيق ـ وأغلب الظن أنها قادرة على ذلك ـ فلا أحد في هذا العالم يستطيع تعويض النقص في إمدادات النفط للاقتصاد الغربي، ولا يملك أحد في هذا العالم أي كوابح تمنع ارتفاع أسعار النفط إلى 500 دولار أو حتى أكثر من ذلك.
أين هو الاقتصاد الأوروبي الذي يستطيع تحمُّل أسعار كهذه؟
وحتى الاقتصاد الأميركي نفسه هل بمقدوره تحمُّل نتائج من هذا النوع؟
ماذا ستفعل اليابان والصين؟
هل يمكننا تصور الثروة التي ستنزل على بوتين إذا وصلت أسعار النفط إلى نصف هذه الأرقام وليس كلها؟! لنتذكر هنا أن روسيا سددت كل ديونها من فارق أسعار أقل من ذلك.
إغلاق المضيق لا يمنعه وجود حاملة طائرات ولا يمكن السيطرة على هذه المسألة نارياً.
إذا قررت إيران إغلاقه فإنه سيغلق، وإذا حصل ذلك دخل العالم في أزمة لن يبدأ حلها قبل عدة شهور، وقد يمتد الأمر إلى أبعد من ذلك.
هذه ورقة واحدة فقط من أوراق إيران. أما الأوراق الأخرى فهي ليست على درجة أقل من زاوية الخطورة من ورقة المضيق.
إذا حسمت إيران خيارها باتجاه المعادلة الشمشونية فمن سيمنع امتداد الحرب إلى كل مواقع النفط في الخليج وتدمير بعضها أو معظمها؟!
ومن سيمنع "حزب الله" من "إفراغ" كل حمولته باتجاه إسرائيل، ومن له منع سورية أيضاً أن تدخل على "خط" الحرب بعد أن تم "ضمّ" و"إهداء" الجولان لإسرائيل؟!
إذا وقعت هذه الحرب فهل سيبقى أنصار وأتباع إيران في منطقة الخليج على خشبة المتفرجين أم يمكن أن "ينضموا" إلى هذه الحرب وخلق مشاكل وأزمات داخلية خطيرة في هذه البلدان؟
وإذا ما تم ذلك، فهل سيستطيع أحد أن "يضمن" بقاء الأمور عند حدود معينة، أم أن هذه المشاكل والأزمات يمكن أن تتطور بصورة درامية وغير متوقعة، وتُدخل كل منطقة الخليج في تصدعات اجتماعية لا سابق لها، وعلى أكبر وأعلى درجات الخطورة السياسية؟!
لا توجد "عقلانية" إن وقعت هذه الحرب، ولا تملك إيران رفاهية خوض أنصاف حروب، تماماً كما لا تملك الولايات المتحدة وإسرائيل مثل هذه الرفاهية.
هذه حرب إن وقعت يمكن أن تتدحرج إلى ما هو أبعد من حرب إقليمية، وربما أقل قليلاً فقط من حرب عالمية.
إن أخطر ما يُنتظر من الحرب على إيران هو بقاء التفكير بها باعتبارها مسألة عسكرية يحسمها ميزان القوى العسكري المختل بصورة كبيرة للغاية لمصلحة الولايات المتحدة وإسرائيل. كما أن من أخطر ما يمكن أن تؤدي إليه هذه الحرب هو الدمار الكامل لأجزاء كبيرة من بلدان الخليج علاوةً على الدمار الذي سيلحق بإيران والذي يمكن أن يكون كارثياً.
ولأن إسرائيل تقف من وراء باب هذه الحرب، ولأن إيران تعلم ذلك علم اليقين فإن إمكانية أن تنجو إسرائيل من هذه الحرب هي مسألة مستحيلة في الواقع.
قد لا يكون الدمار الذي يمكن أن يلحق بإسرائيل بمستوى ودرجة الدمار الذي سيلحق بإيران وسورية ولبنان وبعض بلدان الخليج، لكن هذا الدمار يمكن أن يكون في نتائجه ومردوده وردود الأفعال السياسية والاجتماعية والاقتصادية عليه في إسرائيل أخطر وأكبر من القدرة على الاحتمال.
مسألة القدرة على التحمُّل هي جزء وعنصر عضوي من حسابات ميزان القوى، وهي نقطة ضعف وقوة لدى كل أطراف معادلة الحرب، لكنها نقطة ضعف حاسمة بالنسبة لإسرائيل.
لكل هذه الأسباب فالحرب ليست خياراً لأميركا وإسرائيل، وليست لإيران بكل تأكيد، وليست مرغوبة من أقطار الخليج العربي، لكن الانزلاق إليها يبقى قائماً طالما أن الولايات المتحدة تفتقد إلى إدارة عاقلة، وطالما أن اليمين في إسرائيل يطبل ويزمّر لكل أنواع الحروب وطالما التعصب والتطرف عنوان مرحلة ترامب وطواقمه ومستشاريه.
المشروع الفارسي هو مشروع برجماتي، وهو مستعد لإدارة الأزمة مع الولايات المتحدة دون سقف الحرب، والكلام السياسي للفريق السياسي في إيران ليس ضمانةً لعدم خضوع كل الأمور عند درجة معينة للمتشددين العسكريين فيها.
هناك من يرى أن العقلاء لو عرفوا بنتائج الحروب لما أقدموا عليها، ولكن هناك من يرى أن الحمقى والعنصريين والمتزمتين يسارعون إليها دون أن يكترثوا بنتائجها.
المشكلة أن العقلاء في أطراف المعادلة القائمة ـ معادلة الحرب على إيران ـ هم أصحاب وجهة نظر وجيهة أمّا الحمقى والمتطرفون فهم أصحاب القرار الحقيقيون.
ليس بمقدور إسرائيل أن تخوض هذه الحرب دون الولايات المتحدة وليس بمقدور أميركا أن تضمن نتائج حاسمة وسريعة من حرب كهذه.
لذلك، الحرب إن وقعت ستكون تدميرية، وكبيرة ولا أحد يمكن أن ينتصر بها قبل أن يسجل على نفسه هزيمة بثمن أخطر من مكاسب الحرب.
النتيجة المرجّحة في هذه الحالة هو أن ترامب يريد أن يدخل في مفاوضات مع إيران من موقع التهديد بها.