عمر حلمي الغول - النجاح الإخباري - التحفة الفنية والتاريخية والدينية، كاتدرائية نوتردام تتعرض لهجوم حريق مجنون، عصف بالتاريخ والفن وأحد أعمدة باريس العاصمة الفرنسية السياحية. كانت الكاتدرائية الأهم، والأجمل بعد الفاتيكان على موعد مع لعنة النار الأبدية في الساعة السادسة وخمسين دقيقة بتوقيت فرنسا، التي استمرت موجاتها المتوحشة، والمنفلتة بعوامل مختلفة تلتهم عظمة وإبداع الإنسان الفرنسي، فنالت من السقف والبرج الرئيسي، ولم تهدأ إلآ بعد ثماني ساعات طوال ضاربة عرض الحائط بالتاريخ والجمال والدين على حد سواء. 
عشية "الجمعة العظيمة" وفي "أسبوع الآلام"، وهما مناسبتان مهمتان لأتباع الديانة المسيحية عموما، تغدر النيران بالكنيسة البديعة، التي تم البناء فيها عام 1160، وتقريبا تم الانتهاء منه بعد مئة عام في 1260، وايضا بأبناء الشعب الفرنسي وزوار الكنيسة من السواح الأجانب، وتحرق قلوب العالم أجمع، ليس لأنها مكانا مقدسا فقط، بل لأنها من اهم معالم الفن المعماري القوطي، وكونها تحتل مكانة رفيعة في حقل السياحة بعد برج إيفل، وبعض الخبراء، يقول، إنها تسبق البرج من حيث الأهمية السياحية. 
ثمانية قرون ونصف تقريبا على بناء الكاتدرائية التاريخية، تمكنت فيها من تجاوز المحن، والحروب؛ وإشكاليات عصر النهضة وتحديدا في العام 1548 ذروة الإصلاح الديني، التي نتج عنها أعمال شغب دمرت العديد من التماثيل، التي نفذها البروتستانت، التي اعتبروها وثنية؛ وتداعيات كومونة باريس 1871، التي ألقت بثقلها على الكنيسة من الثوار وغيرهم، الذين نهبوا العديد من كنوزها، وحطموا وقطعوا رؤوس 28 تمثالا، اعتقادا منهم، انها تعود لملوك فرنسا السابقين؛ وحتى نجت الكنيسة الرائعة من خطر التدمير الكامل زمن نابليون في 1804، لكن حفل تتويج الإمبراطور تم في رحابها، وترأس الحفل البابا بيوس السابع، ما أعاد لها الاعتبار؛ والحربين العالميتين الأولى 1914/1918، والثانية 1939 / 1945، وغيرها من الأحداث التاريخية. ومع ذلك لم تتعرض يوما الكاتدرائية الإنجاز الإبداعي لفن العمارة القوطي لأي حريق خلال الـ 850 عاما الماضية. 
قمة فن العمارة القوطي وضع في بناء كاتدرائية نوتردام "سيدة باريس"، التي تعتبر من اهم المعالم السياحية الفرنسية، حظيت، وتحظى بمكانة هامة من الرعاية والحماية من منظمة التربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو) التابعة للأمم المتحدة. وهي محط إعجاب وتقدير كل من زار فرنسا، حيث يتوافد عليها حوالي إثني عشر مليونا سنويا من السواح، لما تتمتع به من جمالية الخلق والتصميم والبناء. وخضعت الكاتدرائية على مدار خمسة قرون بعد بنائها لعمليات تجديد وتطوير بشكل مستمر.
كما ان الروائي فيكتور هوغو منحها مكانة بديعة من الحضور الثقافي، عندما فتح ابواب جدرانها على مصاريعها لتصبح مسرحا بديعا لفصول روايته "أحدب نوتردام" 1831. ليس هذا فحسب، بل إن هوغو من خلال ما أشار له من ملاحظات في روايته عن الأضرار، التي لحقت بها، ساهم في تسليط الضوء على ضرورة القيام بجولة جديدة لترميم الكاتدرائية التحفة الفنية. 
حريق الكاتدرائية، وأيا كانت الأسباب طبيعية أو مفتعلة، فإنه حريق أشعل نيران الحزن والأسى والألم على صرح عظيم، وعلى تحفة معمارية نادرة أصاب العالم كله، وليس الفرنسيين فقط، لأن البشرية خسرت جراء الحريق الوحشي صرحا شامخا لبعض الوقت، وكاد يطوي حضورها عن الأرض لو قدر للنيران المشتعلة من مواصلة لعنتها، وكان يمكن أن تطال الأحياء المجاورة لها في الدائرة الرابعة من باريس، اي في الحي القديم، الذي يحتضن الأماكن الأثرية والتاريخية. لكن بجهود رجال الإطفاء تم التغلب على وحش النيران في الثالثة فجرا من صباح يوم الثلاثاء (16/ 4/2019). وهو ما يعطي الأمل لإعادة ترميم ما دمرته النيران الشيطانية، وبدأت الرئاسة والحكومة الفرنسية بجمع التبرعات لهذا الغرض لتعود الكاتدرائية لبهائها وعظمتها السابق، بل يمكن ان تكون أعظم مما سبق.
[email protected]

الحياة الجديدة