ماجد هديب - النجاح الإخباري - من منا لم  يدرك بعد أن الفلسطينيين وخاصة في قطاع غزة باتوا لا يعلمون أين المستقر بهم ،بعد أن أصبحوا كالقشة المحمولة في زوبعة من الغبار تطايرها الرياح  بكل اتجاه ،ومن منا لا يعلم أيضا أنه ما كان لإسرائيل أن تنجح في إطلاق رياح التغيير على الخارطة الجيوسياسية للفلسطينيين ،وفي المواقف المساندة لهم  أيضا دون مساندة ومساعدة من الفلسطينيين أنفسهم ،حيث أصبحت غزة اليوم ،ونتيجة لتلك المساعدة والمساندة عبارة عن سجن  كبير تخضع المقاومة في إدارته لما يصدر لها من قرارات  التنسيق العربي الاسرائيلي ،ليس للقضاء على آخر ما تبقى لنا من معالم وطن وهوية فقط ، وإنما لتغيير صورة الفلسطيني ،من بطل يقاوم الاحتلال إلى متسول على أعتاب هذا الاحتلال ،فهل من أحد، ورغم إدراك القوى والفصائل لهذه الحقائق ،ومعايشتها أيضا لتلك الأحداث امتلاك الجرأة على الكلام ؟.

لماذا لا نجرؤ على القول، بأن المقاومة التي نلتف حولها ،وكنا أيضا ندعو لتصاعدها أصبحت عبئا علينا ،وسببا فيما وصلنا إليه من تيه وضياع، وانسداد في الافق ،والانزلاق أيضا نحو المجهول ،هذا إذا ما كنا  نسعى حقا  إلى إعادة تصويب الأوضاع من أجل تصليب جبهتنا الداخلية وإعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية عربيا ودوليا ،حيث علينا أن نعترف هنا ،بان المقاومة التي مارستها حركة حماس  ،سواء كان ذلك بوعي من قياداتها، أو بدون وعي ،قد حققت لإسرائيل ما تطلعت إليه، وذلك منذ اليوم الاول الذي  اتجهت فيه نحو الصدام مع الاستراتيجيات والبرامج ،ثم الصدام المسلح والانقلاب الذي ساهم  بالقضاء على فكرة الدولة الوطنية التي لا إيمان لحركة حماس بها ،وهي نفس الدولة التي  أرادت إسرائيل  التخلص من الالتزام نحو تنفيذها.

ما نقوله هنا لم يعد تحليلا ،ولا هو بالقول الاعتباطي أيضا ،ولا حتى من باب إلقاء التهم الجزاف دون الاستناد إلى أدلة وقرائن ،بل إن هذا القول أصبح بمثابة الحقائق التي تجاوز وجودها على الارض كافة التحليلات ،وأكدت بهذا الوجود كل ما كان منسوبا لحركة حماس من تهم قبيل سيطرة قواتها على قطاع غزة، فهل الذهاب للمفاوضات الانسانية التي كان نتنياهو قد دعا  لانطلاقتها  منذ أن كان في المعارضة هو  استمرار لعمليات المقاومة التي ما زالت تتغنى بها حركة حماس؟، أم أن المقاومة نفسها ،ومن خلال قادتها أصبحت في سباق مع الزمن ،ليس من أجل تنفيذ كل المتطلبات الخاصة بآمن إسرائيل وحمايتها من أي اعتداء فقط ،وإنما المساهمة أيضا وبذريعة البحث عن الحلول الانسانية بتعزيز مشروع نتنياهو "السلام الاقتصادي " الذي عمل على التمهيد له  منذ لحظة توليه زمام السلطة في "إسرائيل".

لست مضطراً هنا للإجابة على تساؤل افتراضي قد يصدر عن بعض الذين ما زالوا في حالة  تغني بالصواريخ التي وصل أصحابها إلى مرحلة التبرؤ منها ،ولكنني ملزم هنا بدعوة أمثال هؤلاء لاستقراء التاريخ من أجل معرفة حجم الفوائد التي كانت تجنيها الحركة الصهيونية من ازهاقها المباشر وغير مباشر ايضا لأرواح اليهود ،لان استقراء ذلك التاريخ ،ولو بنظرة ميتافيزيقية ،وبعيدا عن الاستنباط والتحليل أيضا، يقودنا إلى حقيقة الحركة الصهيونية التي أغرقت قوارب الهجرة اليهودية وازهاق أرواح كل من فيها من أجل كسب الود والتعاطف مع اليهود لإلغاء كل ما جاء في الكتاب الابيض من قيود على هجرتهم إلى فلسطين وذلك قبيل إعلان دولتهم عليها ،فهل الأرواح التي أزهقتها "اسرائيل" عمدا ،وهي بالآلاف ،أقل قيمة  من الارواح التسعة التي ازهقتها صواريخ  المقاومة  ؟،وهل يذكر هذا العدد مقابل ما يجنيه نتنياهو لـ "دولة إسرائيل" من قوة ووجود  بذريعة اطلاق تلك الصواريخ؟.

ان تجاه حركة حماس نحو المفاوضات الانسانية بعد مسيرة طويلة من التضحية والفداء للشعب الفلسطيني من أجل استرداد كامل حقوقه وفي مقدمتها إقامة دولته المستقلة ،وبعد تسعة عشر عاما أيضا من إجبار الشعب على أن يعيش في ظروف أسوأ مما كانت عليه حياته في أعقاب النكبة بذريعة المقاومة لا يعد انتصاراً لإسرائيل على هذه المقاومة  فقط ،وإنما هو بمثابة انتصار "إسرائيل" ،وبمساعدة من حماس نفسها على الهوية والدولة من خلال ما كانت تطرحه حماس من شعارات ،وما كانت تمارسه أيضا من أفعال لم تساهم إلا بحماية "إسرائيل" وقيادتها من الحساب والمعاقبة.

علينا  جميعا أن لا نكتفي بالصمت على ما أقدمت عليه حركة حماس من تهدئة منفردة أو مفاوضات إنسانية ،وإنما بضرورة العمل على مطالبتها ودون خوف بتقديم الاعتذار على كل ما أقدمت عليه من أفعال وسياسات ساهمت بوعي منها ،أو دون وعي، في خدمة لإسرائيل ،فهل يمكن لقوى وفصائل العمل الوطني ،وكذلك مؤسسات المجتمع المدني مطالبة حركة حماس بهذا الاعتذار كمقدمة لتصليب جبهتنا الداخلية واعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية عربيا ودوليا ؟،أم أن لا قدرة لهؤلاء للمطالبة بذلك لوصولهم جميعا إلى مرحلة لا يجرؤ أحد فيها على الكلام؟.