محمّد علي طه - النجاح الإخباري - لا ينسى قارئ كتاب "البخلاء" أو فصول مختارة منه، الصّور السّاخرة المضحكة التي خلّدها الأديب الكبير الجاحظ في القصص والطّرائف والنّوادر التي جمعها عن هؤلاء النّاس من الفرس الذين يرون في البخل دربًا وفي الشّح نهجًا يفخرون ويتبارون فيه، وما زالت صورة معاذة العنبريّة التي ترى في البخل والتّقتير حسن التّدبير، وصورة جماعة المسجديّين الذين يتدارسون الشّح والتّقتير في مجالسهم عالقتين في ذهني على الرّغم من مرور نصف قرن على قراءتي لهذا الكتاب السّاخر النّادر.
يعتقد مؤرّخو الأدب العربيّ أنّ الجاحظ جمع طرائف ونوادر البخلاء ليكرّس صفة البخل القبيحة في الفرس ردًّا على الشّعوبيّين الذين طعنوا في حضارة العرب. ولم يكن الجاحظ الأديب السّاخر الوحيد الذي اقتحم عالم البخلاء وسخر منهم بملاحظاته الدّقيقة وروحه المرحة وقلمه الرّشيق بأسلوب ممتع فيه جدّ وهزل فقد سبقه الشّاعر الأمويّ الأخطل عندما هجا قوم جرير: 
قوم إذا استنبح الضّيفانَ كلبُهُمُ       قالوا لأمّهم: بولي على النّارِ
فتمنع البولَ شّحًّا أنّ تجود به        ولا تجود به إلا بمقدارِ
 وهناك عدد من الأدباء العالميّين الذين اشتهروا بالنّقد الأخلاقيّ والاجتماعيّ في أسلوب ضاحك ساخر مثل الفرنسيّ موليير الذي كتب مسرحيّات "البخيل" و "الطّبيب رغمًا عنه" و "طرطوف".
لا يقتصر البخل على شعب معيّن أو فئة من النّاس كما يحاول البعض أن يلصقه بالشّعبين الفارسيّ والرّومانيّ ففي كلّ شعب وفي كل قبيلة أو مجموعة أناس كريمون وأناس بخلاء.
يروي الإعلام الإسرائيليّ منذ سنوات عن بخل السّيّد نتنياهو وعائلته الصّغيرة فالرّئيس لا يملك حافظة نقود ولا دفتر شيكات ولا بطاقة اعتماد وهو يحبّ التّمتّع بالطّعام والمشروبات الرّوحيّة والسّيجار واللباس والمثل العربيّ يقول: "من كيس غيرك يا مذرّي ذرّي" (ذرِّ) وتجمع زوجته الزّجاجات والعلب الفارغة التي تستعملها العائلة وتبيعها على الرّغم من أن نتنياهو غنيّ يملك فيلا في قيسارية وشقّتين فاخرتين في القدس الغربيّة وخمسين مليون شيقل في البنك ويتقاضى 55 ألف شيقل راتبًا شهريًّا لا يصرف منه أغورة واحدة.
لن يدخل نتنياهو السّجن بسبب هدايا أصدقائه الأثرياء من سيجار فاخر وزجاجات شمبانيا وبذلات ثمينة وحليّ لزوجته وغير ذلك من الهدايا والعطايا التي يقدّرونها بمئات آلاف الدّولارات، لكنّ الرّجل كما يبدو تورّط نتيجة بخله عندما استأذن القضاء لأخذ مبلغ ماليّ كبير تبرّعًا من ابن عمّه الملياردير لتغطية أتعاب المحامين الذين يدافعون عنه في قضايا الرّشاوى المتّهم بها، وكان ابن عمّه قد تبرّع له من قبل بـ 300 ألف دولار وبذلات لم يصرّح عنها.
وتساءل الأعداء والخصوم: ما الذي دفع ابن العمّ لهذا الكرم؟
هناك قول عبريّ: لا وجبات دون ثمن".
وهنك قول عربيّ: ما في بلاش الا العمى والطراش!".

الحياة الجديدة