غسان زقطان - النجاح الإخباري - خلال الأيام القليلة الماضية ومع انطلاق مسيرات الاحتجاج التي دعا إليها "الحراك الشبابي" في مدن وبلدات ومخيمات غزة، المحافظات الجنوبية كما في التقسيم الإداري الذي يشي بالترابط، تبين بوضوح ما هو "انقلاب الإخوان المسلمين" الذي نفذ عبر هجوم مسلح وعمليات قتل واسعة في صيف 2007، وكيف يفكر القائمون عليه، وأي مفاهيم يحملونها في علاقتهم مع مجتمعهم وحاضنتهم الشعبية، والمعادلة التي تحكم رؤيتهم لمكونات الواقع الفلسطيني وتحالفاتهم مع بقية القوى الممثلة للمشهد السياسي.

لم يكن الأمر بحاجة لانتفاضة شعبية بهذا الحجم، ولكنها، الانتفاضة، التي جاءت من منطقة خارج الاستقطاب السياسي، ونائية بنفسها بعفوية عميقة عن صراع الفصيلين الكبيرين، فتح وحماس، وتراشق الاتهامات، خارج بندي "المصالحة" و"الانقسام" بمطالبها النابعة من الحاجات المعيشية والغذاء والدواء والبطالة والأمان، والضرائب الغريبة التي تتفتق عنها مخيلة شيوخ حماس كل يوم وتتحول إلى يد سارقة تتسلل إلى جيوب الآباء شبه الفارغة لتأخذ ما تبقى، وهو قليل، لخبز الأولاد وكراريسهم، وتراكم الإحساس بالقهر وشيء كثير من اليأس، أزاحت الانتفاضة آخر طبقة من "الحيلة" التي جرى استخدامها وإعادة إنتاجها، ثم استخدامها من جديد في متوالية متوحشة، حتى تفككت ولم يعد بالإمكان تجميعها، أقصد "المقاومة"، تحديداً نسخة "الإخوان المسلمين" من "المقاومة".
أخرجت مليشيات حماس معداتها كاملة في مواجهة المحتجين السلميين، اقتحمت البيوت وكسرت أبوابها، طاردت الشبان في الشوارع والأزقة، كسرت عظامهم، في إعادة لأفكار اسحق رابين في الانتفاضة الكبرى ضد الاحتلال، اقتادت العشرات إلى المعتقلات وفرضت الإقامة الجبرية على عشرات آخرين، اعتقلت العاملين في منظمات حقوق الإنسان والصحافيين وحطمت كاميراتهم في الشارع وفي مكاتبهم، واعتقلت الطلبة داخل جامعتهم...، كان هناك عدد كبير من المقنعين المسلحين والمدنيين المسلحين والحواجز وحصار الأحياء...
كل ما يمكن أن يخطر على بال سلطة خائفة ومذهولة، كل ما يمكن أن تجود به مخيلة الخوف أمام غضب الناس وكراهيتهم، استخدمته حماس في وقت قياسي، وأظهرت جاهزية مبنية على كراهية الناس والشك في نواياهم.
هذا هو بالضبط انقلاب الإخوان المسلمين في غزة، السيطرة على الحكم والتصرف بمقدرات الناس، الشراكة الممكنة التي يمكن الحديث عنها تتجلى في التصنيف "الشرعي" القائم على "حاكم مطلق" و"محكوم خاضع"، أي خروج عن هذه التراتبية، وهذا يشمل الفصائل والأحزاب والقوى، هو خارج عن "شرعية" الحاكم.
"الخطأ الفني" الذي أطلق صاروخين نحو تل أبيب و"الغضب المتكلّف" لـ "نتنياهو" لم ينجح في إعادة الناس إلى بيوتهم، أموال "العمادي" وصلت مثل فضيحة...، يصعب استعادة الصورة من جديد، المسمار الذي ثبتها على الحائط يتخلخل بقوة، حتى فكرة "الحرب الصغيرة" لم تعد واردة، لذا على الناس أن يصمتوا مهما كان الثمن، وهو بالضبط ما تفعله حماس الآن.
كان القناع هشّا تماما، هذا ما اكتشفه الناس بعد أن اتضح أن "الامبراطور العاري" هو "امبراطور عار"، لا أكثر.
كل حركة احتجاج صغيرة في غزة هي يد تشير إلى عري الامبراطور الفاضح.

الأيام