سامر سلامة - النجاح الإخباري - أصدر البنك الدولي تقريره الدوري السنوي عن العام 2018 والذي يغطي كافة الأنشطة التي يقوم بها البنك في العالم. إذ وضع البنك هدفين رئيسيين يسعى لتحقيقهما وهما أولا إنهاء الفقر المدقع بحلول عام 2030 من خلال تخفيض نسبة سكان العالم الذين يعيشون على أقل من 1.9 دولار في اليوم، وثانياً تعزيز الرخاء المشترك برفع مستوى الدخل لنسبة الأربعين في المئة الأشد فقراً من السكان في كل بلد. ويقوم البنك بإجراء سلسلة من الدراسات التي يتم من خلالها تقييم فعالية أنشطته وأعماله نحو تحقيق الأهداف التي يسعى لتحقيقها. وبذلك فإن البنك يقوم بنشر عدد من المؤشرات عن جميع المناطق في العالم التي تتسم بصفات متشابهة والمرتبطة بعضها ببعض جغرافيا مثل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (المعروفة بالمنطقة العربية) وقارة أفريقيا ومنطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ ومنطقة أوروبا وآسيا الوسطى ومنطقة أميركا اللاتينية والبحر الكاريبي وأخيرا منطقة جنوب آسيا. وبعد الاطلاع على التقرير فإنه من الملفت أن المؤشرات الخاصة بالمنطقة العربية محبطة بعض الشيء بالمقارنة مع باقي المناطق في العالم، الأمر الذي دفعني للكتابة عن هذه المؤشرات وليس عن التقرير نفسه. فالمؤشرات الخاصة بالمنطقة العربية بما فيها فلسطين تتطلب أولا مزيدا من البحث والتعمق في دراستها وتحليلها لعل وعسى أن نحدد المشكلة أولاً ومن ثم نضع الحلول الخلاقة التي تساعدنا على دفع عجلة التنمية في المنطقة العربية، وبالتالي تحقيق الأهداف المرجوة والمتمثلة بالقضاء على الفقر وتعزيز الرخاء المشترك.
فالمؤشرات التي يغطيها التقرير تشمل إجمالي عدد السكان والنمو السكاني ونصيب الفرد من إجمالي الدخل القومي ومعدل نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي وعدد من يعيشون على أقل من 1.9 دولار في اليوم، ومعدل الإلمام بالقراءة والكتابة بين الشابات والشباب وغيرها من المؤشرات. كذلك يغطي التقرير مؤشرات متابعة أهداف التنمية المستدامة مثل هدف القضاء على الفقر المدقع وهدف زيادة معدل إتمام مرحلة التعليم الابتدائي، وهدف زيادة نسبة مشاركة النساء إلى الرجال في سوق العمل، وهدف توسيع الحصول على الخدمات الأساسية من إمداد المياه والكهرباء والصرف الصحي واستهلاك الطاقة المتجددة واستخدام الإنترنت، وغيرها من الأهداف. 
فبعد الاطلاع على نتائج أداء المنطقة العربية فيما يتعلق بالمؤشرات آنفة الذكر نلاحظ أن هناك تحسناً في الأداء بالرغم من الظروف السياسية والأمنية التي تمر بها المنطقة العربية (بحسب التقرير)، إلا أنه بإجراء مقارنة النتائج التي حققتها المنطقة العربية بالمناطق الأخرى في العالم فإننا نلاحظ أن المنطقة العربية لم تحقق الكثير وإن مؤشراتها تأتي في أدنى السلم بالمقارنة مع باقي المناطق ما عدا أفريقيا. وإذا استثنينا منطقة الخليج العربي فإن النتائج كارثية بالفعل. فهذا يستدعي من صانعي السياسات في المنطقة العربية التعمق في دراسة هذه المؤشرات، والعمل على إيجاد الحلول الخلاقة وخاصة أن المنطقة العربية تتمتع بموارد بشرية وطبيعية قادرة على تحقيق الرخاء والانتعاش لجميع السكان، إلا أن الواقع لا يزال قاتماً بالمقارنة مع المناطق الأخرى في العالم.
وبالتأكيد فإن ما يهمنا أكثر في هذا السياق هو تقييم واقعنا الفلسطيني من منطلق المؤشرات الآنفة الذكر ليس بالمقارنة مع باقي الدول في المنطقة العربية أو المناطق الأخرى وإنما من منطلق قدرتنا على البقاء وتعزيز صمودنا في مواجهة مخططات الاحتلال التي ترمي إلى إضعاف الإنسان الفلسطيني وتهجيره من أرضه ووطنه. فبالرغم من أن مؤشرات فلسطين تدخل في احتساب مؤشرات المنطقة العربية فإن عملية الاحتساب وتقييم أداء الاقتصاد الفلسطيني أو تقييم الخدمات التي تقدم في فلسطين مثل التعليم والصحة والوصول إلى مصادر الطاقة المختلفة والمياه والإنترنت يمكن أن لا تكون عادلة أو حتى لا يجوز مقارنتها مع باقي الدول. إن مقارنة مؤشرات فلسطين بالمؤشرات الأخرى دون التطرق أو الإشارة إلى الظروف الخاصة التي تعيشها فلسطين تعتبر مقارنة غير عادلة لا بل مجحفة بحق الفلسطينيين وما يقومون به في ظل استمرار الاحتلال والحصار وإعاقة حياة الناس بشكل يومي. ومع ذلك فإنه لا يمنع أن نقوم نحن الفلسطينيين من دراسة المؤشرات الصادرة عن البنك الدولي والتعمق في تحليلها نحو بناء اقتصاد مقاوم وتقديم خدمات تعليمية وصحية ذات جودة عالية.
وفي الختام فان المنطقة العربية بحاجة إلى مزيد من العمل المشترك وتطوير سياسات تنموية ذات قيمة وتمكين الشباب من لعب دور أكبر في صناعة القرارات التنموية، وتسهيل حركة الأفراد والبضائع بين الدول العربية وتبادل الخبرات واحترام العقول والخبرات وحماية براءات الاختراع والإنتاج الفكري، وعلى الصعيد الفلسطيني فإنني أعتقد أننا بحاجة إلى تقييم مرحلة أوسلو تقييماً موضوعياً بعيداً عن التخوين والتجريح وتسليط الضوء على نجاحاتنا وإخفاقاتنا بهدف رسم سياسات قادرة على تجاوز هذه المرحلة الصعبة، مع التأكيد على إعطاء الأولوية لتعزيز صمود أبناء الشعب الفلسطيني على أرضه وزيادة الاستثمار في المناطق المصنفة (ج) وتطوير الخدمات المقدمة للشعب الفلسطيني وتعزيز دور الشباب والنساء في اتخاذ القرارات السياسية والتنموية.  

عن الأيام الفلسطينية