نابلس - نبيل عمرو - النجاح الإخباري - هنالك أمر مشترك بين إدارة الرياضة وإدارة الحكم؛ ففي إدارة الرياضة يضحّى بالمدرب لإرضاء الجمهور المستاء من النتائج، وفي أمر السياسة والحكم يضحّى برئيس الوزراء بعد تحميله المسؤولية عن الإخفاق، ويروّج لبديله على أنه الأكثر تأهلاً للنجاح.


الاثنان؛ المُقال والمكلَّف، يقع عليهما ظلم فادح، فالمُقال ظُلم بتلبيسه كلَّ أسباب الفشل، مع معرفة الجميع أنَّ الأمر ليس كذلك، ويُظلَم المكلَّف بانتظار الناس نجاحات يحققها مع أنَّه لا حيلة له فيها.


الفلسطينيون ليسوا استثناءً من هذه القاعدة التي تعتمدها معظم؛ إنْ لم أقل جميع، النظم السياسية في العالم، وبفعل ذلك شاع مصطلح «كبش الفداء»، إلا إنَّ الفلسطينيين يعيشون استثناءً صارخاً في أمر آخر، وهو طبيعة أزماتهم الأساسية التي لا حل لها؛ لا بعبقرية رئيس وزراء موهوب، ولا بقرارات إدارية ومالية.


ولو دققنا في مسيرة ودروس الحكومات الفلسطينية التي بلغ تعدادها ثماني عشرة، فلن يكون صعباً علينا اكتشاف سر النجاح والفشل؛ فالمسؤول الأساسي عن ذلك هو الحاضنة السياسية لأي حكومة فلسطينية، وكذلك بداهةً مدى وحجم تبني دعم العالم لها، وحين يتراجع الزخم السياسي ويتواضع الدعم المالي إلى أدنى مستوياته، فلا أمل في النجاح مهما بلغت مواهب من يسنَد إليه منصب رئيس الوزراء.


لسوء حظ الدكتور محمد أشتية أنه كُلف بالمهمة الصعبة في ظرف تبدو فيه المشكلات السياسية والاقتصادية والمالية بلا حل، هذا إذا ما نظرنا إلى الأمور من خلال ما هو قائم الآن، غير أن هذا «القائم الآن» ينبئ من خلال كثير من المقدمات، بأن هنالك اشتراطات سياسية أميركية ستربط الدعم المالي أو وقف الحصار بقرارات يراها الأميركيون ضرورية لمرور «صفقة القرن»، وبعد التسريبات التي عرفت والإجراءات التي اتخذت، يبدو جلياً؛ بل ومؤكداً، أن الفلسطينيين لن يلبوا رغبة ترمب الملحّة في التعاون أو التواطؤ لتنفيذ صفقته.


في هذا المناخ السياسي الملبد بالغيوم السوداء والاحتمالات السلبية، أقيل رامي الحمد الله، وسبقته لائحة اتهام لها أول وليس لها آخر. أصحاب القرار والتأثير في «فتح» نضجت في أذهانهم فكرة أن الحمد الله يحتل على مدى 5 سنوات موقعاً هو لهم بالميراث، وفوق ذلك هنالك تهمة أخرى هي أن الرجل الأكاديمي بالغ في إظهار سعيه لخلافة عباس، ويسوّق الفتحاويون المتحمسون لإنهاء دوره أمثلة لا أستطيع الجزم بصدقيتها؛ منها مثلاً أنه أسس ميليشيا مسلحة لهذا الغرض، ومنها كذلك أنه أوعز بتأليف أغنيات للتبشير به على أنه مُخلّص. وأمور كهذه، ونظراً لهشاشة الوضع السلطوي الفلسطيني، تكفي؛ بل والأقل منها، لإبعاد الرجل كما حدث مع سلام فياض.


لقد غادر الحمد الله بعد أن ترك وراءه أزمة مالية تطلبت فرض تقشف خانق على خليفته، وترك وراءه مؤشرات مرعبة على أن الانقسام يمضي حثيثاً للتحول إلى انفصال، وإذا كان الحمد الله غير مسؤول عن الأزمات الأكبر منه؛ بل والأكبر من السلطة، فإن خليفته سيكون مسؤولاً، ومعه حركة «فتح»، عن إخراج الجميع من المأزق، وقد يكون هذا الظلم الأفدح الذي سينتجه الرهان على رئيس الوزراء الجديد، فما هو منتظر منه؛ بحكم استفحال الأزمات وعجز من سبقوه عن إخراجنا منها، يبدو كثيراً وثقيلاً... فهل يستطيع؟