كريس براينت - النجاح الإخباري - كانت ساعات من القلق القاتل بالنسبة لشركة «بوينغ»، وساعات من المأساة بالنسبة لأسر الركاب الـ157. وبالتأكيد، يأتي ثاني تحطم لطائرة من طراز «737 ماكس» في غضون خمسة أشهر فقط ليثير تساؤلات حتمية إزاء مدى سلامة الطائرات التي تنتجها الشركة الأميركية الكبرى، حتى وإن كان ما يزال من غير المعروف حتى هذه اللحظة سبب وقوع الحادث. من جانبها، يجب أن تستجيب الشركة لهذه التساؤلات بكامل الشفافية، ونأمل في ألا يكون هناك ما كان بمقدورها فعله لتجنب وقوع هذه الكارثة التي واجهتها إثيوبيا، الأحد.
وحتى هذه اللحظة، لا نعلم ما إذا كان ما حدث للطائرة التابعة لشركة الخطوط الجوية الإثيوبية هو ذاته ما تسبب في إسقاط طائرة شركة «ليون إير» في أكتوبر (تشرين الأول). والمؤكد أن التسرع في إصدار أحكام لا يفيد أي طرف من الأطراف المعنية، بما في ذلك الأشخاص الذين فقدوا أرواحهم ومن فقدوا أحباءهم في الحادث.
بيد أنه ظاهرياً، ثمة تشابهات بين الحادثين؛ فكلتا الطائرتين جديدة تماماً تقريباً، وواجهت الطائرتان مشكلات في أعقاب الإقلاع بفترة وجيزة، وصدر لهما أمر بالعودة إلى المطار، لكن تظل المعلومات التفصيلية ذات أهمية محورية في هذا الصدد.
في أعقاب تحطم طائرة «ليون إير» في إندونيسيا، تكشفت معلومات حول أن طائرة «737 ماكس» تتضمن برنامجاً يدفع مقدمة الطائرة دفعاً باتجاه الأسفل في ظل ظروف معينة للحيلولة دون توقفها. ولم يكن بعض الطيارين على علم بهذه التفاصيل المتعلقة بنظام الأمان، وشعروا بأنه كان ينبغي إبلاغهم بهذا الأمر. وذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» أن الشركة المصنعة رغبت في الإبقاء على التدريب الإضافي للطيارين عند الحد الأدنى (يذكر أن «737 ماكس» تنافس «إس إي 230 نيو» من إنتاج «إير باص»).
إلا أن شركة «بوينغ» من جانبها أصرت على أن جميع الطيارين على علم بكيفية التغلب على الأنظمة الأوتوماتيكية في الطائرة. وفي ضوء كارثة طائرة «ليون إير»، سيكون من المثير للدهشة إذا اتضح أن الطيار التابع لشركة الخطوط الجوية الإثيوبية لم يكن على علم بهذا الإجراء. وعليه، ربما تكون الأسباب وراء هذين الحادثين مختلفة تماماً.
ومع هذا، فإنه حتى تتضح ظروف وملابسات الكارثة الأخيرة، من الطبيعي أن بعض الركاب سيشعرون بالقلق إزاء التنقل باستخدام هذه الطائرة على وجه التحديد. في الوقت ذاته، فإن الشركات المالكة لهذا الطراز من الطائرات، وبينها «ساوث ويست إيرلاينز كو» و«أميركان إيرلاينز غروب»، تراقب التحقيقات الجارية في أسباب الحادث عن قرب. وبالتأكيد سيزيد الشعور بالإلحاحية بالنظر إلى تحطم طائرتين من نموذج جديد في غضون مثل هذه الفترة القصيرة.
وبالنظر إلى قرار كل من شركتي الخطوط الجوية الصينية والإثيوبية بوقف الاعتماد على طائرات «بوينغ 737 ماكس» بعد حادث التحطم الأخير، فإن ثمة تساؤلات حتمية تظهر حول ما إذا كان هذا القرار سيمتد إلى الساحة العالمية. والمؤكد أن مثل هذا القرار سيأتي بمثابة ضربة موجعة لسمعة «بوينغ» التي سلمت بالفعل أكثر عن 250 طائرة من طراز «ماكس» العام الماضي، وتعمل اليوم على زيادة الإنتاج لتلبية أكثر من 5 آلاف طلب شراء. في الواقع، لقد بيع إنتاج طائرات «ماكس» بالكامل حتى عام 2023.
ويعتبر نجاح مبيعات هذا الطراز أحد الأسباب وراء ارتفاع قيمة أسهم «بوينغ» لتقترب من مستوى قياسي، ويتوقع محللون أن تحصل الشركة على نحو 15 مليار دولار من النقد هذا العام.
إلا أن كل هذا يبقى ثانوياً مقارنة بالكارثة التي وقعت الأحد. وحتى الآن، يعود الفضل إلى «بوينغ» و«إير باص» وشركات الخطوط الجوية وراء أن الركاب يصعدون إلى متن طائرة تجارية وهم يعلمون أن سقوط الطائرة أمر غير محتمل بدرجة كبيرة. ورغم أن هذا الوضع ما يزال قائماً، فإنه وجود ولو ظل باهتاً من الشكوك حول طراز طائرة يحقق مبيعات كبرى يعد بمثابة تطور صادم. ويحتاج الركاب وشركات الطيران لإجابات ـ وبسرعة.
نقلا عن «بلومبرغ»