عبد المجيد سويلم - النجاح الإخباري - من يراقب ويتتبع حمّى الاصطفافات والانزياحات الحزبية في إسرائيل لا يحتاج إلى جهد خاص ليخرج باستنتاجات رئيسية.
• لا أحد مستعداً (باستثناءات قليلة) لمراجعة جدوى الهروب الإسرائيلي إلى الأمام، والتهرّب من الإجابة عن سؤال الأسئلة في الواقع الإسرائيلي، ألا وهو سؤال الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، وكيف أن عدم تلبية هذه الحقوق هو التهديد الفعلي الكبير على استقرارها وربما وجودها أيضاً.
• ومن هذه الزاوية بالذات يبدو أن إسرائيل تعيش حالة من الانفصام التام بين ما هو قائم في مواجهتها وبين ما هو متخيّل من تهديده لها.
• المتخيل هو الخطر الرئيسي، وأما القائم أمامها وبين ظهرانيها فهو ليس سوى مسألة ثانوية سيتم «حسمها» لصالح إسرائيل في إطار خطة متدحرجة على مدى عقد واحد قادم على الأكثر.
• لا أحد في إسرائيل (باستثناءات قليلة) يدرك عن وعي ومعرفة خطر تأييد اليمين الأميركي المتصهين لإسرائيل بصورة تفوق الخيال، وكيف أن تبني هذا اليمين للسياسة الإسرائيلية هو خطر على الشعب الإسرائيلي أكثر مما هو دعم ومساندة له.
ولا أحد في إسرائيل (باستثناءات قليلة للغاية) مستعد لمجاهرة الشعب الإسرائيلي بهذا الخطر، وكيف أن التماهي التام بين سياسة إسرائيل التوسعية والعدوانية والعنصرية مع القوى الأكثر عنصرية ورجعية في هذا العالم إنما تحوّل الشعب الإسرائيلي في الواقع إلى كبش فداء، إن لم يكن اليوم فإنه سيتحول إلى هذه الحالة مستقبلاً وبصورة حتمية.
وبالتالي ومن هذه الزاوية فإن الشعب الإسرائيلي كما تبدو عليه الأمور في حُمّى هذه الانتخابات والاصطفافات المرافقة لها، يتعرض لعملية خداع كبرى لا تقلّ عن الخدائع التي تعرضت لها شعوب أخرى في ألمانيا وايطاليا واليابان وغيرها وغيرها.
الفارق الوحيد (ولكن الأهم والأخطر) بين الخديعة الإسرائيلية هو أن مقاومة هذا التزوير والتشويه للوعي الجمعي في إسرائيل تبدو معدومة أو ما شابه، في حين أن ما تعرضت له تلك الشعوب الأخرى قد ترافق أيضاً بحركات سياسية مقاومة وقفت واستبسلت لدرء أخطار العنصرية والفاشية عن مجتمعاتها.
• يبدو أن الشعب الإسرائيلي (استسلم) أمام هذا (الواقع المتخيّل) وأصبح «مقتنعاً» بعدم أهمية المسألة الفلسطينية في الواقع الإسرائيلي، بحيث أن البحبوحة الاقتصادية التي يعيش فيها، والثمن البخس الذي يدفعه المجتمع والاحتلال جراء السيطرة على الأرض الفلسطينية، وجراء سلبها ومصادرتها واستيطانها أعمته عن رؤية الوهم الذي يعيشه. تحولت مقاومة الاستيطان من جانب المجتمع الاسرائيلي إلى حركة «توثيق ثانوية»، وتحولت قوى السلام إلى موضوع من مواضيع التراث والماضي، وتحولت مقولة الدولة الفلسطينية في الوعي الإسرائيلي إلى شعار أكل الدهر عليه وشرب.
 • انحاز الشعب الإسرائيلي (من زاوية الوعي) وانتقل من دائرة الشك والاستنكار واللامبالاة للاستيطان إلى دائرة «التقبل والمساندة والتفهم»، وأصبح الاستيطان وتحوّل فعلاً في الوعي الجمعي الإسرائيلي إلى الوسيلة الأضمن لقضم الأرض الفلسطينية، وتحويل الصراع في هذه الأرض وعليها إلى صراع عرقي، أهلي، بين مجموعات قومية وإثنية تتنازع عليها، وبحيث إذا ما جرى في المستقبل تدخل كبير من العالم في هيئة المجتمع الدولي، ومن مؤسسات القانون الدولي، ومن ضغوط معيّنة من بلدان الإقليم (إذا ما وجدت هذه البلدان نفسها مجبرة لممارسته) فإن فك الاشتباك بين هذه المجموعات سيفضي إلى تحويل الفلسطينيين إلى معازل سكانية كثيفة السكان ومحاطة بالمستوطنات والاسلاك الشائكة والحواجز والمعسكرات الاحتلالية. وبهذه الطريقة فإن إسرائيل في الوعي الجمعي لها لا ترى الأمور أكثر من ذلك وليس هناك من أخطار تنتظرها أبعد من ذلك.
 • يشجع الواقع الفلسطيني والعربي الخديعة الإسرائيلية إلى أبعد  الحدود، ويشكل ويحول بؤس هذا الواقع هذه الخديعة إلى وعي مزيف هادئ ومطمئن وراكد.
الصراع الفلسطيني الداخلي، والمنافسة والتزاحم الشديد على سلطات مؤقتة ومهددة بالتلاشي مع تقدم المشروع الإسرائيلي، وتحول هذا الصراع من صراع على برنامجين، واحد وطني تمثله المنظمة وآخر إسلاموي مرهون ومرتهن لإرادات خارجية إلى صراع وتزاحم على النفوذ زيّن للمجتمع الإسرائيلي الصورة وأبعد قواه السياسية عن أية مراجعة جادة لجدوى الاحتلال وأخطاره.
ودون أن يتحرر المشروع الإسلاموي في فلسطين من أوهامه في القدرة على الهيمنة والتفرد والتحكم بمستقبل الشعب الفلسطيني، ودون أن يتحرر المشروع الوطني الفلسطيني من أوهامه حول إمكانية البقاء والاستمرار دون أن ينخرط في عملية مجابهة شاملة مع الاحتلال بأدوات كفاحية ديمقراطية ومؤسسات عمل وطني قائمة على أساس خدمة الأهداف الوطنية بصورة مباشرة ومرتبطة بها، فإن الوهم الإسرائيلي مرشح فقط للتعمق والذهاب أبعد فأبعد في خديعته الماكرة.
حُمّى الانتخابات في إسرائيل تكشف عن عوراتنا وعن عجز العالم العربي بصورة لا تقل عن عجزه في عصور الظلام والانحطاط إن لم تكن أكثر.
يجب ألا ينتظر أحد الخروج من حالتنا بمعزل عن تحولات لا بد ان تحدث في المجتمع الإسرائيلي على مستوى الوعي وعلى مستوى الفعل والممارسة. ولا يجب على أحد أن ينتظر أن تجري تلك التحولات في إسرائيل دون أن يتوحّد الشعب الفلسطيني ودون أن تتوحد رؤيته وتتجمع قواه، وأدواته وتحول الصراع مع الاحتلال إلى كلفة حقيقية ثقيلة يحس بها ابن الشارع الإسرائيلي كل يوم، وكل ساعة، ودون أن يدرك أنه بدأ يدفع الثمن جراء هذا الوعي المزيف، وهذا الوهم الخادع.
ولا يجب على أحد أن ينتظر أبداً نهوض الحالة العربية المؤازرة لفلسطين دون نهوض الحالة الفلسطينية نفسها.
عندها وعندها فقط يتضافر العامل الدولي والإقليمي والوطني الفلسطيني، ويتنامى الوعي الإسرائيلي الجديد نحو البحث عن الحل القائم على درجة معينة من العدالة والتوازن وبعض الإنصاف.
ولهذا بالذات يبدو أمر المصالحة مستعصياً وإنهاء الانقسام صعباً لأن الصراع بين البرنامجين ضبابي.
فمن الجانب الوطني هناك مثابرة جادة في العمل السياسي والدبلوماسي، ولكن هناك تعثرا كبيرا في بناء نموذج ديمقراطي تشاركي فاعل، وهناك نواقص خطيرة في مؤسساتية المشاركة الوطنية الشاملة.
وفي الجانب الإسلاموي هناك مواجهة ومجابهة مع الاحتلال، ولكنها محكومة بالبحث عن المهادنة التامة والاكتفاء بإمارة معزولة على حساب الوطن وعلى حساب الحقوق الوطنية، ومرهون ومرتهن للخارج، وهو مشروع قائم على تديين السياسة وحشرها في المقدس.
ولن تُحل المشكلة أبداً قبل الاندماج التام في مشروع واحد وموحد، وقبل أن يتراجع كل مشروع منهما عن نواقصه الخطيرة في واقعه وأدائه ومراهناته. وحينها فقط سنرى في إسرائيل انتخابات أخرى، واصطفافات أخرى، وبرامج أخرى غير الذي نراه وغير الذي نتابعه هذه الأيام.

عن صحيفة الأيام الفلسطينية