نابلس - ماجد توبة - النجاح الإخباري - بعيدا عن انتشار الأخبار المزيفة والمفبركة وخطابات الكراهية عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وهي مشكلة باتت تؤرق المجتمعات والدول، فإن الأسوأ في تغلغل هذا العالم الافتراضي بتفاصيل حياتنا المعاصرة قد يكون الثقافة، ونقول ثقافة تجاوزا، التي يصنعها الانشغال حد الغرق بهذا العالم من قبل الكبار والصغار ومن مختلف الطبقات والمستويات الاجتماعية، مخلفا آثارا وتداعيات نفسية واجتماعية وثقافية سلبية يجهد الباحثون اليوم برصدها وتحليلها!


باتت اليوم أعداد واسعة من المجتمع، كما باقي المجتمعات حول العالم، غارقة حتى أذنيها بالعيش داخل العالم الافتراضي الذي توفره وسائل التواصل الاجتماعي وثورة الاتصالات والمعلومات الكاسحة، ويكاد يكون الإدمان على هذه التطبيقات المبهرة وبرامجها المشغولة وفق افضل برامج التسويق والترويج التجاري، عاما طاما في المجتمعات في ظل انتشار خدمات الانترنت والهواتف الذكية، في وقت يبدو الخطر أكبر وأكثر تأثيرا على الأطفال والصغار الذين ولدوا ووجدوا بهذا الكون وهو يعج بهذا التقدم التقني الكاسح.


التمعن فيما يحدث في هذا العالم الافتراضي وعبره يثير الأسى، حيث يتقدم الانشغال والغرق بهذا العالم لدى الناس على حساب تراجع وسائل التواصل المباشر والوجاهي بين البشر، وأيضا على حساب تراجع مصادر الثقافة والتنشئة التربوية التقليدية من كتاب وصحيفة ومجلة وسينما وندوات وحوارات وإبداعات فنية ورياضية، إذ يسود التسطيح و”الوجبات الخفيفة” في المعرفة والثقافة، ويتعمق الاستعراض والنفاق عبر مواقع التواصل، وتتعمق الفروقات الطبقية والوعي بها في ظل سيطرة العارضات و”ناشطات وناشطي” الماكياج والأزياء والسيارات والمطاعم والفنادق والإعلانات الترويجية!


رغم كل ما توفره الشبكة العنكبوتية وانتشار الإنترنت وسهولة الوصول إليه من قبل أعداد متزايدة من البشر، فلا يمكن القول أن ذلك وسّع من باب الاستفادة مما توفره من علم ومعلومات وثقافة لغالبية من يدخلون إلى هذه الشبكة، بعد ان سيطرت “ثقافة” التواصل الاجتماعي وإدمان متابعة الفيديوهات الخفيفة والغريبة او تلك المبهرة باستعراض القصور والمطاعم والفلل والسيارات والهدايا والأطعمة وغيرها.


لم يعد الكتاب، قصة او رواية او مبحثا علميا او ثقافيا، مصدرا للتثقف والاستمتاع والبحث عن الذات وتوسيع الآفاق، كما لم يعد الفيلم والسينما والفن والرياضة أساسيا بالحياة أمام تقدم وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقاتها، التي تنقلك للعالم الواسع وانت بغرفة نومك او على أريكتك تتناول الدسم وتترهل على مهل وتغرق بإدمانك وتعلقك المرضي بتطبيقات الهاتف الذكي وألعابه الغبية لكن المثيرة والقادرة على جرك الى مرحلة الإدمان.


دع عنك ما باتت تخلقه وسائل التواصل الاجتماعي بتوفيرها منصة لكل من هب ودب، من نشر لخطابات الكراهية والإقصاء والتحشد الغرائز ي أحيانا كثيرة، وما تبثه من أخبار مفبركة وملفقة، كل ذلك قصة أخرى.


نعم، لا يمكن ان يكون كل ما سبق مبررا لنسف وإنكار الإيجابيات الضخمة التي يوفرها هذا التقدم التقني والاتصالي الكبير، وما وفرته وسائل التواصل الاجتماعي من إمكانات ومساحات لجمع الرأي العام وتنظيمه وراء قضايا سياسية ومعيشية وحياتية ملحة، وما وفرته من قدرات كبيرة في التأثير على السياسات العامة ومصالح الناس، الا أن ذلك لا يخفي ولم يحد من الآثار السلبية التي باتت المجتمعات تجد نفسها فيها وتدفع ضريبتها، خاصة مع الأجيال الصغيرة والأطفال والمراهقين.