عمر حلمي الغول - النجاح الإخباري - بات من المؤكد اننا نعيش في زمن العجائب والمفارقات والغرائب. لم يعد هناك ما تستغربه، أو نتفاجأ به. كل الفرضيات ممكنة وواقعية، حتى بات الإنسان يتوقع حدوث تطورات، لم يكن ممكنا وقوعها قبل بضع سنوات قليلة، وإن حدثت، فإن الفاعل والمفعول به يغطيان فعلهما بستار كثيف من السرية والكتمان، ليس هذا فحسب، بل انهما يستخدما بيانات سياسية عدائية فيما بينهما، ليخفيا ما ارتكباه من فعل شائن ومرفوض. فمثلا بعض العرب، هم فعلا عرب بالجنسية والاسم والموقع والهوية، لكنهم على النقيض من العروبة ومصالحها وهمومها وقضاياها الوطنية والقومية، حتى لم يعد المواطن العربي يميزهم عن الصهاينة والأميركان اعداء العرب. وهناك العكس، شعوب وقيادات من قوميات لا تمت للعروبة بصلة، لكنهم يدافعون عن العرب وقضاياهم عموما وقضية فلسطين خصوصا بعناد وثبات يندر ان تجده عند بعض العرب الرسميين. 

ما تقدم عميق الصلة بالموقف، الذي أعلنه مهاتير محمد، رئيس وزراء ماليزيا الأسبوع الماضي (11 يناير 2019) برفض منح اللاعبين الإسرائيليين تأشيرة دخول لبلاده للمشاركة في منافسات بطولة العالم للسباحة البارالمبية، التي من المقرر ان تقام في ماليزيا في تموز/ يوليو القادم. ولتأكيد موقفه أعلن المناضل الشجاع مهاتير محمد، ان قرار الحكومة الماليزية لا رجعة عنه، وهو موقف ليس للمناورة، او للابتزاز للحصول على قرض، أو لقاء شراء سلاح من الولايات المتحدة، أو للمساومة على فضيحة ما، وقال بالفم الملآن: "إذا ارادت الجهات المنظمة للبطولة سحب حق الاستضافة من ماليزيا، فيمكنها فعل ذلك". ونفس الموقف أكده وزير الخارجية الماليزي، سيف الدين بن عبدالله. 

ومن تابع مواقف الرجل الماليزي المتميز بعبقريته وشجاعته، كان القى في سبتمبر الماضي (2018) في الدورة الـ 73 للأمم المتحدة كلمته، التي تركزت في معظمها على القضية الفلسطينية، ودافع عن الحقوق الوطنية، وعن السلام الممكن والعادل، كما لم ينطق به الغالبية من قادة العرب سوى ربان القضية ورئيسها محمود عباس وعدد لا يزيد عن اصابع اليد الواحدة منهم. 

الموقف الماليزي الذي يقوده الرجل الجسور مهاتير محمد، يعكس الشجاعة، والقوة وامتلاك الإرادة السياسية والديبلوماسية والاقتصادية. ومع ان بلاده ليست أغنى من بلاد العرب، غير انه وقف بشموخ وصلابة متحديا إسرائيل الاستعمارية ومن ورائها إدارة البلطجي ترامب الأميركية، ولم يهادن في الدفاع عن كلمة الحق، مع انه يعلم علم اليقين ليس عند الفلسطينيين ما يمنحونه اياه سوى تثمين مواقفه المتميزة.

والمفارقة العجيبة تتمثل في لوثة ودونية بعض الدول العربية، وانحدارها إلى مربع الجبن والرذيلة السياسية والتطبيع المجاني والمتناقض مع ابسط معايير الوطنية والقومية، ومع محددات مبادرة السلام العربية، ومع قرارات القمم العربية المتعاقبة، حيث قامت باستقبال القادة الأمنيين والوزراء الإسرائيليين الرسميين ومن اعلى المستويات سرا وعلانية بذريعة انهم يرغبون في الوساطة وتقريب المسافة بين الفلسطينيين والإسرائيليين!

واستقبلوا الرياضيين الإسرائيليين، ورفعوا علم إسرائيل الاستعمارية في بلدانهم، وعزفوا النشيد الإسرائيلي "هاتكفاه" العنصري، وجالوا بوزراء حكومة اليمين المتطرف في المدن والأماكن المهمة من بلدانهم، من اجل مداهنة إدارة ترامب المتوحشة والغبية، التي تشن حربا مفتوحة على المصالح والحقوق الوطنية الفلسطينية. وزاروا دولة الاستعمار الإسرائيلية مرات عدة، والتقوا بقادة إسرائيل وزعماء الإيباك اليهودي الصهيوني في اميركا مرات ومرات، وتعهدوا بتمرير صفقة القرن على حساب مصالح الشعب العربي الفلسطيني مقابل حماية رؤوسهم وكراسي حكمهم الكرتونية، وضمان تربع بعضهم على مركز القرار هنا او هناك. 

مهاتير محمد الماليزي وجه صفعة قوية لكل الزعماء (آسف على استخدام مفردة الزعامة) المتواطئين مع دولة إسرائيل المارقة والخارجة على القانون، الذين باعوا قضية العرب المركزية في سوق النخاسة الأميركية والإسرائيلية، ووضعهم في موقف محرج، هذا إن بقي للحياء من وجود في أجنداتهم الشخصية والرسمية. 

شكرا لرئيس الوزراء مهاتير محمد ولكل ماليزي دافع عن القضية الفلسطينية العربية، وشكرا لكل إنسان أممي مؤمن بخيار السلام والعدالة السياسية والاجتماعية وانتصر للقضية الأعدل في التاريخ المعاصر. وشكرا للعرب الأقحاح المناضلين من اجل الحرية والعدالة الاجتماعية، رواد المشروع القومي العربي النهضوي، وحملة راية القضايا العربية كلها وفي الطليعة منها القضية الفلسطينية.

[email protected]