اماني القرم - النجاح الإخباري - العلاقة بين الاقتصاد والسياسة أبدية طالما أن الإنسان بحاجاته وأطماعه محور هذا الكون. وحين تنبش في الأسباب المباشرة أو غير المباشرة لمعظم الحروب التي شنّها البشر، تجد في طياتها هدفاً ساعياً لمزيد من الثروة أو لتحقيق فوائد اقتصادية. وعن سؤال أيهما يؤثر بالآخر السياسة أم الاقتصاد، فالإجابة ستقودك بعد بحث عميق إلى جدلية لا نهائية تشبه من جاء قبل: البيضة أم الدجاجة !! لكن المحصلة المؤكدة تقول أنه لا يمكن فهم السياسة بمعزل عن الاقتصاد ..

مع كل أزمة دولية أو علاقة تعاونية في عالمنا المعقد، يبرز العامل الاقتصادي بوضوح شديد، والأمثلة على ذلك كثيرة ومتشعبة: لماذا لا تستطيع الولايات المتحدة البعد عن الشرق الأوسط وتحرص ـ كما تدعي ـ على استقراره رغم جميع النظريات التي تطالبها بالعودة إلى شواطئها؟ أليس البترودولار الخليجي ومصالح المجمع الصناعي العسكري الأمريكي وصفقات الأسلحة بالمليارات هي السبب؟ ألم يكن النفط الدافع الأساسي للحرب الأمريكية على العراق؟ أليس الفقر والبطالة هي السبب الرئيسي لثورات ما سمي بالربيع العربي؟ ألم تكن عقوبات إسرائيل على غزة اقتصادية في الأساس لخنقها وتطويعها، ألم تؤد الضائقة المالية لحماس ومثيلاتها إلى اتخاذ خيارات مختلفة عن مسارها التقليدي؟

يقولون إذا كانت لديك فكرة بمليون دولار ولديّ أخرى لا تساوي بنساً فالقرار لصاحب المليون وليس لصاحب الفكرة! تعد أمريكا صاحبة الاقتصاد الأقوى في العالم، لأنها تمتلك أعلى ناتج محلي بقيمة 19 تريليون دولار ولأنها أكبر سوق استهلاكي عالمي أيضاً، وهذا الموقع المتقدم أعطى الرئيس الأمريكي مساحات واسعة للمناورة والقدرة على شن حروب تجارية مع الصين وأوروبا، وفرض عقوبات اقتصادية على روسيا وتركيا ومؤخراً على إيران، ليس ذلك فحسب بل إجبار العالم بأسره على الخضوع لقراراته..

بدأ أول أمس تنفيذ العقوبات الاقتصادية الأمريكية على إيران في مجالين يعدان عصب الاقتصاد الإيراني المتهالك أصلاً: النفط والبنوك. واشنطن تريد أن تعصر طهران وتصل بها لمرحلة الصفر في تصدير النفط من أجل نفاد كافة الخيارات أمامها، وإجبارها قسراً على الدخول في مفاوضات لتغيير صيغة الاتفاق النووي. المفارقة أن هذا الاتفاق لم يأت إلا بعد تراكم ضغط حملة عقوبات دولية مالية ونفطية قادتها الإدارة الأمريكية السابقة على طهران منذ العام 2012 مما أدى إلى سقوط الاقتصاد الإيراني للهاوية إثر تراجع صادرات النفط إلى 40% وتهاوي العملة الإيرانية وارتفاع نسبة التضخم إلى 20%. والحق أن تأثير هذه العقوبات كان ناجعاً في حمل الدولة الإيرانية على الدخول في مفاوضات أنجزت الاتفاق السابق في تموز 2015.

ولكن دونالد ترامب الملياردير ليس باراك أوباما الأكاديمي صاحب النظريات السياسية الذي جعل على رأس أجندته عقد صفقة نووية مع إيران، متجاوزاً كل المعوقات في سبيل تحقيق هذا الهدف بما فيها المراهنة على سجله السياسي وعلاقاته مع حلفائه في المنطقة، إسرائيل والدول الخليجية العربية، فيما ترامب لا يؤمن إلا بالمال سيداً حين يتحدث فعلى السياسة الخضوع .. هل ستصمد إيران هذه المرة ؟؟

عن القدس الفلسطينية