عبد المجيد سويلم - النجاح الإخباري -  

أكثر من مرة كنا نقول: إنها الفرصة الأخيرة.
ولكن كنا نتراجع (أقصد كلنا) ونعطي أنفسنا فرصة أخرى حول الفرصة الأخيرة.
ما الفرق بين هذه الفرصة الأخيرة والفرص الأخيرة السابقة؟ وهل ستكون فرصة أخيرة أم أن الأمر هذه المرة قد وصل إلى الحدّ والدرجة التي لا تسمح بتكرار نفسها.
إذا فشلت «الوساطة» المصرية المرتقبة، وهذا الأمر بحد ذاته سيدخلنا في أزمة جديدة، فإن مصر ـ على ما يبدو ـ سترفع يدها عن كامل الملف ـ على الأقل في هذه المرحلة ـ وربما تبدأ الجهات المصرية المعنية بتسيير الأمور (من زاويتها العملية القائمة على الأرض)، دون أن تحمّل أحداً أي مسؤولية، ودون أن تتحمل هي بدورها مسؤولية خاصة حول الطرف أو الأطراف المعطّلة للمصالحة وإنهاء الانقسام.
وإذا ما سارت الأمور وفق هذه الرؤية والمنظور فإن النتيجة المحتمة في هذه الحالة ستكون تكريس الوقائع القائمة على الارض والتعامل معها وفق الآليات «الممكنة»،  ووفق القوى التي تؤمّن هذه الآليات.
باختصار، إذا فشلت الوساطة المرتقبة فإن الجهات الشرعية الفلسطينية الممثلة في الرئاسة والمنظمة والحكومة ستعتبر أن التعامل مع الوقائع كما هي قائمة تعني في الواقع «القبول» الضمني ببقاء حالة الانقسام، والقبول الضمني ببقاء قوة خارجة عن الشرعية، ومنافسة لها على وحدة وشرعية المؤسسة الفلسطينية في سدة التحكّم بجزء من الوطن وجزء من الشعب إلى أجل غير مسمّى.
وفي هذه الحالة لا مناص من أن يتم التعامل مع «المبادرات» القطرية، وربما من خلفها التركية وبمباركة إلى هذه الدرجة أو تلك من قبل الأمم المتحدة ووسطائها.
هنا تكون حركة حماس قد حققت كل ما تريد.
فهي تبقى في سدة التحكّم، ويمكن لها عبر «المبادرات» التي سنشهد منها المزيد والمزيد في الأسابيع القادمة أن تدّعي بأنها باتت على أبواب «فك الحصار»، وأنها «قادرة» على عقد هدنة مع إسرائيل بما يكرّس هذا الواقع.
وهنا، أيضاً، تصبح المصالحة وإنهاء الانقسام مسألة لا أهمية لها ولا جدوى من ورائها، هذا إذا لم نقل بأن المصالحة وإنهاء الانقسام في هذه الحالة يتحوّلان إلى معطّلات ومعيقات للنتيجة التي حاولنا أن نشرحها.
لا أتصوّر أبداً أن يتم الاتفاق والتوافق مع الشرعية الفلسطينية إذا كانت هذه النتيجة هي محصّلة الوساطة المصرية المرتقبة.
كما لا أتصوّر أبداً ومطلقاً أن تكون هذه النتيجة هي التي يعمل عليها الجانب المصري ويرغب في موافقة الشرعية الفلسطينية عليها.
ولهذا فإن الحل الوحيد الذي لا يُفشل الوساطة المصرية، والذي لا يكرّس هذه النتيجة هو أن يكون لدى مصر تصوّرات لحلول وسط تتضمن الوقائع التالية:
1 ـ إنهاء تحكّم حركة حماس بقطاع غزة من الناحية المدنية والإدارية وإبقاء درجة «معينة» من هذا التحكّم من الناحية الأمنية وبحيث يتم تحديد هذه الدرجة في المجالات المعينة، تماماً كما يتم تحديد الفترة المؤقّتة لهذا التحكّم وآليات إنهاء هذا التحكّم في مراحل زمنية مُجدولة.
2 ـ تأجيل البتّ بما بات يُعرف (بسلاح المقاومة) إلى ما بعد الانتخابات ويتم البت منذ الآن على الآلية التي سيتم من خلالها التعامل مع هذا البند في كل الظروف والأحوال.
3 ـ الاتفاق على جدولة محددة لعودة الموظفين (كل الموظفين) إلى عملهم وترتيب أمورهم المالية ضمن هذه الجدولة.
4 ـ تكفّ حماس يدها كاملةً عن الأمن الداخلي وتصبح خارج الصلة المباشرة بهذا الأمن، ويُعاد دمج الأمن الداخلي في القطاع في إطار الأجهزة الرسمية وفق اعتبارات مهنية وفنية ملزمة للجميع، بعد مرحلة انتقالية متوافق عليها.
5 ـ تحدد مواعيد جديدة متفق عليها لدورة قادمة للمجلس الوطني وتحدد كيفيات المشاركة في هذا المجلس ليصار إلى دخول كل من هو خارج منظمة التحرير الفلسطينية إلى المنظمة وفق نسب لكل الفصائل والمنظمات الشعبية والشخصيات الوطنية المستقلة وكافة المؤسسات المؤهلة والمرشحة للدخول فيها.
6 ـ تحديد آليات وحجوم المسؤولية المالية للسلطة وكذلك إعادة تنظيم الدعم للقطاع عبر آليات عمل السلطة الوطنية وتحديد وسائل رفض أية مبادرات من خارج الأطر الشرعية للحكومة.
7 ـ تحديد مواعيد جدية وممكنة وواقعية للانتخابات وإجراء التعديلات المطلوبة على هذه الحكومة بهدف الإشراف الكامل عليها في اطار المدة المحددة.
إذا تضمّنت الورقة (والوساطة) القادمة المرتقبة والقائمة الآن فإن هذه الحلول الوسط يمكن أن تكون المخرج من هذه الأزمة وهذا الاستعصاء.
بدون ذلك لا مجال لنجاح الوساطة المصرية لأنه لا مجال لإنهاء الانقسام.
وبدون إنهاء الانقسام لا مجال مطلقاً للعودة إلى متاهات المصالحات السابقة.
وبدون التوافق ومنذ الآن على الأسس التي يتم بموجبها دخول كل من هم خارج المنظمة إليها على الصعيد السياسي العام وعلى صعيد التسليم باستراتيجية المقاومة الشعبية وخوض المعركة السياسية والدبلوماسية ضد إسرائيل وكل من يدعم سياساتها، وبدون الاتفاق على أسس ثابتة ومستقرة للشراكة الوطنية فلن يكون هناك أي وحدة وطنية قادرة على التصدي للتحديات القائمة والأخطار المباشرة.
الشرعية الفلسطينية لن تقبل أبداً بانقسام مغطى، ولن تقبل بتزييف جديد لمسألة الوحدة والشراكة، والشرعية الفلسطينية مستعدة كما أتصور لكل بادرة وحدة تنهي الانقسام وتؤسس لشراكة وطنية جادة ومسؤولة، وبحيث يتم نزع الشرعية كاملاً عن أية محاولات للالتفاف على هذه الوحدة وهذه الشراكة.
المسؤولية كبيرة، لأن الفشل هذه المرة يعني أننا دخلنا إلى مرحلة ترسيم الانقسام وتدشين عهد الانفصال. ولهذا بالذات فإنها فعلاً وليس قولاً فقط الفرصة الأخيرة.


عن صحيفة الأيام