عبد المجيد سويلم - النجاح الإخباري - على مدى الأسابيع والأشهر الماضية، وبقدر ما كان الأمر يتعلق بالأخطار المحدقة بالقضية الوطنية، وبنقاط القوة والضعف في الحالة الوطنية، لم أتردد في اعتبار منظمة التحرير الفلسطينية مفتاح الحل وكلمة السرّ في هذه الحالة، فقد ثبت الآن ـ لمن كان يحتاج إلى هذا الإثبات ـ أن المنظمة والحرب على المنظمة بالذات هي الهدف والوسيلة التي من خلالها تتم هذه الحرب الهجومية على الشعب الفلسطيني في كل مكان وعلى مختلف الصعد والمستويات.
وبالتالي ثبت الآن أن المنظمة هي الملاذ الوطني وهي مفتاحنا ووسيلتنا نحن، أيضاً، في مواجهة هذه الحرب. 
وحتى لا تكون العودة إلى الماضي الذي تم خلاله تهميش المنظمة تكراراً واجتراراً لكل أصناف اللوم والعتب، دعونا نعيد قراءة هذا الماضي من زاوية شحذ الهمم لإعادة الاعتبار للمكانة والدور بعد أن توضّحت معالم الهجوم المعادي، وبعد أن أصبح هذا الهجوم يركز كل نيرانه على المنظمة بالذات.
في لحظات معينة انكشفت هشاشة الفكر السياسي الفلسطيني عندما لم تقدّر أهمية المنظمة، وعندما تحول الحديث عن إصلاح المنظمة «شرطاً» مسبقاً لبقاء دورها ومكانتها، أو لدخولها والاعتراف بها.
وكادت تنمحي الفوارق بين من يعترف بالمنظمة وبأهمية المنظمة، لكنه لا يعرف كيفية المحافظة على الدور والمكانة حتى ولو تعثّر الإصلاح، وبين من كانوا يحاولون استخدام هذا الاعتراف شكلياً للانقضاض على المنظمة والمزاحمة والتنافس على دورها ومكانتها وصولاً إلى إنهاء هذا الدور وهذه المكانة من زاوية حصرية التمثيل السياسي الوطني الشامل، ومن زاوية شرعية هذا التمثيل.
تماماً كما كادت تنمحي الفوارق بين السلطة والمنظمة لصالح السلطة وعلى حساب المنظمة في لحظات سياسية من المراهنات السياسية، وهو ما يفسّر إلى حد بعيد لماذا تم التسويف والمماطلة في الإصلاح، ولماذا تم السكوت عن التهميش الذي كاد يطيح بالدور والمكانة في آن معاً.
كل وطني فلسطيني غيور يعرف حق المعرفة أن المنظمة هي الإنجاز الأهم والأكبر للشعب الفلسطيني على مدى قرن كامل من الكفاح الوطني، وكل وطني فلسطيني مخلص لوطنيته، يدرك أن المنظمة هي إعجاز الشعب الفلسطيني عندما استطاعت المنظمة في ظروف مستحيلة أو تكاد جمع شمل الفلسطينيين في كل أنحاء العالم، وتحشيدهم في إطار وطني واحد وموحد فرض نفسه على العالم كله، وانتزع حق وشرعية ووحدانية التمثيل السياسي، وتحول إلى أداة كفاحية شاملة وجامعة تجسد هويته وكيانه الوطني وتعبّر عن أهدافه وطموحاته وتدافع عن حقوقه الوطنية.
ولم يسبق لاي حركة تحرر وطني في هذا العالم استطاعت أن تجابه محاولات التصفية من هذا المعسكر الهائل من الأعداء، والذي تمثل في إسرائيل والحركة الصهيونية بكل قوتهما وجبروتهما، وتمثل في دعم غير مسبوق في التاريخ المعاصر من قبل أكبر دول الغرب الاستعماري وبقيادة بريطانيا ثم الولايات المتحدة والغرب كله.
ليس هذا فقط، وإنما من معسكر كان مسنوداً ومدعوماً من واقع عربي تابع وعاجز، ومن حالة «إسلامية» ليست سوى هوامش وتوابع الحالة الاستعمارية نفسها.
استطاعت المنظمة في تلك الظروف أن تشق طريق وحدة الشعب كله، وبتضحيات الشعب الفلسطيني وبطولاته تحولت المنظمة إلى كيان الشعب وهويته ووطنه المعنوي وحامية أهدافه وحقوقه والمدافعة ببسالة عن هذه الأهداف وهذه الحقوق.
للاسف لم نقدر هذه الأهمية بما هو مطلوب، ولم نقم بكل ما كان يجب أن نقوم به للحفاظ على هذا الدور وهذه المكانة، أما الدليل على ذلك فهو هذا الهجوم على المنظمة ومحاولة كسرها وتفتيتها وشرذمتها من قبل كل الأعداء وبعض الخصوم، ومن قبل أصناف أخرى من مدمني الشعاراتية ومراهقي الحالة الوطنية.
تتركز النيران الأميركية والإسرائيلية على المنظمة لأنهم أحسن وأفضل وأول من يدركون هذه المكانة وهذا الدور.
تعرف اميركا وإسرائيل أن المنظمة حصن فلسطين وقلعتها المنيعة، وهما ـ أي أميركا واسرائيل ـ تشنّان معاً هذه الحرب بتنسيق كامل من كل محاور الهجوم، وتعملان ليل نهار لإحداث ثغرة كبيرة في هذا الحصن عَبر بوابة الحصار المالي والسياسي، وعبر بوابة ازدواجية التمثيل وخلق البدائل أو التلويح بها، وعَبر الضغوط والابتزاز بهدف الإجهاز على كفاحيتها وإفراغها من جوهر ما تمثله وتتطلع إليه.
بعد خطاب اسماعيل هنية الأخير، وإذا كان هذا الخطاب هو رأي حركة حماس نكون أمام هجوم مثلث الأضلاع، لأن جوهر هذا الخطاب ببساطة ليس سوى إيذان بالشروع بالمشاركة في هذا الهجوم، وليس سوى تقديم اوراق اعتماد رسمية للمساهمة فيه.
ليس صدفة أبداً أن تشنّ المعارك على المنظمة في هذه اللحظة السياسية الحرجة وبالتزامن الدقيق مع محاولات تجاوز القيادة والعمل على تهميش دورها في مواجهة صفقة القرن، وفي مواجهة مخططات إسرائيل المحمومة لفرض الوقائع على الأرض.
في ضوء ذلك لم يعد مقبولاً ولا معقولاً ولا منطقياً التأخّر ولا لدقيقة واحدة عن إعادة تصليب المنظمة ودورها ومكانتها من خلال عملية إصلاح وطنية شاملة بما يؤسس لحالة وطنية متماسكة من الكل الوطني، وعلى أسس ديمقراطية راسخة ومستقرة.
على برنامج المنظمة الوطني يجب إعادة اللُّحمة إلى البيت الفلسطيني، وعلى أساس القواسم المشتركة يجب إعادة بناء الشراكة الوطنية، وعلى أساس الفعل المؤسساتي نستطيع هزيمة الهجوم وإحباطه. تكشفت محاور الهجوم وأدواته، فأين هي متاريس وخنادق الدفاع عن المنظمة، وما هي خططنا المنسّقة لإحباط الهجوم؟
 عن الايام الفلسطيينة