الدكتور أحمد جميل عزم - النجاح الإخباري - تلخص صحيفة «جيروزالم بوست»، ما حدث في قطاع غزة من الناحية العسكرية في الأيام الماضية، بالقول "كان يوم الأحد هادئاً، بعد درجة من العنف منخفض المستوى نهاية الأسبوع، أعقب إطلاق عدد من البالونات والطائرات الورقية، الحارقة على إسرائيل، والضربات الجوية لسلاح الجو الإسرائيلي، وموت فلسطينيين أثناء الشغب العنيف على الحدود". وبغض النظر عن مفردات الصحيفة، وتعبيراتها، فهي تشير إلى أنّ عمليات إرسال طائرات ورقية وبالونات محترقة، أدت إلى العدوان الإسرائيلي، وذلك بعد أن كان محور الحديث هو التوصل لاتفاقية وهدنة مع حركة "حماس".

مثل هذا القصف قد يكون لأسباب مختلفة، منها خلافات داخلية ومزاودات داخل الحكومة الإسرائيلية، أو لتوجيه رسالة أنّ "حماس" لا يجب أن تعبر هذه الطائرات الورقية ورقة للتفاوض، وأنه يمكن إفشالها وإنهاؤها بالقوة من دون اتفاقيات سياسية، وبالتالي تسوء القدرات التفاوضية لحماس، وعدا ذلك من الأسباب. تماماً مثلما أن الرد الصاروخي الفلسطيني يتضمن أهدافا شبيهة محتملة، مثل التباينات الداخلية، في "حماس"، ومثل السعي لتحسين الأوراق التفاوضية. ولكن مسألة مواجهة الطائرات العسكرية الأميركية الإسرائيلية مع أهالي غزة وطائراتهم الورقية تحتاج لفهم أعمق.

لقد كانت مسيرات العودة، في الأشهر الأخيرة، ثم مسألة الطائرات الورقية والبالونات، التي أرسلها الشباب، وأضرت بالمستوطنات في محيط القطاع، علامة على أن الشعب الفلسطيني، قادر على الاستمرار في اختراع وتطوير أدوات قتالية في إطار المواجهة اللامتماثلة، واللامتكافئة، بين أقوى ترسانات العالم العسكرية وشعب أعزل أو، في أفضل الحالات لديه سلاح بدائي. وهذه الطائرات تذكر بالعام 1987، عندما أطلقت المقاومة، طائرات شراعية تهاجم المعسكرات الإسرائيلية، قادها السوري خالد أكرم، والتونسي ميلود بن ناجح، وبعد أيام اندلعت انتفاضة الحجارة، وكانت العملية الشراعية، والانتفاضة، خارج حسابات العدو الإسرائيلي الذي أخرج المقاومة من لبنان، العام 1982، ظاناً أنه أنهاها. وبالتالي الأدوات الغزاوية، هذه المرة، جزء من رسالة متكررة، أنّه طالما لم ينتهِ الاحتلال وتحل قضية اللاجئين ستستمر المقاومة.

ما يريد الإسرائيليون توجيهه من رسائل تتضمن تحذيرا لحركة "حماس" أنّ أي نوع من المقاومة سيكون مرفوضا، وأنّ الحركة وقواعدها تشكل أهدافاً سهلة وهشة يمكن قصفها بسرعة. ولكن في هذا الإضعاف الإضافي للفصائل، حتى التي توافق على البدء بمحادثات تهدئة وهدنة، (وهو ما حدث في الضفة الغربية سابقا)، يرافقه، أو ينتج عنه، تعزيز لدور المقاومة الفردية. فمثلما كانت هبة العام

2015 / 2016، مبادرات فردية شبابية في الضفة الغربية، وكانت هبة بوابات الأقصى في العام 2017 عفوية شعبية إلى حد كبير، ورغم أن مسيرات العودة ليست عفوية وتم تبنيها فصائلياً، إلا أنّ أدوات مثل الطائرات الورقية هي مبادرات فردية، وإذا كان هناك سؤال دائم، هل يمكن أن تتكرر تجربة الصواريخ محلية الصنع في غزة، وتنتقل للضفة الغربية، فإنّ السؤال في حالة الطائرات الورقية المحترقة أكثر واقعية واحتمالية.

في حالتي غزة والضفة، يعتمد الجانب الإسرائيلي على الضغط أو التفاوض أو التفاهم مع السلطة الرسمية القائمة، ممثلة بالحكومة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية، أو "حماس" وذراعها العسكرية، في غزة، لتتولى هي أمر الأفراد ومبادراتهم.

تثبت التجارب أن المبادرات الفردية للمقاومة، لا تكفي لتحقيق انتصارات استراتيجية بعيدة المدى، بل تتحول إلى هزائم أحياناً، ولا بد من أن تتحول إلى فعل جماعي لتحقق انتصارا ما (كما حدث في حالة بوابات القدس).

هناك سؤال لا بد وأن يواجهه الفلسطينيون الرسميون، بمن فيهم قادة الفصائل، وهو كيف يمكن تحويل هذه الطاقات الفردية إلى جزء من استراتيجية متكاملة؟ وإذا استمر تواني إجابة الرسميين والفصائليين، عن هذا السؤال، يصبح ضروريا أن يجيبه الأفراد أنفسهم.

في الأثناء، فإنّ الطائرات الورقية وجهت رسالة للعالم كله أن كل الترسانة العسكرية الإسرائيلية عاجزة عن كي الوعي الفلسطيني، وأنّ هذا الوعي سيستمر في مساعيه حتى يطور الأطر والأدوات التي تواجه الاحتلال بكفاءة، ولكن هذا يعني أيضاً أن العدوان الإسرائيلي على "الوعي الفلسطيني" سيتصاعد، وربما لدرجة الوصول لتهدئة مع الأطر الفلسطينية المنظمة بأشكالها، لقطع الطريق على أي مبادرات مقاومة جديدة.

[email protected]

...عن «الغد» الأردنية