الدكتور أحمد سيد أحمد - النجاح الإخباري - في الوقت الذي أعلن فيه الرئيس ترامب رغبته بالحوار مع القادة الإيرانيين، دخلت الحزمة الأولى من العقوبات الأمريكية على إيران أمس حيز التنفيذ، وتشمل حظر شراء إيران للدولار الأمريكي، وفرض قيود على قطاع السيارات، وتجارة الذهب والمعادن النفيسة وصادرات السجاد وغيرها إضافة إلى منع طهران من الحصول على الحديد والألومنيوم لصناعاتها، وسحب تراخيص صفقات شركات الطيران المدنية الأمريكية والفرنسية، وتعد تلك العقوبات جزءا من سياسة العصا وممارسة أقصى الضغوط في إطار الإستراتيجية الأمريكية الشاملة لاحتواء إيران بعد الانسحاب من الاتفاق النووي في ايار الماضي، وتستهدف وقف أنشطتها النووية، ووضع قيود على برنامجها الباليستي، وتحجيم دورها المزعزع للأمن والاستقرار في المنطقة.

وترتكز السياسة الأمريكية تجاه إيران، والتي تعكس فلسفة وعقيدة إدارة ترامب، على المزج بين سياسة العصا والجزرة، أي ممارسة أقصى الضغوط عبر العقوبات الاقتصادية الموجعة ثم فتح الباب للحوار والتفاوض وفقا للشروط والمطالب الأمريكية، وهي نفس الإستراتيجية التي طبقتها مع كوريا الشمالية ودفعت نظام كيم جون أون إلى القبول بالحوار، حيث تعتبر الإدارة الأمريكية أن سياسة العصا تعطيها قوة وميزة في التفاوض.

وفي الحالة الإيرانية أخذت تلك الإستراتيجية تؤتي ثمارها، فرغم رفض القادة الإيرانيين دعوة ترامب للحوار انطلاقا من أن قبولها في هذا التوقيت وفي ظل العقوبات المشددة سوف يمثل إذعانا للشروط الأمريكية، إلا أنه على أرض الواقع شكلت تلك العقوبات ضغطا ملحوظا على الاقتصاد الإيراني الذي يعاني من تدهور كبير تمثل في فقد العملة الإيرانية الريال لأكثر من نصف قيمتها منذ الانسحاب الأمريكي من الاتفاق، إضافة إلى خروج جماعي للشركات الأوروبية من السوق الأمريكية خوفا من العقوبات مثل شركة توتال الفرنسية وبتريش بتروليم البريطانية وبوينج وإيرباص وبيجو وغيرها، وفي ذات الوقت تزايدت حدة الاحتقان الداخلي مع اندلاع المظاهرات والاحتجاجات في مختلف المدن الإيرانية اعتراضا على تردي الأوضاع الاقتصادية، وأخذت أبعادا سياسية في رفض النظام ورموزه وممارساتها الداخلية والخارجية.

وبات النظام الإيراني في مأزق كبير حيث أضحى يرزح بين سندان الضغوط الداخلية ومطرقة العقوبات الأمريكية، وأصبحت خياراته محدودة مع فشل أطراف الاتفاق النووي الأخرى، خاصة الأوروبية، في تعويض إعادة فرض العقوبات الأمريكية، كما أن وطأة العقوبات ستزداد بشكل كبير مع فرض الحزمة الأمريكية الثانية وهي الأشد والأقوى حيث تستهدف عصب الاقتصاد الإيراني في قطاعي الطاقة من النفط والغاز والقطاع المصرفي والبنك المركزي، وهو ما يعني أن عقوبات ما بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي تختلف عن العقوبات التي سبقت الاتفاق قبل عام 2015 حيث إنها أكثر ضراوة وتتزامن مع حالة الغليان الداخلي. كما أن توسع الدور الإيراني الإقليمي بعد ثورات الربيع العربي خاصة في سوريا والعراق واليمن ولبنان قد كلف النظام كثيرا، حيث أنفق عشرات المليارات من الدولار التي تدفقت عقب رفع العقوبات، ليس على التنمية في الداخل وتحسين معيشة الشعب الإيراني، وإنما في دعم أذرعه العسكرية مثل حزب الله اللبناني وميليشيا الحوثي الانقلابية في اليمن وعشرات الميليشيات في سوريا والعراق والتي يشرف عليها فيلق القدس، الذراع العسكرية الخارجية للحرس الثوري، إضافة إلى تطوير برنامجه الصاروخي الباليستي وتزويد الحوثيين بتلك الصواريخ وتهديد أمن السعودية.

كما أن خيار التصعيد من جانب النظام الإيراني برفض الحوار مع الولايات المتحدة والتهديد بإغلاق مضيق هرمز أمام الملاحة الدولية، وتهديد الملاحة في باب المندب عبر قيام ميليشيا الحوثي التابعة له باستهداف ناقلة نفط سعودية، جاء بنتائج عكسية لأن تهديد الممرات الملاحية الدولية ليس فقط خرقا للقانون الدولي وقانون البحار، وإنما أيضا يعد خطا أحمر بالنسبة للمجتمع الدولي والقوى الغربية، وقد يشعل فتيل حرب في المنطقة لن تكون في صالح إيران حيث تميل موازين القوى العسكرية للولايات المتحدة، كما أنه سيدفع الدول الغربية، القائم اقتصادها على النفط، إلى التحالف مع الولايات المتحدة في مواجهة التهديدات الإيرانية، وعلى رأسها الصين التي تمر معظم وارداتها من النفط من مضيق هرمز، ولذا فإن التصعيد يمثل خيار الانتحار بالنسبة للنظام الإيراني.

ورغم أن إستراتيجية الاحتواء الأمريكي لإيران لا تستهدف بشكل مباشر إسقاط أو تغيير النظام، وإنما الضغط عليه لتعديل سلوكه وسياساته الخبيثة في المنطقة، فإن الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها النظام مع اشتداد وطأة العقوبات قد تدفعه في نهاية المطاف إلى الحوار مع أمريكا إذا شعر أن وجوده بات مهددا بالسقوط، والقبول بالشروط الأمريكية، وعلى رأسها إبرام اتفاق نووي جديد وشامل يمنع إيران من امتلاك السلاح النووي ويقلص من وجودها ودورها السلبي في المنطقة.

لكن خيار الحوار سيظل مرتهنا بمدى تأثير العقوبات الأمريكية ومدى قدرة النظام الإيراني على تحملها، ومع استبعاد خيار الحرب والمواجهة العسكرية، وخيار الحوار المباشر على الأقل في المدى القصير ستظل حالة الشد والجذب هي السائدة بين الجانبين، وفي كل الأحوال فإن الاستراتيجية الأمريكية سوف تسهم في تغيير سياسة النظام الإيراني، الذي يتسم بالبراجماتية، ويحرص على ضمان استمراره وبقائه.

....عن «الأهرام» المصرية