د. دلال عريقات - النجاح الإخباري - قبل عدة أعوام، طلب مني الصديق والإعلامي رامي مهداوي، أن أتخيل كيف ستكون فلسطين لو لم يكن هناك احتلال، بالحقيقة شارك مجموعة من الكُتاب بالإجابة على السؤال، مشاركتي كانت حالمة كلها تفاؤل وإيجابية ومشاريع اقتصادية ففي فقراتي حولت غزة إلى سان تروبيه الفرنسية وتخيلت دُبي المتوسط عندنا ومهابط الطائرات والمنتجعات السياحية على المدخل الشرقي للبلاد، على كل حال كانت مشاركة جميلة، للأسف بعيدة عن الواقع.

وأنا أتفحص معرض "أمم متعاقدة من الباطن" الذي أقيم ضمن فعاليات افتتاح المبنى الجديد لمؤسسة عبد المحسن القطان في رام الله، مررت بعملٍ فني كله حُلم، نظرت إلى اللوحات وذهلني توارد فكري عميق مع عمل الفنان الغزي المُبدع الذي ذكرني بالحُلم، العمل الذي دفعني للكتابة هذا الأسبوع عن المعرض هو للفنان محمد أبو سل تحت عنوان "مترو في غزة". أبو سل هو فنان من غزة ولد عام ١٩٧٦، له مشاريع ناقدة وساخرة حول ما يعد مسموحاً به من حيث التكنولوجيا والحضارة في غزة الْيَوْم. مشروع مترو غزة يقترح باختصار تحويل الأنفاق إلى شبكة مترو تحت أرض غزة، ويتخيل الشبكة من سبعة خطوط مترو تربط بين مختلف المناطق في القطاع، مشروع متعدد التقنيات، حُلم كبير نستطيع ترجمته على أرض الواقع من خلال افتراض تحويل الأنفاق تحت الأرض إلى شبكة مواصلات تمتد وتغطي كل أطراف غزّة. تم تطوير المشروع كما هو مذكور في كتاب المعرض ليسجل ويتطرق إلى ما كشفته حرب العام ٢٠١٤ عند نبش الآلات العسكرية الإسرائيلية في عمق الأرض لإيجاد الأنفاق السرية، حيث استعمل أبو سل تقنية 'photo montage’ للتعبير عن تحويل تلك الأنفاق الضيقة إلى أنفاق شبكة مواصلات مترو. يستكمل الفنان المشروع بزرع إشارة المترو والذهاب بها إلى المناطق المطورة حديثاً "المشاريع القطرية والتركية والكويتية" حيث مشاريع الإعمار التي جهزت سريعاً وحولت تلك المناطق لورشة عمل مفتوحة، فالتحولات سريعة ودون تخطيط ويجسد الفنان المنح وصور الأمراء والرؤساء الذين يأتون على عجل للإعلان عن تبرعات بلادهم والمشاريع التي سيتبنون، ثم تقوم شركات القطاع الخاص بالتنسيق لتنفيذ هذه المشاريع بأكبر فائدة ودون خبرة وتخطيط حقيقيين. تغيرات سريعة يشهدها الشارع الغزّي وأحلام كثيرة لدى الشعب ولوحات فنية تعبر عن هذا كله في المعرض.

معرض أمم متعاقدة مليء بالأعمال الإبداعية لفنانين فلسطينيين وأجانب كثر؛ فترى هناك عامر الشوملي في عمل رائع بعنوان "الهوية وكش الحمام" وأعمال منال محاميد، أحمد حامد، سوزان بوش، سماح حجازي، ثم تمر بزاوية مثيرة تجمع كل من نبيل عناني، ڤيرا تماري، تيسير بركات وسليمان منصور، ثم تشهد إبداعات ميرنا بامية، جمانة عبود، توم بوغارت، إياد عيسى، خالد جرّار، لارا بلدي، جواد المالحي، فلاديمير تماري، شادي زقطان، نور الراعي، أحمد مزعرو، ثم يشدك عمل بيسان أبو عيشة في تجربة تدرس القيمة المعاصرة للعملة وعدد البنوك الذي لا يتماشى مع الاقتصاد الفلسطيني، وتمر بأعمال يزن خليلي ثم بشار الحروب في "بلاد العرب أوطاني" وتنتقل الى كلاوديو بيروتشيا، نوريا غويل، بشير مخول، سارة بدينغتون وهشام إدريس ونور عابد وموسى العلمي وتلاقيك في الزاوية المئذنة وقفاز السباحة في عمل كله عمق وفكر للفنانة نداء سنقرط.

ولا تخرج من المعرض دون النظر مرة أخرى لعمل مجدي حديد على المدخل تحت عنوان "الختم أو الوسم الرسمي" الذي يُذكرنا بأهمية مراجعة واقعنا على المستوى الرسمي. أما حان الوقت لتحويل أحلامنا إلى واقع من خلال خطط استراتيجية قابلة للتطبيق ومُخلصة للشعب الفلسطيني وخاصة في غزة من الواقع المرير الذي نعيشه والذي نستطيع تغييره بأيدينا؟

عن القدس الفلسطينية