د.أحمد جميل عزم - النجاح الإخباري - هناك ثلاثة سيناريوهات سقطت أو تكاد، تتعلق بالقضية الفلسطينية وفي غزة تحديداً، وهذه السيناريوهات هي "صفقة القرن" العربية الإسرائيلية، و"المصالحة التدريجية في غزة"، و"صفقة الهدنة مع "حماس""، وهو ما يفتح الباب لسيناريوهات ثلاثة أخرى.
صحيح أنه لا يوجد فعلا شيء يسمى صفقة القرن، وما كان يطرح أميركيا، هو "لقاء القرن" بين العرب والجانب الإسرائيلي، وجعل إيران العدو المشترك، وجعل الشأن الفلسطيني موضوعا هامشيا، بتقديم مشاريع اقتصادية وتسهيلات حياتية، وإنجازات رمزية للفلسطينيين تتعلق بشكل السلطة، مقابل الصمت على تهويد القدس وضم المستوطنات والتطبيع العربي الإسرائيلي، وكان السيناريو يقتضي التساوق الفلسطيني عبر مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة، مع الأميركان والإسرائيليين، بحجة تحسين شروط الصفقة، ولكن هذا فشل. وما أفشل هذا السيناريو أمران؛ أولهما الاندفاع الأعمى لليمين الصهيوني داخل الولايات المتحدة، ممثلاً بالملياردير شيلدون أديلسون الذي حدد للرئيس الأميركي دونالد ترامب مهمات عليه تنفيذها مقابل الدعم المالي والسياسي له، أحدها، الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وبالتالي حدثت ردة فعل فلسطينية، وعربية، ترفض الحديث بتصورات إقليمية جديدة، تتجاوز فلسطين. والأمر الثاني، الذي أفشل هذا السيناريو، الرفض الفلسطيني الرسمي التعايش معه، والرد بمقاطعة الإدارة الأميركية، وهذا تبعه ورافقه موقف عربي رسمي يرفض أي عملية سياسية لا تتضمن الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، بما يرضاه الفلسطينيون. ولعل آخر من أعلن الالتزام بهذا الموقف، هو وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، أثناء كلمته في منتدى التعاون العربي الصيني، في بكين قبل أيام، مؤكدا أن الموقف العربي هو قمة "الظهران" الأخيرة.
السيناريو الثاني الذي فشل، هو ما كان قد حدث تفاؤل بشأنه نهاية العام 2017، وتحديداً، قبول حركتي "فتح" و"حماس" بالوساطة المصرية لتطبيق متدرج بإشراف مصري لعملية مصالحة. فقد رفض الرئيس الفلسطيني، النهج المتدرج، أو التبادلية، خصوصاً عند الحديث عن 3 ملفات (الجباية المالية في قطاع غزة، الأمن العام والداخلي والمسؤولية عنهما، والمعابر والحدود)، وهذه الملفات ربما أكثر إلحاحاً من ملف "سلاح المقاومة"، فلا يريد الرئيس الفلسطيني الدخول باختبارات كما تريد "حماس" من مثل عدم تسليم الجباية إلا بعد صرف الرواتب لموظفيها. ورغم كل ما يعتور موضع تقليص رواتب موظفي السلطة، في غزة من إشكاليات وأخطاء، فقد بات واضحاً أنّ مسألة الحل التدريجي لأزمات غزة لن تنجح، وأن السيناريو المطروح الآن هو بالفعل حكومة فلسطينية تتولى كل شيء، والسؤال الآن هل تقبل "حماس" هذا (وهل تقرر هذا في لقاءات القاهرة الأخيرة بين "حماس" والمخابرات المصرية)؟
أما السيناريو الثالث الذي فشل فهو سيناريو "الحلحلة" الإنسانية في غزة، باتفاق بين "حماس" والطرف الإسرائيلي على ترتيبات وهدنة طويلة مقابل تقليص الحصار. وقد فشل لأنّ هناك ملفات مثل الأسرى ترفض "حماس" مقايضتها بالحصار، ولأنّ الرئاسة الفلسطينية قطعت الطريق على تعاون أممي وإقليمي ودولي مع هذا التصور، بإيصال رسالة أنّ حل موضوع غزة جزء من الحل السياسي.   
هذا الوضع ربما أجّل سيناريوهات من مثل طرح مشروع قرار في منظمة التحرير الفلسطينية، لحل المجلس التشريعي. ولعل وفد "حماس" الذي ذهب إلى مصر مؤخرا، وأعضاؤه من خارج غزة، يفتح الباب للتخمين، أن السؤال الآن أو السيناريو هو: تسليم حكومة الوفاق كل شيء دفعة واحدة مع بحث مستقبل الشراكة السياسية في السلطة والمنظمة. وإذا لم يحدث هذا السيناريو (خصوصاً إذا رفضته أطراف في "حماس" في القطاع)، يبرز سيناريو ثان، هو "قلب الطاولة"، عبر المضي في حل المجلس التشريعي ورفض، بل والتوسع في رفض تحمل المسؤوليات في غزة، قبل تخلي "حماس" عن سيطرتها هناك، وربما قلب "حماس" الطاولة بفرض حكم من نوع جديد في غزة. أما السيناريو الثالث، فهو الدخول في حال شد وشجذب؛ أي سيناريو الوضع الراهن، حيث لا يتم البت والقطع نهائياً بملفات، وحيث تقلل مصر مثلا من تبعات وضغط قرارات الحكومة في رام الله، بشأن غزة، ولكن من دون حل، وهو ما يعني بقاء المأزق الذي تعيشه القضية الفلسطينية فيما المخطط الاستعماري الإسرائيلي مستمر.

عن الغد الأردنية