مهند عبد الحميد - النجاح الإخباري - جيمس بيكر وزير الخارجية الأميركي السابق في زمن إدارة بوش الأب، أبلغ الحكام العرب أثناء التحضير لمؤتمر «السلام» في مدريد العام 1991 أن الولايات المتحدة ليست مع حق تقرير المصير للفلسطينيين، وكان ذلك يعني التزاما اميركيا بالموقف الإسرائيلي في رفض إقامة دولة مستقلة، ورفض تمثيلهم بشكل مستقل في المفاوضات، ورفض مشاركة أعضاء من منظمة التحرير وأعضاء من مدينة القدس في الوفد الأردني الفلسطيني. ولم يعترض الحكام العرب بمن في ذلك الرئيس السوري حافظ الأسد حينذاك على الموقف الأميركي، بل مارسوا ضغوطا على القيادة الفلسطينية للمشاركة في مؤتمر مدريد بالشروط الأميركية الإسرائيلية التي كان سقفها تحسين أوضاع الفلسطينيين تحت الاحتلال.
والشيء بالشيء يذكر، فقد ابلغ بشير الجميل قائد القوات اللبنانية «الكتائب» والرئيس الذي صعد للحكم على ظهر دبابة إسرائيلية، أن إسرائيل أبلغته في العام 1982 بنيتها شن عملية عسكرية للقضاء على منظمة التحرير في لبنان، وقد تراوح موقف الزعماء العرب بين موافقة بالصمت، احدهم تمنى أن لا تتضمن العملية إذلالا للفلسطينيين، والبعض الآخر - عبد الحليم خدام بحضور الرئيس حافظ الأسد - رد مازحا إذا كان «الهدف الخلاص من عرفات ماشي الحال»!.  
ما أود قوله إن تصفية الوجود العلني للمنظمة في لبنان، وتهميش الحضور الفلسطيني في عملية إعادة بناء شرق أوسط أميركي جديد، والموقف الداعم لاحتلال واستيطان الأراضي الفلسطينية جاء كمحصلة للنظام الدولي الذي تستأثر به أميركا، ولم تستطع أوروبا ترك بصمات مستقلة عن السياسة الأميركية. وجاء كنتيجة للاصطفاف العربي الرسمي ضمن علاقات التبعية والسيطرة الأميركية. ثم جاءت صفقة ترامب السافرة كتتويج للسياسات الأميركية السابقة وللتحولات الكبيرة في الإقليم، وكل ما فعله ترامب هو إزالة الرتوش والمساحيق التجميلية للموقف الأميركي، وفي الوقت نفسه جعل الشعب الفلسطيني يواجه مصيره مباشرة ودفعة واحدة.  
وإذا كان الهدف المركزي لـ»صفقة القرن» هو تصفية القضية الفلسطينية، عبر شطب قضية اللاجئين، وضم مدينة القدس، وتثبيت الاحتلال والاستيطان،  ومنع حق تقرير المصير، ومنع إقامة دولة مستقلة، وتفكيك مكونات الشعب الفلسطيني، من خلال فصل الداخل عن الخارج، وفصل قطاع غزة عن الضفة الغربية، وإبطال مفعول تمثيل منظمة التحرير للشعب في مختلف أماكن تواجده. إذا كان المشروع الأميركي الإسرائيلي الكولونيالي بهذا والوضوح والتحدد، وبهذا المستوى من التوحش وغطرسة القوة، يصبح من الطبيعي وانطلاقا من مصلحة الشعب الفلسطيني الوطنية والوجودية، وانطلاقا من المصالح المتناقضة، الأخذ بعكس أهداف ذلك المشروع الأسود، والعمل على إبطال وإفشال كل حلقة من حلقاته. إن إحباط المشروع «الصفقة» يضع كل القوى السياسية على محك الاستجابة لنوع مختلف من العمل غير المألوف ومن اهم الاستجابات.
وفي هذا السياق ثمة محظورات على درجة كبيرة من الخطورة كتغليب المصالح الفئوية على المصلحة الوطنية العليا، وتحديدا مقايضة الاعتراف الإسرائيلي والاميركي «العملي» بكيانات فئوية في غزة وفي الضفة بوظائف أمنية مموهة بحل مشاكل إنسانية، مثلا كيان حمساوي في غزة يكرس الانفصال عن الضفة الغربية، وتكريس الأخيرة ككيان منفصل أيضا. أو التعاطي مع خطة الإنقاذ الأميركية للأوضاع المأساوية لقطاع غزة تحت مسمى «انساني»، توطئة لتمرير الصفقة.  
إن تكريس الانفصال يعني فتح الأبواب أمام صفقة تصفية القضية الفلسطينية، كذلك فإن وقف او تقليص موازنات غزة ووقف وتقليص رواتب الموظفين والاستنكاف عن حل ضائقة المواطنين فيها يساهم في فصلها عن الضفة وفي تيسير اهم بنود الصفقة وهو تفكيك وتجزئة وحدة الشعب وصرفه عن القضية الوطنية وإشغاله في لقمة الخبز وفي الصراع على السلطة. كما ان بقاء المؤسسة الفلسطينية دون تطوير والاستعاضة عن تجديدها باستعراض المخاطر الخارجية، من شأن ذلك تعزيز تنافس مراكز القوى المنحازة لمصالحها الضيقة. ان عدم تجديد المؤسسة لا يسمح بخوض معارك ولا بتحمل الضغوط التي ستنهال من كل حدب وصوب. بناء على ما تقدم مطلوب: 
أولا: عقد دورة جديدة للمجلس الوطني بمشاركة كل القوى السياسية، واعتماد التمثيل النسبي للقوى، وتمثيل الفئات المستقلة والكفاءات وجهات الاختصاص في المجالات المختلفة، على قاعدة الشرعيات التي تمد فلسطين بشرعيتها. والبدء بتحويل المجلس من مؤسسة بيروقراطية الى مؤسسة فاعلة بأنظمة ومعايير ولجان وكفاءات وفرق عمل، تتناسب مع مهمات التصدي للصفقة بكل عناصرها. مع الأخذ بالاعتبار أن الشرعية الفلسطينية قائمة ولا يعقل وضع شروط مسبقة – كوضع العربة أمام الحصان - فالتغيير يتم عبر الشرعية. 
ثانيا: عقد مؤتمر وطني دوري للاجئين تنبثق عنه، استراتيجية وطنية ذات أهداف محددة عامة وخاصة بكل التجمعات، وخاصة المخيمات المنكوبة في سورية ولبنان والعراق وليبيا، وتنبثق عن المؤتمر هيئة متابعة مستقلة ولجان فرعية لتنفيذ الاستراتيجية، وإدارة النشاط ومتابعة المهام المناطة بها. 
ثالثا: العمل على نيل اعتراف دولي صريح بدولة فلسطين تحت الاحتلال على حدود الرابع من حزيران العام 1967، والدخول في كل المنظمات والاتفاقات الدولية، وإعادة النظر في اتفاق أوسلو واتفاق باريس وما ترتب عليها من تنسيق أمني واعتراف من طرف واحد.
رابعا: وضع حد للانقسام عبر مسارين: الأول، عقد دورة جديدة للمجلس الوطني دون شروط مسبقة. الثاني، الاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية انتقالية وظيفتها حل الأزمات وتلبية الاحتياجات والتحضير لانتخابات المجلس التشريعي والرئاسة في اقرب وقت ممكن. 
خامسا: مناهضة التعاون الرسمي بين عدد من الدول العربية ودولة الاحتلال وفضح تماهيها مع «صفقة ترامب»، وتعزيز تحالف الشعب الفلسطيني مع الشعوب العربية والنخب الديمقراطية والثقافية العربية المستقلة. 
سادسا: كل المهمات السابقة تكون تحت مظلة الشرعية الفلسطينية ممثلة بمنظمة التحرير مع التأكيد على ان كل تغيير وتطوير وتعديل - وهو مهم وضروري وعاجل - يتم من خلال الشرعية.  
[email protected]

نقلا عن صحيفة الأيام