ناجي صادق شراب - النجاح الإخباري - تعتزم الولايات المتحدة الإعلان عن خطتها المسماة «صفقة القرن» في الأيام القليلة القادمة، رغم قرارها بنقل سفارتها للقدس والإعتراف بها عاصمة لإسرائيل، وبتقليص مساعداتها لوكالة غوث اللاجئين، وما يتم تسريبه أن هناك توجها بعدم الإعتراف بإسرائيل كسلطة إحتلال، وشرعنة المستوطنات، وعدم الإعتراف بالضفة الغربية أرضا محتلة. وهو ما يثير شكوكاً حول هذا الإعلان، وخصوصا بعد الإصرار الفلسطيني على أن الولايات المتحدة لم تعد الدولة الوحيدة الراعية للمسيرة التفاوضية السلمية، والمطالبة بمرجعية دولية، وبعد مسيرات العودة الكبرى والتي راح ضحيتها أكثر من مائة شهيد والآف الجرحى.

والسؤال لماذا الإصرار على إعلان الخطة في هذا الوقت؟ وما هي فرص وإحتمالات نجاحها؟ وما هي الخيارات الفلسطينية المتاحة والممكنة؟ والسؤال قبل ذلك: هل من تفاصيل ومفاجآت في هذه الخطة؟ وهل هي قادرة على تحقيق التوازن الضروري للنجاح؟

أما لماذا الإعلان عن الخطة الآن فقد يكون لذلك أكثر من إجابة: الأولى ان الولايات المتحدة وإدارة الرئيس ترامب تريدان أن ترسل رسالة ان هذه الإدارة قد وعدت وأوفت بتقديم «رؤية تاريخيه للسلام والوصول لحل لصراع» الكل قد فشل فيه، وبالتالي ترمي الكرة في ملعب الآخرين وخصوصا الفلسطينيين والإسرائيليين والدول العربية، وتحملهم مسؤولية الفشل في حال عدم الإستجابة.

وثانيا، وهذا إحتمال قائم ان يتم تحميل الفلسطينيين تحديدا مسؤولية الرفض، ومن ثم قد تركز على الجانب الإقليمي من هذه الخطة، بفتح مجالات جديدة للعلاقات والقبول بإسرائيل عربيا. إعتقادا منها أن كل الأطراف في وضع لا يسمح برفض العرض المطروح عليها، وأنه يعتبر الأفضل.

ومن ناحية أخرى قد ترى أن إسرائيل وإدارة نتانياهو انه لا يمكن لها ان ترفض وعليها ان تقدم مزيدا من «المرونة»، بعد ما قدمته إلإدراة ألأمريكيه من خطوات وقرارات. ولإنجاح الخطة كما تروج الإدارة ألأمريكيه فتحتاج إلى تقديم تنازلات مؤلة من الجميع، والمقصود هنا من بيدهما المفتاح لإنجاحها وهم العرب والفلسطينيون وخصوصا الجانب الفلسطيني الأضعف سياسيا وإقتصاديا، الذي عليه ان يقدم تنازلات اكبر بمنظور الولايات المتحدة تتعلق بماهية الدولة والقدس وقضية اللاجئين، ونزع سلاحهم سواء سلاح الدولة لو وجدت أو سلاح المقاومة.

وبعبارة أخرى ليس مقبولا اميركياً من الفلسطينيين الرفض وإلا تنتظرهم العقوبات الإقتصادية والمالية ومن ثم إنهيار كل الإنجازات السياسية المتواضعة التي حققوها من بناء بنية سياسية ومؤسسات سلطة، وبالتالي الدفع بها لسيناريو غير معروف من الفوضى والإنهيار، أو بالعمل على تحويل حالة الإنقسام السياسي إلى واقع سياسي بفصل غزة وتدويلها ورفع الحصار عنها، وبالتالي ستروج الولايات المتحدة وكل الأطراف المعنية على أن الخاسر الأكبر من رفض الصفقة هم الفلسطينيون، وعليهم الإستجابة والإستفادة مما هو مطروح ، والبناء عليه مستقبلا، على أساس ان الحل في حد ذاته خيار وما هو مطروح هو الأفضل ولن يحصلوا على احسن منه لسنوات طويله قادمة.

إذن الولايات المتحدة ترى ان هذا هو التوقيت المناسب لطرح خطتها، فهي لا تضمن ماذا ستكون عليه الأوضاع السياسية في فلسطين بعد مرحلة الرئيس عباس، وفي إسرائيل بعد نتانياهو ولا تضمن على المستوى العربي ماذا يمكن أن يحدث، وفي هذا السياق تؤكد الولايات المتحدة أنها قد وعدت الدول العربية وليس إسرائيل فقط بالإنسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، وفرض عقوبات مشددة عليها وبالتالي ووفقا لدبلوماسية «الصفقة »، وكما يقال في السياسة كل شيء بثمن والآن بإنتظار الثمن الذي يمكن أن يقدمه العرب، والثمن الذي يمكن أن تقدمه إسرائيل.

ولإنجاح الخطة أعتقد أن الولايات المتحدة ستؤكد على المبادرة العربية وتطالب بتنفيذها عربيا الآن، وستؤكد على حل الدولتين وتطلب من إسرائيل القبول بها، وهذا من وجهة نظرها يعتبر تنازلا على الجانب الفلسطيني ان يقدم مقابله تنازلا أكبر، ويمكن أن تزيد في ذلك وتحول القدس وتحصرها في الجانب الديني، وهنا يمكن ان تمنح الأردن الوصاية الدينية، وفي سياق هذا التفكير لا أحد عليه أن يرفض، لكن يبقى التحدي الأكبر في الموقف الفلسطيني على ضعفه. والسؤال المطروح: هل يملك أولا الفلسطينيون القوة والقدرة على الرفض؟ وما هي خياراتهم المتاحة؟

الرفض لن يكون الخيار الأفضل، لأنه في ظل هذه المعطيات والمحددات السياسية الإقليميه والدولية وحالة الإنقسام السياسي المتجذرة ، والخوف على مؤسسات السلطه بإعتبار انها قد أصبحت خيارا حتميا قائما بذاته، فاعتقد ان خيار الرفض المطلق قد يكون صعبا، وخصوصا لو ربطنا ذلك بحالة الرئيس عباس وقدرته على الإستمرار,واي حكم فلسطيني جديد عليه أن يدفع الثمن السياسي كما غيره إما القبول بما هو مطروح وإما عدم الإعتراف بأي تغيير محتمل.

اما سيناريو الشرعية الدولية والذهاب للمنظمات الدولية على أهميته ، لكنه محكوم أيضا بقوة ونفوذ الولايات المتحدة، ويحتاج لوقت طويل ليؤتي نتائجه السياسية وفي النهاية محكوم عليه مسبقا بالفيتو الأمريكي.

أما خيار إستمرار المسيرات فتكتنفه الكثير من التحديات، ويمكن أن يتحول لخيار المواجهة العسكرية والحرب الشاملة في غزة وهو خيار في المدى البعيد لا يعمل لصالح «حماس» ولا المقاومة، وخصوصا بعد تراجع الدور الإيراني والتركي الداعم لما يواجه إيران من عقوبات وضغوطات, فالبيئة الإقليمية والدولية لا تعمل للصالح الفلسطيني ولا لصالح الخيارات الممكنة، ويبقى الخيار الحتمي خيار النضال الوطني، وهو الخيار الذي يمكن أن يأتي بنتائج لكن ليس الآن، فثمنه كبير بشريا، وإقتصاديا، وتواجهه عقبة غياب الرؤية الوطنية لماهية المقاومة المطلوبة، و عليه لا يبقى أمام الفلسطينيين إلا الخروج بأقل الخسائر والإبتعاد عن خيارات المواجهة سواء مع الولايات المتحدة إو إسرائيل أو حتى عربيا، وأقصد هنا بالمواجهة العسكرية التي لا تعمل للصالح الفسطيني إطلاقا.

وقد يقول قائل وماذا بعد هذا الرفض؟ وهل يتم القبول بما هو مطروح ولو كان يشمل تنازلات كبيرة ومؤلمة فلسطينيا؟ ليس المقصود بما أطرحه ذلك. ولكني أنطلق من فرضية تاريخية وسياسية أن الحل في حد ذاته خيار حتمي، فكم من الفرص أهدرت ولو قبلنا بها لتغير شكل الصراع.

المهم في أي موقف فلسطيني ان يتضمن نقاطاً أساسية أولها إلإعلان رسميا عن إنهاء الاحتلال الإسرائيلي ، وثانيا الإعلان الصريح من قبل إسرائيل بالقبول بالدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس المتفق عليها تفاوضيا. وثالثا الإلتزام ببنود المبادرة العربية. والمطالبة أن يكون للدولة الفلسطينية الحق في منح المواطنة الفلسطينية الكاملة لكل الفلسطينيين في الشتات ، وحقهم في العودة للدولة الفلسطينية، ولا يعني ذلك سقوط حق العودة، لكن التطبيق المرن قد يكون أحد الردود المطلوبة في هذه المرحلة.

ومن النقاط الهامة توفير غطاء إقتصادي عالمي لما عرف تاريخيا بمارشال أوروبا، ان هذه الحلول تحتاج لدعم مال كبير والتمسك بحق الدولة في مواردها الطبيعية، فلا يعني القبول بالتنازل على سلاح الدولة ان يشتمل ذلك التنازل عن الحق السيادي في الموارد الطبيعية، أي المطالبة بأن إنهاء الاحتلال يعني أيضا عدم خضوع الدولة الفلسطينية لإسرائيل كدولة وهذا يمتد للحواجز والمعابر وغيرها.

هذه بعض التصورات للتعامل مع خطة السلام المرتقبة، لكن في النهاية هذا يتوقف على مبادرات فلسطينية بحته إنهاء الإنقسام وبناء منظومة سياسية ديموقراطية، ومراجعة لكل الخيارات ، والتحرر من الرؤى المطلقة إما الكل وإما ل.

السياسة لا تعرف ذلك وتوفر رؤية مستقبلية للصراع في سياق الدولة وليس خارجها، وهذه الرؤية السياسية كفيلة بأن يحققوا من خلالها ما عجزوا عن تحقيقه الآن. وغير ذلك فقدان القضية وتحولها لحلول تجزئية وسيطرة الحلول الإقليمية. ويبقى السؤال هل من رؤية وعقلية تتجاوز نفسها الآن؟