المحامي زياد ابو زياد - النجاح الإخباري - لا تزال مسيرات العودة تُشكل الحدث الأهم على الساحة الفلسطينية الى جانب التفاعلات التي نتجت عن قرار نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب للقدس وتنفيذ ذلك القرار بشكل عنجهي استفزازي لمشاعر الفلسطينيين بشكل خاص والمسلمين والمسيحيين بشكل عام لما فيه من دعم وتكريس للجهود الإسرائيلية التي تسعى الى إعطاء المدينة المقدسة طابعا ً يهوديا ً متجاهلا ً بُعديها المسيحي والإسلامي.

ومع أن مسيرات العودة هي كما يدل اسمها استهدفت ترسيخ مفهوم العودة وإرسال رسائل للعالم أجمع بأن الشعب الفلسطيني لم ولن يتخلى عن حقه في العودة إلى وطنه ، وجاءت لتتزامن مع الذكرى السبعين لتشريد الشعب الفلسطيني من وطنه فلسطين واقتلاعه من بيوته وأرضيه إلا أن هذه المسيرات جاءت أيضا ً للتعبير عن حالة الغضب والإحباط واليأس التي انتابت الكثيرين من أبناء شعبنا في غزة نتيجة استمرار الحصار والإغلاق والذي أدي الى الفقر المدقع وشح الدواء والماء والغذاء وتلوث كل مرافق الحياة في القطاع وانتشار الأمراض الخبيثة وغير الخبيثة مما بات يهدد بكارثة انسانية غير مسبوقة.

فالخروج في مسيرات العودة لم يكن نزهة بل تعبير عن إحساس متجذر في الأنفس بأن ظلما ً تاريخيا ً قد حل بشعبنا في غزة وأن هذا الشعب يصر ويطالب بوقف هذا الظلم وإزالته ، وأن الحصار الظالم ضد الشعب في غزة لا يمكن أن يستمر الى ما لا نهاية.

ولا شك بأنه كلما طال أمد وحجم المعاناة في القطاع كلما ازدادت الرغبة في انتزاع حق العودة وإزالة الظلم الذي لحق بشعبنا من جهة والتعبير عن رفض استمرار الوضع القائم من جهة أخرى. وبغض النظر عن حق العودة وهو حق ثابت لا نزاع حوله فإن على القيادة الفلسطينية أن تبادر فورا ً إلى الغاء كافة الإجراءات التي اتخذت بحق غزة وصرف كافة المستحقات فورا ً والإلتزام بما أعلنه الرئيس عباس أمام المجلس الوطني من إصداره الأوامر بصرف الرواتب والمستحقات إذ لا يُعقل أن لا يوضع كلام الرئيس موضع التنفيذ الفوري طالما أن الشعار هو سلطة واحدة وقرار واحد!!.

وبالتالي فإن التخفيف عن أهلنا في القطاع ورفع المعاناة عنهم يسهم الى حد كبير في تخفيف حدة الإحتجاج ويعطي الناس الأمل بأن الحياة يمكن أن تكون أفضل مما هي عليه الآن حتى ولو تأخرت العودة. والمؤسف جدا ً أن الخلاف الفصائلي بين فتح وحماس أخذ في الآونة الأخيرة يلقي ظلاله على مسيرات العودة وجعل كلا الطرفين يقعان في أخطاء جسيمة تمس بكرامة الآلاف من أبنا شعبنا المشاركين في مسيرات العودة وتحاول إما التقليل من قيمة هذه المسيرات أو وصمها بالطابع الفصائلي أو حتى الإنزلاق الى مستنقع الدعاية الإسرائيلية التي تحاول أن تضفي على هذه المسيرات طابع الإرتزاق.

لقد وجدت إسرائيل نفسها في مأزق أمام الرأي العام العالمي نتيجة استخدامها المفرط للقوة وقيام قناصي الجيش الإسرائيلي بقتل العشرات و جرح الآلاف من المشاركين في هذه المسيرات أصيب الكثيرون منهم من الخلف أو كانوا أطفالا ً أو نساء ً، ووجدت إسرائيل نفسها أمام انتقادات حادة وإدانات وشجب من كل الأوساط في العالم لقتلها المدنيين العزل من السلاح المشاركين في مسيرات سلمية لا عنفية.

وقد حاولت إسرائيل في المقابل الإدعاء بأن مسلحين من حماس اندسوا بين المتظاهرين السلميين بقصد تنفيذ عمليات مسلحة وأنها استهدفت بنيرانها اولئك المسلحين فقط.

ولم يمض وقت طويل حتى جاء صوت من داخل حركة حماس وعلى أعلى مستوى قيادي ليؤكد صدق المزاعم الإسرائيلية وينفي عن إسرائيل تهمة قتل المدنيين العزل من السلاح وكان ذلك الصوت هو القائد في حركة حماس صلاح البردويل الذي قال بأن أكثر من خمسين شهيدا ً من بين الستين الذين سقطوا هم من كوادر حركة حماس. وقد تنفست الآلة الإعلامية العسكرية الإسرائيلية الصعداء وحملت هذا التصريح البائس وبدأت بترويجه على كل المستويات لتبرير أعمال القتل وتقديمها على أنها قتل للإرهابيين المسلحين وليس المدنيين.

ولا بد هنا من الإشارة بأن ليست هذه هي أول مرة يتبرع فيها ناطق من حماس بتوريط الحركة وتقديم الخدمة للدعاية الإسرائيلية أو التبرير لتتمادى إسرائيل في عدوانها وأذكر على سبيل المثال لا الحصر التصريح الذي أدلى به صلاح العاروري قبل أعوام في استنبول وتحمل فيه مسؤولية خطف وقتل أولاد من المستوطنين في منطقة الخليل جر وراءه أعمالا انتقامية إسرائيلية سقط نتيجة لها العديد من الشهداء والجرحى والمعتقلين واضطرت تركيا آنذاك الى الطلب منه مغادرة أراضيها.

فالمسألة ليست فشرنة أو مباهاة إعلامية بل على أمثال هؤلاء وقبل أن يفتحوا أفواههم أن يسألوا أنفسهم عما يمكن أن يترتب على مثل هذه التصريحات غير المسؤولة.

وثمة أمر آخر لا يقل خطورة عن تصريحات البردويل وهو تسابق البعض الفلسطيني وهو على الأغلب من خصوم حماس الى تبني وترويج الإدعاءات الإسرائيلية بأن المشاركين في مسيرات العودة يقومون بما يقومون به كعمل مدفوع الأجر. فقد تداولت الأبواق الإسرائيلية أنباء بأن حركة حماس تقوم بدفع مبالغ من المال لكل من يصعد الى الباصات أو لكل عائلة ولكل جريح ولكل شهيد كل حسب عمله أو إصابته وأن هذه الأموال تُدفع من قبل إيران.

إن كل ذي عقل يُدرك فورا ً بأن هذه هي دعاية إسرائيلية تحاول المساس بمصداقية مسيرات العودة والإساءة للمشاركين فيها وتصويرها وكأنها عمل مدفوع الأجر وليست تعبير عن إرادة شعب يتمسك بحقه في العودة الى وطنه. وللأسف الشديد بأنه حتى بعض المثقفين والإعلاميين الفلسطينيين قد سقطوا في هذا الشرك وتناقلوا مثل هذه الإعاءات الباطلة دون أن يسألوا أنفسهم عن الأمانة الإعلامية والمصداقية والصدق والإلتزام.

يقولون بأن الطريق إلى جهنم ممهدة بحسن النوايا ، فلا يجوز الوقوع في الخطأ أو الخطيئة حتى لو كان ذلك بحسن نية.

نقلا عن القدس الفلسطينية