د.باسم الطويسي - النجاح الإخباري - على وقع سلسلة الضربات الجوية التي نفذتها إسرائيل في عمق الأراضي السورية الأسبوع الماضي وتردد أنها استهدفت مواقع إيرانية وسورية، والضربات التي وجهتها إيران  لمواقع إسرائيلية في الجولان، تزداد التوقعات التي تدق طبول حرب إقليمية في المنطقة ساحتها سورية وربما لبنان وأطرافها إيران وحزب الله من جهة واسرائيل من جهة أخرى، ويتزامن التصعيد غير المسبوق بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 8 أيار (مايو) انسحابه من الاتفاق النووي الذي وقعته إيران مع القوى الكبرى العام 2015، وإعادة فرض عقوبات على إيران، ومع استمرار هذا التصعيد المصحوب بعمليات عسكرية محدودة وشبه متبادلة فإن الخبرة في سلوك القوى الاقليمية لا تشير إلى احتمالات قوية أن ثمة حرب إقليمية تلوح في الافق.  
ما يجري اليوم، لا يتجاوز الصراع على التسويات النهائية في سورية وإعادة رسم ما تبقى من خرائط المصالح بين القوى الكبرى والقوى الاقليمية الصاعدة، وعادة ما تتم هذه التسويات بتفاهمات اللحظات الأخيرة وبالأعمال العسكرية بالوكالة التي ينفذها الوكلاء الصغار، في حين لا يغيب اللاعبون الكبار عن الأفعال العسكرية فهم يتدخلون بثقلهم فيما يعرف بالأعمال التكتيكية العلنية مثل الضربات الأخيرة التي توجه رسائل سياسية أكثر من كونها أفعالا استراتيجية بالمعنى الحقيقي. يقال إن الخطر يكمن في "خروج الأمور عن السيطرة.. فالحوادث التكتيكية على الأرض أو في الجو فوق سورية يمكن أن يساء فهمها، وتؤدي إلى سوء حسابات". وهذا وارد ولكن الأطراف كافة بما فيها اسرائيل وايران طورت خبرة واضحة في إدارة اللحظات الحرجة وضبط النفس في هذه الأوقات؛ وهذا ما يفهم من خلال مراجعة حالات التصعيد السابقة، أما القوى الكبرى فهي تمارس الألعاب الاستراتيجية بانضباط وحسابات أكثر دقة حتى حينما يقال أن الخط الساخن بين واشنطن وموسكو مغلق.  
مصادر التوتر العميق المتنامية تبدأ في الصراع على ملء الفراغ في الصحراء الشاسعة التي كان يسيطر عليها تنظيم داعش وهو الأمر الذي سينتهي خلال الأشهر القليلة القادمة مع استمرار تصاعد نفوذ الجيش السوري واستعادة بسط سيطرته. مصدر التوتر العميق الثاني يتمثل في المجال السوري الحيوي المحيط بالجولان ومحاولات ايران وحزب الله التمدد إلى هذا المجال ما يدفع إلى المزيد من الاستفزاز والمزيد من العمليات العسكرية الاسرائيلية التأديبية، يصاحب ذلك منافسة على السيطرة على جنوب شرق سورية المحاذية للحدود العراقية، حيث تمر الطريق الرئيسية التي تربط بغداد بدمشق. هذه الطريق ذات أهمية استراتيجية لإيران التي تسعى لفتح خط يوصلها إلى حليفها الرئيسي في لبنان، حزب الله، حيث بات الجنوب السوري الأوسط منطقة رمادية مفتوحة على احتمالات واسعة.  
ليلة الصواريخ الخميس الماضي تذهب بدفة الأحداث إلى مصدر القلق الاسرائيلي الرئيس وهو تنامي القدرات العسكرية لحزب الله، فقد استطاع التنظيم اللبناني تطوير خبرات نوعية غير مسبوقة خلال سنوات الحرب في سورية، واستطاع ايضا تنمية منظوماته من التسلح وفي المقدمة منظومات الصواريخ الايرانية الجديدة. الرؤية الاسرائيلية قامت على مبدأين طوال الأزمة السورية؛ الأول إبقاء إسرائيل بعيدة عن أي تدخل مباشر في الصراع، والثاني عدم السماح لحزب الله باستخدام حربه في سورية لتعزيز قدراته العسكرية، واتخاذ مواقف لوجستية تعزز من قدراته على مواجهة اسرائيل من أرض جديدة، وفي الوقت الذي صمدت فيه هذه الرؤية على مدى السنوات السبع الماضية، وحققت مكاسب استراتيجية كبيرة لإسرائيل فان المعطيات اليوم لا تشير الى ضرورة استمرار هذه الرؤية، فالحاجات الأمنية الإسرائيلية تشير إلى أن المواجهة المؤجلة ستكون على أرض أخرى وهي الأرض اللبنانية لا أكثر ولا أقل.   

نقلا عن الغد الأردنية