أحمد عبد الغني - النجاح الإخباري - لا يختلف اثنان على أن ما حدث من استهداف لموكب رئيس الوزراء الدكتور رامي الحمدالله في غزة جريمة كبيرة، ومن يقلل من قيمة الحدث أو يصدر الإشاعات ويختلق الأكاذيب لحرف الأنظار عن المتهم الرئيسي في الجريمة لا يستحق أن يكون فلسطينياً وشريكاً في مشروع وطني.

ورغم قوة الانفجار الذي وثقته عدسات الصحفيين ووسائل الإعلام المحلية والدولية، إلا أن البعض حاول التقليل من قيمة الحدث بالحديث ان ما حدث لا يعدو عن كونه انفجار إطار سيارة في الموكب أو أنها جاءت مفتعلة، وللأسف هناك وسائل إعلام تساوقت مع الحدث، فيما وسائل إعلام حماس تعاملت مع ما جرى على أنه لا يستحق تسليط الضوء عليه.

مع احترامي لكل من أدان الحادث الإرهابي، إلا أن ما صدر عن بعض الفصائل الذين تقمصوا دور الصليب الأحمر يجب أن يكونوا جريئين في قول الحق، وليتذكروا خطاباتهم وبياناتهم في الاتهامات للسلطة بكافة مكوناتها.

المهم أن حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة أمنياً، هي من تتحمل المسؤولية بشكل كامل وعليها مسؤولية كشف الإرهابيين الذين لا يروق لهم تحقيق المصالحة وتحقيق الوحدة الوطنية للتفرغ لمواجهة المؤامرة الكبرى التي تستهدف قضيتنا والمتمثلة في صفقة القرن التي يعتزم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على طرحها بعد أن سلخ القدس عن الحل وهو ما رفضته القيادة الفلسطينية بشكل قاطع.

ومن حقنا أن نتساءل ونستعرض بعضاً من الأحداث السابقة التي جرت في غزة على شاكلة ما حدث مع موكب رئيس الوزراء، وبعضها تم كشفه والبعض الآخر بقي طي الكتمان رغم معرفة الفاعلين وبقوا طلقاء.

ومن بين هذه الأحداث، ما جرى على شاطئ الشيخ عجلين حينما تم تفجير سيارة تابعة لعناصر من كتائب القسام وأسفرت عن مقتل أربعة منهم، وسارعت أجهزة أمن حماس وفي وقت وجيز بتوجيه أصابع الاتهام إلى أحد قيادات حركة فتح وهو زكي السكني الذي نفي علاقته بالحادث وبقي في سجون حماس لمدة عشرة أعوام، قبل أن يتم تحريره شريطة أن يغادر القطاع وهو الآن موجود في مصر. الأمر الذي يؤكد براءته من الحادث براءة الذئب من دم سيدنا يوسف، لكن حماس تعلم من القاتل ومدبر التفجير وهو منهم.

وفي حادثة أخرى، حينما فجرت عناصر من حركة حماس معلومين لدى الشارع منازل قيادات حركة فتح قبيل يومين من مهرجان إحياء ذكرى استشهاد الراحل ياسر عرفات، واضطرت الحركة لإلغاء المهرجان حفاظاً على الأرواح.

كم لا يجب أن لا ننسى أن محافظة الشمال تحديداً لها النصيب الأكبر في تدبير محاولات الاغتيال بحق مسؤولي السلطة، وكشفت مخطط لحماس بحفر نفق لاغتيال الرئيس عباس قبل عام 2007، لكن جاء الانقلاب، والأشخاص الذين تواجدوا في النفق معروفين بالاسم لدى الرأي العام في قطاع غزة.

أما حادثة مقتل الأسير المحرر مازن فقها، ورغم صعوبة الأمر على الكل الفلسطيني إلا أن حركة حماس تمكنت من فك ألغاز الجريمة، وبينت للرأي العام جزءاً منها على أنها التفاصيل الكاملة وأعدمت ثلاثة أشخاص متورطين وبقي أشخاص كثر لا تعلمهم إلا حماس، ورفضت حماس في مؤتمر صحفي الإجابة على تساؤولات الصحفيين.

وأخيراً جاء مشهد استهداف مسؤول قوى الأمن في غزة توفيق أبو نعيم، وهو من أكبر الداعمين للمصالحة إلى جانب رفيق دربه في السجون مسؤول حماس في قطاع غزة يحيى السنوار، وكانت بمثابة رسالة تهديد له وللسنوار بأن لا يسيروا في هذا الاتجاه، وبالفعل لم يسمع صوتاً للسنوار بعدها، ورغم أن اجهزة أمن حماس قالت أن المجرمين معلومين إلا أنها لم تكشف عن هويتهم.

يتضح من ذلك ، أن هناك تياراً في حركة حماس لازال يؤمن بأن القتل والإرهاب هو سبيل بقاءه على حساب المشروع الوطني، ويأخذون من المواطنين رهينة لتحقيق مكاسبهم الشخصية.

الماكنة الإعلامية لحركة حماس التي عملت بها منذ توقيع تفاهمات القاهرة في أكتوبر 2017، عملت على تحميل السلطة والحكومة كل المسؤولية عن تعثر المصالحة، رغم أنها تعلم جيداً ما فعلته من خطوات على الأرض لإفشالها من حيث طرد الموظفين، ورفض تسليم سلطة الأراضي والقضاء ورفض تسليم الجباية وغيرها، والتي لم يستطع السنوار رجل المصالحة في حماس أن يواجه هذا التيار الرافض للمصالحة.

هنا لابد الإشارة إلى تصريحات عضو المكتب السياسي لحركة حماس محمود الزهار، الذي تطاول فيها على الحكومة ورئيسها الدكتور الحمدالله وطالب باعتقاله لمحاكمته بتهم الفساد، وزاد في تصريحاته واتهم الحكومة بأوصاف لا تخرج من انسان خلوق.

كما جاءت تحريض بعض قيادات حماس أمثال النائب في التشريعي عاطف عدوان الذي أوصى بعدم توفير الحماية لمسؤول حركة فتح عزام الأحمد والحكومة في غزة.

هذا الضخ الإعلامي من هذا التيار الذي يرفض مغادرة الحكم في غزة هو المسؤول تحديداً عن هذا العمل الإرهابي خاصة وأن تاريخه يشهد له بذلك قولاً وفعلاً إلى أن تظهر النتائج للعلن بوجود لجنة تحقيق تشارك فيها جميع الأطراف لضمان نزاهتها وشفافيتها وأن لا تكون النتائج كسابقتها من الجرائم التي بقيت طي الكتمان.

ولعل ما جرى زاد تأكيد صوابية ما ذهب إليه الرئيس محمود عباس من أن المصالحة تعني تمكين حكومة الوفاق الوطني من العمل في قطاع غزة أسوة بالضفة الغربية، الأمر الذي ترفضه حماس عملياً رغم ادعائها بأن الحكومة تمكنت واستلمت كل شيء في غزة.

حماس لا تريد من المصالحة إلا ألقاء أعبائها على الحكومة لتكون صراف آلي لها ولعناصرها الذين انقلبوا وسفكوا دماء أبناء الأجهزة الأمنية عام 2007، وتبقى هي مسيطرة على الأرض، محاولة تطبيق النموذج اللبناني.

ومع ذلك ، فالمصالحة هي خيار استراتيجي عنوانها تمكين الحكومة في القطاع بشكل كامل، وهذه مسؤولية الفصائل الفلسطينية للضغط على حركة حماس، وأن تمتلك الجرأة في قول الحق، لا أن تقول أن الحادث يجب أن لا يعكر الأجواء.