د. محمد أبو حميد - النجاح الإخباري - إن الإرهاب والتنمية لا يلتقيان...

 إن مفهوم الإرهاب مفهوم واسع وملتبس باعتباره يستغل لأسباب وغايات مختلفة، رغم أن الإرهاب أياً كانت مبرراته وأسبابه، فهو يشكل عقبة أمام تنمية الشعوب وتمكينها واستغلال مواردها وثرواتها، حيث يستخدم العنف العشوائي أو المنظم بهدف ترويعهم وتحقيق ماّرب سياسية أو دينية... إلخ.

 

من جهة أخرى يعرف علم الاجتماع السياسي الإرهاب بأنه: (كل تصرف أو سلوك بشري ينزع إلى استخدام القوة القسرية والاستخدام غير المشروع للسلاح مخالفاً بذلك لحقوق الإنسان الأساسية التي أقرتها الشرائع السماوية والمواثيق الدولية في التعامل مع إدارة العلاقات الإنسانية، بما في ذلك الاختلافات في المجالات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية بهدف تحقيق غايات في تلك المجالات تتراوح بين الإخضاع والضغط والتهميش).

 

 بذا نستنتج أن الإرهاب ظاهرة خطيرة في حياة المجتمعات الإنسانية وهو أسلوب متدن للوصول إلى الأهداف، فالإرهاب ليس له هوية ولا ينتمي إلى بلد وليست له عقيدة، إذ أنه يوجد عندما توجد أسبابه ومبرراته ودواعيه في كل زمان ومكان ولكل لغة ودين.

 

 وقد تمارسه دولة (مثل ما يحدث من إرهاب بحق الشعب الفلسطيني من دولة الاحتلال) التي ترفض الامتثال للقانون الدولي والاستقواء على الشعب الفلسطيني بالسيطرة على أرضه وموارده واعتقال أبنائه وممارسة كل أشكال القتل والعنف بحقه.

 

 أما التنمية الاجتماعية فلا بد لها من توفير مبادئ أساسية أهمها المساواة، العدل، الحرية، توفير الأمن والطمأنينة، والتعاون.

 

 وهذا يتطلب تشريعات وأحكام دستورية تؤطر السياسات الاجتماعية.

 

 فالسياسية الاجتماعية هي النهج الذي تعتمده الدولة تأسيساً على المنظور السياسي والاقتصادي تتبناه لغرض تنظيم حياة الفئات الاجتماعية، وعلاقتها بمتطلبات العيش الكريم، بما يكفل التوزيع العادل للثروة وتعزيز رأس المال البشري والعمل المنتج سعياً إلى توفير الرفاهية الاجتماعية وسعادة المجتمع، والتنمية والتكافل والاستقرار الاجتماعي.

 

فالسياسة الاجتماعية نهج يقوم على منظور سياسي واقتصادي تتبناه الدولة، كما للسياسة الاجتماعية غايات ذات طبيعة بنائية، فهي لم تعد تسعى إلى تقديم خدمات إلى الفئات المهمشة والأكثر فقراً بهدف تمكينها من الحصول على احتياجاتها الأساسية وإنما غدت آلية لبناء مجتمع تسوده العدالة والاستقرار وتتوفر له مقومات الاستدامة عن طريق تحسين وتعزيز نوعية الحياة للناس كافة بمختلف أبعادها، وتتمثل الغايات البنائية للسياسة الاجتماعية في سعيها إلى تحقيق التوزيع العادل للثروة إضافة إلى تقديم الخدمات الأساسية، مثل الصحة والتعليم والسكن والأمن الاجتماعي كل ذلك في إطار مؤسسي قائم على قانون وتشريع يضمن مبادئ المساواة الاجتماعية وحقوق الإنسان.

 

 وعلى ضوء ما سبق يمكن تحديد أهداف السياسة الاجتماعية على النحو التالي:

 1 – تحقيق الرفاهية الاجتماعية من خلال سد الحاجات الأساسية للجميع وليس لفئة معينة، ما يتطلب تعزيز العدالة الاجتماعية باعتماد آليات تكفل تحقيق التوزيع العادل في المجتمع وذلك للحد من الفقر والحفاظ على حد أدنى للأجور ومستوى معيشي لائق تكفله شبكة للأمن الاجتماعي، ونظام ضريبي فعال يوفر الموارد المالية اللازمة لذلك.

 

 2- قيام نظام الحكم الرشيد يكفل تمكين الجميع من المشاركة في وضع السياسات واتخاذ القرارات في الدولة، ويمكن للأفراد من ممارسة حقوقهم وحرياتهم الأساسية.

 

3 – الاهتمام بالتنمية البشرية سعياً إلى توسيع إمكانية الحصول على فرص عمل لائق، وذلك من خلال بناء الإنسان وتعليمه وتفعيل التنمية الاقتصادية لخلق اقتصاد قادر على توفير فرص عمل كافية.

 

 4 – إصلاح أوجه الخلل في السلوك الاجتماعي بالسعي إلى تغيره باتجاه بناء الثقة والتماسك الاجتماعي، وهذا يقتضي اعتماد سياسة وخطط وبرامج تنفيذية تعمل على تشجيع الأفراد على تبني القيم التي تشجع على التسامح ونبذ العنف، مما يتيح قيام مجتمعات متماسكة.

 

 وهذه القيم يمكن تعليمها للأفراد سعياً إلى اكتسابها والتخلي عن القيم السلبية التي تثير النزاع والشقاق في المجتمع ونبذ العشائرية والمناطقية وتعزيز الانتماء للجماعة والأهداف الوطنية الجامعة.

 

 قد يشكل ذلك مدخلاً لتنمية اجتماعية في البلدان العربية تساهم في وضع حد لظاهرة الإرهاب التي أخذت أشكالاً مختلفة، وقد يكون لهذا الإرهاب أسبابه الداخلية والخارجية.

 

 إن أسباب ظاهرة الإرهاب وازديادها متعددة وموزعة على ميادين مختلفة، اقتصادية، اجتماعية ونفسية غيرها، ودراسة هذه الأسباب مجتمعة مهمة وصعبة للغاية، إذ لا يمكن القضاء على الإرهاب إذا لم تعالج أسبابه، ورغم التباين في وجهات النظر في تحليل ظاهرة الإرهاب واختلاف التفسير للمشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تنشأ عنها هذه الظاهرة.

 - فالأسباب الاقتصادية تلعب دوراً مهماً في توجيه سلوك الإرهاب في المجتمعات

البشرية، فالمشكلات الاقتصادية يؤدي إلى تدمير أسس البناء الاجتماعي، وتترك آثارها على كافة أبناء المجتمع، كما أن البناء الاقتصادي يؤدي إلى نمو علاقات اجتماعية معينة فإذا كانت مشبعة اقتصادياً أحدثت التماسك والترابط الاجتماعي وإن كانت عكس ذلك ولدت العنف والسلوك العدائي.

 

 يمكن الإشارة إلى عوامل داخلية مثل التخلف، البطالة، وسوء توزيع الثروة والفساد الإداري الحكومي، حيث ينتج عن كل ذلك الفقر والقمع والتهميش وصولاً إلى الإرهاب.

 

أما العوامل الخارجية فيمكن تلخيصها في ضوء اختلال العلاقات الدولية والتناقضات التي طرأت بسبب الأزمات الاقتصادية المتلاحقة منذ منتصف القرن الماضي وهنا نذَكر بما جاءت به اللجنة المتخصصة والتي شكلتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1972 لدراسة أسباب الإرهاب، حيث بينت الدراسة التي أعدتها هذه اللجنة بأن هناك أسباباً لظاهرة الإرهاب تتلخص بما يلي:

 

وجود نظام عالمي اقتصادي جائر يؤدي إلى استغلال للموارد الطبيعية الوطنية والذي يقود إلى خلق حالة من الغضب والعداء المستمر بين مختلف شعوب العالم.


 الظلم والاستغلال السياسي والاقتصادي والاجتماعي.


 الفقر والجوع والشقاء وخيبة الأمل والإحباط.


 البيئة الاقتصادية الدولية وهيمنة الدول الكبرى على الاقتصاد العالمي.


 الشعور بالاستعباد والظلم بسبب سياسة الكيل بمكيالين تجاه قضايا شعوب العالم الثالث.

 

ولعل من المهم أن نتطرق إلى قضية الشعب الفلسطيني، والعلاقة بين التنمية والإرهاب.

 

 إن من عوامل قيام دولة إسرائيل في المنطقة عرقلة مشاريع التنمية العربية بحيث يشكل وجود (إسرائيل) في المنطقة عامل إرباك وإشغال للأمة العربية، مما يجعل (العرب) في حالة استنفار دائم وهذه الحالة تجعل العرب يبحثون عن وسائل للدفاع عن أرضهم ومصالحهم من عدو يستهدف مستقبلهم، الأمر الذي ينتج عنه استنزاف الموارد العربية والثروات والأموال بسبب الحاجة لتأمين السلاح وغيره، وحتماً سيكون ثمن ذلك على حساب التنمية.

 

 ونظراً لحالة الاستهداف لموارد الأمة التي تقوم بها (إسرائيل) فإن ذلك يؤدي إلى إقامة أنظمة دكتاتورية عسكرية وبوليسية خوفا ًمن اختراق إسرائيلي مما ينتج عنه القضاء على فرص بناء حياة ديمقراطية سليمة وحقيقية، الأمر الذي ينتج عنه التخلف والفقر والتهميش.

 

عليه فإن استمرار احتلال الأراضي الفلسطينية يؤدي إلى حالة الاحتقان والصراع وعدم الاستقرار في المنطقة وبالتالي إبقاء الوضع على ما هو عليه يساهم بشكل كبير في تدني فرص التنمية ليس قي فلسطين فحسب بل في المنطقة العربية برمتها.

 

فالخطر لم يقتصر على مستقبل الشعب الفلسطيني فحسب بل انعكس على كافة الشعوب العربية، بسبب ضعف البنية الاجتماعية وتفكك النسيج المجتمعي.

 

 وما حدث في السنوات الخمس الأخيرة لدليل على ذلك، وهذا يتطلب (قبل فوات الأوان) وضع استراتيجية عربية للتنمية الاجتماعية قابلة للتنفيذ تراعي حاجة الشعوب العربية في حياة كريمة تضمن بناء إنسان عربي غيور على مصالح بلاده وقائمة على العدل والمساواة والوعي وصدق الانتماء.

 

 كما لا يختلف اثنان، على أن مستقبل أية تنمية في فلسطين، رهنٌ بزوال الاحتلال الإسرائيلي، ونيل شعب فلسطين حقه في التصرف بموارده، التي يدونها سيظل تحت رحمة المساعدات الدولية، ويعاني من العجز الدائم في الموازنة، والبطء الشديد، إن لم يكن الشلل في العملية التنموية!


فالتنمية المستدامة والاحتلال، مفهومان متناقضان، وهذه بديهة باعتبار أن الاحتلال الإسرائيلي، ظل يشكل العائق الأبرز أمام العملية التنموية، وهو عنصر الإحباط الدائم، أمام الآفاق التنموية في فلسطين، لتحقيق مشروع وطني تنموي شامل، وهذا ينعكس ثقيلاً بالطبع، على مستقبل الشعب الفلسطيني وحقه الأصيل في تقرير مصيره وإقامة دولته!

 

إن الأرقام الرسمية الصادرة عن منظمة العمل الدولية (ILO) تشير إلى أن نسبة البطالة في الضفة الغربية وقطاع غزة قد تجاوزت 40% بعدما كانت أقل من 17% قبيل انتفاضة الأقصى الثانية. الأمر الذي انعكس بالتأكيد على مستوى معيشة العائلة الفلسطينية.

 

فقد أشار تقرير البنك الدولي الأخير إلى أن 70% من العائلات الفلسطينية في مناطق السلطة تعيش تحت خط الفقر، وبالتحديد في قطاع غزة الذي كان يصدر أكثر من 700 شاحنة يومياً من منتوجاته في عام 2005 ليصدر اليوم ما مقداره 34 شاحنة يوميا فقط.


ولعل من الأهمية بمكان، أن تساند الأقطار الشقيقة، عملية تنموية تعطي دوراً أكبر للحماية الشعبية، في مساندة الكيان السياسي الفلسطيني لانتشال الاقتصاد من الهاوية ومجابهة الممارسات الإسرائيلية.

 

ففي هذا السياق، يتطلع الفلسطينيون إلى دعم الصناعات الوطنية بشكل كامل، خاصة في القطاعات التي فشلت إسرائيل في احتكارها طوال سنوات الاحتلال، وكذلك إلى التوسع في النشاط الزراعي، بالإضافة إلى تفعيل مبدأ مقاطعة كافة المنتوجات الإسرائيلية فلسطينياً وعربياً ودولياً، ولكي نتتقل من دائرة التمني إلى دائرة التنفيذ، أصبحنا في حاجة إلى تكتف عربي لقطع الطريق على التطبيع الاقتصادي مع إسرائيل، وتكثيف الجهد لانتشال الاقتصاد الفلسطيني من عثرته، وتكريس مبدأ المشاركة، لأن معركة الاقتصاد والتنمية في فلسطين، هي معركة العرب أجمعين، وستكون فلسطين المقتدرة اقتصادياً، قادرة على تعزيز صمود شعبها وازدهاره وضمان بقائه ورخائه، ما يؤمن للأقطار الشقيقة مناخاً سياسياً واجتماعياً ملائماً. ولا يخفى أن تحويل الأراضي الفلسطينية، إلى مناطق طاردة لسكانها، من شأنه أن ينعكس سلباً على الإقليم، لا سيما وأن من بين تداعياته النفسية على الشباب والناشئة، سيكون تعاظم الإحساس بالمظلومية والاندفاع إلى طريق العدم!

 

لذلك فإن أي تطبيق عملي لمبدأ مجابهة إسرائيل اقتصادياً، يجب أن يكون خلاصة تعاون وتنسيق مشترك بين فلسطين وشقيقاتها، وبين حكومة فلسطين والمؤسسات المدنية والشعبية فيها، تحت غطاء سياسي عربي موحد يعي خطورة الوضع الاقتصادي في الأراضي الفلسطينية الذي يدخل بالفعل الآن، في غرفة الإنعاش، ولا يبدو أن هناك شيئاً في الأفق، يبشر بإمكانية خروجه من حال الحرج.

 

وختاماً يمكن القول بأن المجتمعات العربية تواجه تحديات داخلية تتعلق بحقوق الإنسان والتميز الطائفي والمناطقي، إضافة إلى التحديات الخارجية (الاحتلال والاستيطان) والتدخل الخارجي في شؤونها الداخلية مما يبقيها تجد صعوبة في التعافي من الأزمات التي تحد من كفاءة الاقتصاد الكلي لتحقيق قيم مضافة تضمن الحماية الاجتماعية.

 

 وبالتالي عدم القدرة على التخفيف من حدة الفقر والتهميش ومجالات العدالة الاجتماعية، ومما لاشك فيه أن هذا الواقع المأزوم ينعكس على سلوك الأفراد وعلى قواعد الضبط الاجتماعي والديني فيفرز ممارسات ضارة، كالمخدرات والاتجار بالبشر والانتماء إلى منظمات إجرامية وإرهابية تغرر بالشباب وتشويه هوية المواطنة لتؤدي دوراً معادياً للأمن والتعايش السلمي مما يؤدي إلى إرباك الدول والمجتمعات والمؤسسات ويعرقل عملية التنمية والتطور.

 

 إن الإرهاب نتاج صراع حاد بين اقطاب السياسة الدولية لإحكام السيطرة على العالم، وإعادة تقسيمه ورسم خارطة جديدة له بمقتضى العولمة، وللإرهاب دور خطير في تعقيد المشهد السياسي والاجتماعي في منطقتنا العربية وفرز أخلاقيات متدنية وعقائد فاسدة وتطرف ديني وسياسي وثقافي انعكس سلباً على خيارات الناس التنموية وتفاقم أوضاع الدول العربية ذات الاقتصاد الريعي.

 

إن الإرهاب العالمي الجديد لم يستثن أحداً، أفراداً أو مجتمعات باعتباره مظهر متوحش للنظام العالمي الجديد.