هاني حبيب - النجاح الإخباري - رغم سخونة الأحداث على الساحة الفلسطينية من حيث التعاطي السياسي مع الملفات المعقدة، إلاّ أن هذه الأجواء الساخنة تخفي حقيقة أن الجميع في «حالة انتظار» دون فعل حقيقي يؤدي إلى تطور محدد على أي من هذه الملفات، والحديث هنا عن ملفات ثلاثة تحديداً، ملف احتمالات انفجار الأوضاع في قطاع غزة، ما يؤدي إلى حرب تشنها الدولة العبرية عليه، وملف المصالحة، والملف الأكثر بروزاً والمتعلق بما بات يسمى بـ»صفقة القرن» أو «صفعة القرن» على حد قول الرئيس عباس، مداولات وحراك ونقاشات بين الفشل والنجاح حيناً، والتجاهل من قبل الأطراف وحتى الرأي العام معظم الأحيان، سادت أجواء هذه الملفات، دون أي تقدم يذكر إلاّ على ملف واحد وحيد، سنحاول رصده في السطور التالية:
لا يبدو في الأفق إمكانية لانفجار حرب إسرائيلية على قطاع غزة، حتى مع تزايد الإشارات التي تؤكد أن أوضاع القطاع باتت غير قابلة للتحمل، فدائماً هناك «انفراجات» وهمية يتم زرعها من هنا وهناك، للتطلع إلى المستقبل، سواء لجهة تحسينات على الحصار، مصرية أو إسرائيلية، بالتوازي مع احتمالات ـ ضئيلة ـ على التوصل إلى مصالحة فلسطينية داخلية، يتم من خلالها تجاوز حالة الانفجار هذه، ومع أن احتمالات الحرب غير واردة، لأن أحداً لا يريدها، مع ذلك، فكل الأطراف المعنية تستعد لها بكل قوة، لأن إمكانية السيطرة على هدوء مفتعل أمر مشكوك به في كل الأحوال التي يعيشها قطاع غزة بالتوازي مع التهديدات الإسرائيلية المستمرة، وعليه فإن حالة الحرب ما هي إلاّ حالة انتظار!
إشارات متبادلة، توحي بقرب التوصل إلى توافقات فلسطينية داخلية على ملفي الموظفين والتمكين، وفد أمني مصري يعود مجدداً إلى القطاع لتأكيد دور القاهرة على ملف المصالحة بالضغط على الجانبين لتجاوز الخلافات، خطابات إعلامية متبادلة تشير إلى أن إمكانية تجاوز العقبات موضع شك، على المستوى المنظور على الأقل، وفي كل لحظة يتبين أن الجميع يعود إلى المربع الأول، وبحيث يبقى هؤلاء، مع الملاحظين والمراقبين والرأي العام، في حالة انتظار، أيضاً!
أما ملف «صفقة القرن» فهو الملف الوحيد الذي يجب ألا ينتظره أحد، مع أن الجميع يخالف هذا الرأي وما زال في حالة انتظار، ومبرر عدم الانتظار، كما نرى، في أن هذه الصفقة قد تمت فعلاً، والأمر ليس بحاجة إلى خطة واضحة، ومحدّدة ويتم الإعلان عنها، أو على الأقل تسليمها للأطراف المعنية. «صفقة القرن» بدأت تتبلور مع إعلان الرئيس الأميركي عن الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة للدولة العبرية، ومع المخطط الإسرائيلي ـ الأميركي لإنهاء ملف العودة للاجئين الفلسطينيين من خلال خطوات جدية لإنهاء وتصفية أعمال ومهمات وكالة «الأونروا»، إذن نحن أمام عملية هضم وقضم للملفات الأساسية التي تدور حولها القضية الفلسطينية وعملية الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي وهي الملفات التي يطلق عليها ملفات الحل النهائي من اتفاق اوسلو، هنا نجد تناقضاً في رؤية أميركا لهذه الصفقة التي تقول إنها ستفرض على الجانبين، مع أنها ستفرض عملياً على جانب واحد وهو الجانب الفلسطيني بالتأكيد، إلاّ أن التناقض ليس هنا، بل في أن إدارة تتهم الجانب الفلسطيني أنه لا يتجاوب مع مساعي العملية التفاوضية، فأي مفاوضات يمكن لها أن تعقد إذا كانت «صفقة القرن» سيتم فرضها، في هذه الحال، فإن المفاوضات ما هي إلاّ الاستسلام من قبل الجانب الفلسطيني لشروط الصفقة، وهو الأمر الذي لا يستطيع أحد الإقدام عليه، مع ذلك، فهذه الصفقة، التي يتم تمريرها منذ زمن، ستتمكن في نهاية الأمر من أن تنفذ كأمر واقع في ظل غياب البدائل الحقيقية الممكنة في ظل تعقيدات الوضع الفلسطيني من ناحية، وظروف الإقليم والعلاقات الدولية في هذه الفترة الزمنية الغامضة!
الملف المتعلق بصفقة القرن، يخرج عن الاطار الضيق للملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي، ليتجاوزه لكي يتحول إلى ملف إقليمي، نقصد هنا، الالتفاف الأميركي ـ الإسرائيلي الناجح بامتياز، على «المبادرة العربية»، هنا لا بد من ملاحظة، عزوف العرب عن تداول هذه المبادرة والحديث عنها إلاّ في مناسبات نادرة، والأهم من ذلك، هذه التحولات التي نشهدها  من عملية تطبيع تجري على قدم وساق، يتم الإعلان عنها بكل جرأة وصفاقة من خلال وسائل الإعلام العربية، والأمر ليس حكراً على وسائل الإعلام الإسرائيلية.
وحتى الحلفاء المحتملين، أو الأصدقاء الذين استهدفنا وقوفهم معنا في إطار آلية دولية للرد على «صفقة القرن» الأميركية وملفاتها الأساسية التي تمت حتى الآن بما في ذلك، إعلان ترامب حول القدس، فإن هؤلاء، رغم موقفهم الواضح ضد السياسة الأميركية، كالاتحاد الأوروبي مثلاً، إلاّ أنهم أبعد من أن يتخذوا موقفاً حاسماً إزاء هذه الملفات وفي الجوهر منها «صفقة القرن» التي تترجم عملياً في محطات عديدة من دون أن تشكل حالة انتظار، إلاّ لدى الواهمين فقط!

[email protected]